من الأطماع الإسرائيلية في اليمن إلى التهديدِ اليمني لكيان العدو
زيد أحمد الغرسي
لو تابعنا مجريات التاريخ منذ زُرع كيانُ العدوّ الصهيوني في فلسطين المحتلّة، لوجدنا أن هناك اهتماماً إسرائيلياً باليمن وموقعِه الجغرافي المتميز، وعلى أثر ذلك بدأت التحركاتُ الإسرائيلية في إرسال جواسيس لليمن لدراسة الطبيعة الجغرافية لها خُصُوصاً في المناطق الساحلية من الحديدة إلى عدن وحضرموت، وكان على رأسهم الجاسوسُ الإسرائيليُّ “باروخ” الذي تمَّ القبضُ عليه في الحديدة عام ١٩٧٢م، وهو يصوّر ميناءَ الحديدة وبعضَ المناطق في المحافظة.
واستمرَّ هذا الاهتمامُ طوال العشر السنوات الماضية، وكانت إسرائيلُ تعتمد على علي عبدالله صالح في تنفيذ أهدافها في اليمن؛ لإبقاء باب المندب تحت وصايتهم بطريقةٍ غير مباشرة، وهذا ما أكدته الوثائقُ التي تمَّ عرضُها في الفيلم الوثائقي الذي نشرته قناةُ المسيرة والتي أكدت علاقةَ عفاش بالعدوِّ الإسرائيلي.
إسرائيلُ تنظر لليمن وموقعه من الناحية الاستراتيجية، حيثُ يتحكّم بأحد أهـمِّ ممرات العالم المائية، وهو باب المندب الذي يعتبر المنفذ الجنوبي لها للعبور إلى دول العالم، علاوةً على اعتباره ممراً مهماً للتجارة الدولية.
وبعد أن كانت مطمئنةً لسيطرتها عليه من خلال النظام السابق الذي كان يحكم اليمنَ، جاءت ثورةُ ٢١ سبتمبر وغيّرت الموازينَ وقلبت المعادلات وَكان أولُ من عبّر عن قلقه من ثورة ٢١ سبتمبر هو العدوُّ الصهيوني، كما صرّح أيضاً بأنَّ ثورةَ اليمن أهـمُّ لديهم من الاتّفاق النووي الإيراني.
بعد ذلك جاء العدوانُ على اليمن الذي كان بدفع إسرائيلي أمريكي، وكان من أهم أهدافه احتلال اليمن والسيطرة عليه لضمان سيطرتهم على باب المندب، وفي هذا السياق تأتي محاولات التقسيم واحتلال الجنوب.
ثم جاء إعلانُ أمريكا عن إنشاء تحالف دولي لحماية البحر الأحمر من قبل الدول المطلة عليه بقيادة العدوِّ الإسرائيلي قبل أكثر من سنة.
كما أعلنت مؤخراً إنشاءَ تحالف دولي لمكافحة ما يُسمّى الإرهاب في الممرات المائية، خُصُوصاً في مضيق هرمز وباب المندب، وعقدت اجتماعات ومؤتمرات دولية في البحرين..
وكلُّها محاولات أمريكية إسرائيلية للسيطرة على باب المندب والساحل الغربي لليمن وخليج عدن والبحر العربي.
حتى محاولات احتلال الحديدة كان باهتمامٍ بريطانيٍّ بالدرجة الاولى لتحقيق هذا الهدف.
الفشلُ الذريعُ في تحقيق أهداف أمريكا وإسرائيل من قبل السعودية والإمارات خلال الخمس السنوات، دفع بالعدوِّ الصهيونيِّ ليعلن عن تقدمه في الصفوف الأمامية في المعركة ضدَّ اليمن بشكلٍ مباشرٍ من خلال الإعلان عن استعداده لتوجيه ضربة لليمن، هنا جاء الردُّ واضحاً وصريحاً ومباشراً وبكلِّ قوة من قائد الثورة السيّد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي قال في خطاب المولد النبوي بأنَّ الشعبَ اليمنيَّ على استعدادٍ لإعلان الجهاد في سبيل الله ضدَّ إسرائيل، كما إنَّ القيادةَ مستعدّةٌ لتوجيه ضربات مباشرة ضد الأهداف الحساسة في كيان العدو الصهيوني، ولم تمضِ سوى ساعاتٌ حتى أخذ الإسرائيليون هذا التهديدَ على محمل الجدِّ، وصرّحوا بأنه لا يمكن التغافلُ عن التهديد، وهنا السؤال لماذا كانت ردّة الفعل الإسرائيلية سريعة وجدية؟!
نعودُ قليلاً إلى عمليتي بقيق وخريص التي كان لها دور كبير وتأثير على العدو الإسرائيلي والأمريكي، حيث جاءت هذه العمليةُ لتؤكدَ أنَّ القرارَ في اليمن قرارٌ مستقلٌّ وشجاعٌ وليس عنده أيّ خطوط حمراء في الدفاع عن نفسه، وأن ما كان يعتبره العالم خطاً أحمرَ لا يمكن القرب منه، وهو النفط السعودي، أصبح تحت التهديد بل وتحت الضربات المباشرة بعيداً عن أية حسابات سياسية إقليمية أو دولية..
هذه العمليةُ توقّف عندها العالمُ أجمع، وأدركوا أنَّ هناك إرادة صلبة لا تنحني للضغوطات ولا للسياسيات ولا الاملاءات وبالذات الأمريكي والإسرائيلي الذي يعرف جيداً الخلفيةَ الثقافيةَ والدينيةَ للشعب اليمني ومسيرته القرآنية وقيادته القرآنية المنتمية إلى أهل البيت عليهم السلامُ، وبالتالي كان تعاطيهم مع تهديدِ السيد القائد جدياً؛ لأنهم يعرفون صدقَه وقوته وإرادته وقراره المستقل، وإذا وعد أوفى بوعده.
بالتأكيد هذا التهديد يعتبر زلزالاً على العدوِّ الإسرائيلي؛ كونه أول تهديد مباشر ضدَّ كيان العدوّ من اليمن، كما إنه إعلانٌ تاريخيٌ استراتيجيٌ سيعيد ترتيبَ الأوراق في المنطقة، بما في ذلك إعادة الصراع مع العدوِّ الإسرائيلي وإفشال صفقة ترامب، ولن أبالغَ إن قلت بأنه إعلانٌ عن بداية نهاية كيان العدوّ الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي.