الموضوعُ أكبرُ من البدعة وأبعدُ عن الرحمة
عبدالعزيز أبو طالب
بعد الاحتفالِ الشعبي الكبير والمهيبِ بالمولد النبوي الشريف في اليمن، تفاعل الجميعُ كُـلٌّ حسبَ منطلقاته وأهدافه من المناسبة:
فريقٌ أحيا الذكرى حبّاً في صاحبها عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ، واعترافاً بفضل الله ورحمته، وترسيخاً له في ذاكرة الأجيال، واستلهاماً منها للعبرة والدروس من سيرة صاحب الذكرى، واحتساباً للأجر في رفع ذكره كما رفعه اللهُ وشرّفه.
وفريقٌ آخرُ حشد قواه واستنفر طاقاته للصدِّ عنه ومحاولة ثني الناس عن الحضور والمشاركة، تحت عناوينَ كثيرةٍ تدلُّ على تخوُّفٍ من هذه الذكرى وهذا الجمع.
لم يألُ جهداً في وصفه بالبدعة!!، وهذا أمرٌ فرغ منه العلماءُ على اختلاف مشاربهم وعصورهم وانتماءاتهم، بأنّه لا بدعةَ فيه ولا إثمَ، بل العكسُ هو الصحيحُ؛ لأَنَّه امتثالٌ لأمر الله سبحانَه وتعالى بقوله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا).
وقالوا إنه إسرافٌ وتبذيرٌ للمال، في حين أنَّ الفقراءَ أولى بذلك وأنَّ المساكين أحوجُ إلى ما ينفقه المحتفلون من أموالهم.
الحقيقةُ أنه لا هذا ولا ذاك، فنظراً لطبيعة الجهة التي تقف وراءَ الصدِّ والتثبيط، لا نحتاجُ لكثيرٍ من الذكاء أَو التحليل لمعرفة المقاصد واستجلاء النيات، فهم أبعدُ ما يكونون عن الحرص على الدين من أن يعملَ فيه بالبدعة، وهم من يسكتون عن المنكرات المجمع عليها شرعاً وعقلاً في بلاد الحرمين من الفسق والفجور، كما أنهم لا يعبؤون بالفقراء والمساكين في أيِّ وادٍ هلكوا، فهم من تسبّب في مأساتهم وهم من سرق أقواتهم لينعموا بها في الداخل والخارج، وهم من يحاصرهم برّاً وبحراً وجوّاً، ويستولي على مرتباتهم ويسرق المعونات المفترضة لهم.
إذن المشكلةُ تكْمُنُ في:
تخوُّفُ فريق الصد والتثبيط من ذلك الحشد الهائل والتجمّع الجماهيري غير المسبوق، في مقابل نفور المجتمع عنهم.
المشكلةُ تكْمُنُ في ذلك الخروجِ الذي يقومُ مقامَ الاستفتاءِ الشعبي المندفِع ذاتياً، مقابلَ تهاوي شعبيتهم وتساقط أوراقهم.
المشكلة تكْمُنُ في تنامي تلك الحشود المؤمنة في متوالية حسابية كُـلَّ عام، بينما يخسرون كُـلَّ يوم من أنصارهم ومؤيديهم.
المشكلة تكْمُنُ في تلك الرسالة التي أرسلها الشعبُ إليهم: لقد فاتكم القطارُ وعاد الشعبُ اليمنيُّ إلى أصله واستعاد هُـوِيَّتَه الإيمانيةَ واليمنية.
لذا لا تستغربوا إذَا صاحوا ولطموا، وصغّروا وقلّلوا، وغضبوا وسخطوا، فالموضوعُ أكبرُ من بدعة وأبعدُ من رحمة.