الثقافةُ القرآنيةُ وانعكاسُها على المجتمع اليمني
عفاف محمد
تتواتر الأحداثُ وتستجدُّ المتغيّراتُ وتنتج عن ذلك مشاهدُ جديدةٌ على الساحة اليمنية، وبالتالي تتكون ثقافات وقناعات مغايرة، وتتولد ردودُ أفعال تُعبّر عن هذه الثقافات لتحدثَ تغييراً جذرياً على الواقع الجديد.
وما حدث في اليمن من قبل حوالي سبع سنوات، كان تغييرًا طاغياً خلّف مشاهدَ عِدّةً، ومن أهَــمِّ هذه الأحداث التحَرّكُ الفعليُّ لأنصارِ المشروع القرآني الذي بزغت شمسُه من أرض صعدةَ، وكان هذا المشروعُ قد لاقى القمعَ والحصارَ والاضطهادَ؛ بغيةَ إخماد اتّقاده، ولكن كُـلَّ تلك المحاولات الحثيثة باءت بالفشل، فكلُّ ما قام ضدَّ هذا المشروع من حملاتٍ عسكريّةٍ أحرقت الأخضرَ واليابسَ وحاربت بوحشية غير آسفة على حرمات أَو قوانين إنسانية أَو شرعية، زادَ من عزيمة أصحاب هذا المشروع وأكسبهم خبرات عديدة على عِدّة مستويات عسكريّاً واقتصادياً واجتماعياً.
وبعد أن انتقلَ المشهدُ إلى داخل صنعاء، اتّضح للجميع أن ثمّةَ مظلومية كانت ملامُحها مطموسةً وتشوبها الضبابية، حيثُ وقد صُوِّرَ المشهدُ على غير حقيقته، كانت ثمّة حروب تُدار خلفَ الجبال الشاهقة، ولا يُلِمُّ بها إلّا القليلُ ممن كان لهم صلة بهذا المشروع، أَو ممن تصلهم أخبار مشوشة عنها، أما غيرُهم فكان غارقاً في صخب الحياة ومواكبة العصر في كُـلِّ جديد، وبعد أن انجلت بعضُ الغيوم تساءل الكثيرون:
من هم هؤلاء القادمون من مشارفِ الحدود الحاملون معهم فكراً مغايراً ويحدوهم تحدّياً جريئاً؟! من هم هؤلاء الذين يستفزّون دولاً عُظمى ويجعلون العالمَ يحتشدُ لقلع جذورهم وبجهود جسيمة؟! كانت المشاهدُ هي من تُوضِّحُ نفسَها، وكانت هذه المظلومية تجاه هذه الفئة المسماة بالحوثيين قد تجلّت تدريجياً، واستمالت قضيّتُهم عواطفَ الكثيرِ من أبناء الشعب اليمني، لم يكن الأمرُ كما سبق توضيحه، فلا سحر قد جعله الحوثيون أداةً لجذب الناس ولا هم يحزنون، وإنما هو فكرٌ منطقيٌّ واضحٌ تستجيب له العقولُ الحكيمةُ والراجحةُ بطواعية، ولعلَّ من أهــمِّ أسباب الالتفات حول هذا المشروع -والذي استشهد مؤسّسُه وبطريقةٍ بشعة- هو توافقه مع الدين من منظورٍ عقلانيٍّ، حيثُ لا إسرافَ فيه ولا ابتداعَ كما رُوِّجَ لذلك، وكذلك ضمن أسباب انجذاب الناس لهذا المشروع -والذي أصبح مكوّناً وسُمّي بأنصار الله- هو تقاربُه مع القِيم والأعراف الأصيلة من كرم وشجاعة وعز وإباء وكبرياء ونجدة الملهوف، ومن خلال كسر الحواجز تجلّت مفاهيمُ وقيمٌ عديدةٌ يعتقد بها هذا المكون ويجعلها نهجاً يحثون السيرَ على خطاه، لم يجد السوادُ الأعظمُ من القبائل اليمنية والمحافظات والعزل بُدًّا من الالتحاق بركب هؤلاء الأنصار مع قناعةٍ تامّةٍ بمنهجهم.
وكان القائدُ المحنّكُ يؤازرهم ويقفُ بجانبهم خطوةً خطوةً، حيثُ يفيض عليهم بدروس بليغة لها اتّجاهات عديدة سياسيّة ودينية واقتصادية وقبلية، فكان إلمامُه وثقافتُه الواسعة وحسنُ أسلوبِه وسعةُ مداركِه عواملَ جاذبة تدعو للاستجابة له ولما يدعو إليهِ، لم يكن الطوفانُ الذي افتعله الباغضون والناقمون على هذا المكون، قد شكّل أيَّ عائقٍ تجاه السيول الجرّارة التي التحقت بركب المسيرة، بل إن الدائرةَ زادت اتّساعاً والتهمت كُـلَّ من يحاول تضييقها أَو خلقَ ثغرةٍ فيها..
بات المجتمعُ اليمنيُّ أكثرَ انخراطاً مع هذه الثقافة الجديدة التي طغت على الساحة منذُ سنوات قليلة، ونسفت اعتقادات وقناعات جثمت لسنوات عديدة خلت، كانت هذه الثقافة المجتمعيةُ الجديدةُ قد هتكت أستاراً وأسقطت أقنعةً، وكانت حججُها قويةً وبراهينها دامغةً واضحةً جليّةً، لا تنحرفُ عن صفاء المحجة البيضاء، لم تكن جرأةُ مؤسّسي هذه الثقافة سوى حقًّا جاهروا به، وأنفسهم المتحدية لم تكن سوى عزائمَ لا تلينُ ولا تستكينُ ولا تهتزُّ لجبروت طاغٍ أو سوطِ جلّادٍ..
ومن هنا كانت الرعايةُ الإلهيةُ هي المرافقَ الوحيدَ لهذا الفكرِ النيّرِ، فكان التقدّمُ والنجاحُ والتألقُ رغم كُـلِّ العوائق، هو حليفَ هذا المشروع القرآني والمسيرة الشريفة، وبذا يكون المجتمعُ اليمنيُّ قد انسجمَ مع هذه الثقافة رغم كُـلِّ ما صُنِعَ من عراقيلَ، وَكان هذا الاندماجُ قد خلق التزاماً مجتمعياً بعد غيابه.