أسرانا العظماء وموقفُ الثبات
صفاء فايع
ثلّةٌ من أبناء اليمن العظماء هم من تفرّدوا بشرف حُبِّ الوطن، الحُبِّ الحقيقيِّ الذي ليس أغانيَ يُردّدونها بشفاههم وخناجرَ في أيديهم يطعنون بها في ظهر الوطن بأسماء لا تمت للوطنية بأيةِ صلة، وإنما حبٌّ وانتماءٌ حقيقيٌّ يبذلون من أجله دماءهم والبعض يبذلون أعضاءهم، أما البعض فجزء من راحتهم وحريتهم كما الأسرى.
هم فئةٌ قليلةٌ كما يحكي القرآنُ عن عظمة الأقلية المستضعفة التي تقف دائماً مع الحقِّ ومع الخير وتنتصر في الأخير، ثلّة جعلوا الدفاعَ عن الوطن وساماً يتقلدونه إما بالشهادة أَو الأسر، فالشهداءُ هم أولئك الذين يثبتون حتى ترتقي أرواحُهم إلى الله وتسقي دماؤهم ياسمينَ الأرض، فتنبت نصراً وعزة لا نظيرَ لهما.
أما الأسرى فهم أولئك العظماء الذين يتجاوزون المعادلةَ الصعبةَ والخيارَين الأمرَّين بين أيادي سجّانيهم، فيقفوا موقفَ الثبات الذي تتزلزل منه الجبالُ، ويتحمّلون كلَّ شيء، ولكم أن تقوموا بتعداد الأشياء هذه التي من الممكن أن يتحمّلوها، والتي هي في الأصل أنواع العذاب الجسدي والمعنوي والروحي في مقابل الثبات على مبادئهم.
تم أسرُ أسرانَا وأيديهم مرفوعة بالصرخة وقابضة على الزناد، وتم فكُ أسرهم وهم كذلك، ثبات على المبادئ والقضية والقيم تجلّى عند عودتهم في أروع صورة للحدِّ الذي جعل كُـلَّ من شاهدهم تنزل دموعُه فرحاً بعودتهم وفخراً بقوّة ثباتهم وحسرةً على نفسه، التي تساءلت في كنانتها ماذا قدّم ليصلَ إلى ظفرٍ واحدٍ من أظافرهم؟!.
عند وصولهم رأينا ابتسامات الفرح والشوق لأرض الوطن الذي ليس له بديل ولا عنه غنى، لقد أشرقت الشمسُ لتعانق شمسَ حريتهم رغم أَيَّـام الشتاء المتلبدة بالغيوم، وأولُ عملٍ قاموا به هو احتضانُ الأرض وعناقها بالسجود والشكر لله على نعمة الحرية قبل احتضان وعناق أهاليهم، حتى أولئك المقعدين على كراسي الإعاقة رموا بأنفسهم إلى الأرض ومن يحمل عكازتين كذلك فعل، فلكلِّ واحدٍ منا أن يتخيّلَ ما هو الذي قاسوه في زنازين دولة العهر والفجور؟.
أحد الأسرى الذين تعلّقت عيونه بشغفٍ لرؤية أسرته التي كان من المفترض أن تكون أولَ المستقبلين له، حيثُ كانت المفاجأة الصادمة له عندما أخبروه بأنَّ والدَه قد استشهد وأمَّه قد توفيت وأخاه قد صعد إلى بارئة شهيداً، لتكون ردة فعله جرّاء ما سمع أن يعودَ إلى احتضان الأرض بالسجود من جديد، ويدعو اللهَ أن يثبّتَه أمام كُـلِّ هذه الاختبارات كما ثبته وأعانه على الأسر.
وأحدهم قام سجانو العدوّ الغاشم بقطع جميع أطرافه الأيدي والأرجل جميعاً؛ لِما رأوا من صلابة موقفه وثباته على الحق؛ ليضمنوا بهذا الفعل عدمَ عودته إلى الجبهة في حال تحريره من الأسر.
ولنا في هذا المواقف العظيمة أن نتساءلَ من هو الأجدرُ بالثبات على المبادئ؟! هل هم هؤلاء الأسرى المستضعفون الذين ظلّوا تحت رحمة سجانيهم لأعوام؟!
أم أن الأجدرَ بذلك أناسٌ يعيشون على أرض الوطن ويتمتعون بحريتهم بالطول والعرض، لكنهم باعوا كُـلَّ شيء مقابلَ حفنة من المال المدنس أَو مقابل منصب لا يغني عنهم من الله شيئاً، يوم لا ظل إلّا ظله.
قد لا يكون هناك مجال فعلي للمقارنة، فهناك قد تجلّى الإيمانُ في أروع صورة وهنا تجلّى حبُّ الدنيا وبيع الآخرة بفتاتها الرخيص على أكبر وجه، فتحيّةُ إكبارٍ وإجلالٍ لعظمائنا الأسرى، مَنْ بثباتهم وصمودهم تحقّق لنا النصرُ، والخزيُّ والعارُ لكلِّ خائنٍ وعميلٍ.