ذكرى المحاولة الثانية لاغتيال الوطن وسقوط المجرم
منير إسماعيل الشامي
بعد مضي أربعين عاماً من جريمته الأولى التي اغتال فيها الوطنَ وسقطت سيادته وقراره مع سقوط ذلك الجسدِ الطاهر تحت هيمنة نظام الرياض المجرم.
ها هو مجدّداً قد استيقظ مبكراً فجرَ الثاني من ديسمبر ٢٠١٧م كما استيقظ فجرَ يوم الثلاثاء ١١ أكتوبر ١٩٧٧م، استيقظ متبختراً مستكبراً تأخذه العزّةُ بالإثم، وقد نظّم مخطَّطَه ورتّب عدّتَه وجهّز أدواتِه ووزّع أعوانَه حسب الخطّة والجداول المحدّدة في كشوفاتِ المؤامرة عدداً وعتاداً في كُـلِّ نقطة محدّدة بالمربعات الأربعة التي قُسمت إليها أمانةُ العاصمة، عاقداً العزمَ على اغتيال الوطن مرّةً أُخرى، مُصرًّا على ذلك ولو كلف الأمر أن تتحوّلَ أمانةُ العاصمة صنعاء وبقية المحافظات إلى نيران وتتحوّل شوارعُها إلى أنهارٍ من دماء الشعب.
فهو يدرك أن جريمةَ اغتيال الوطن هذه المرّة ليست كالسابقة ستقتصرُ على سفكِ دماء عددٍ قليلٍ من الأشخاص بعمليات محكمة وتحت سيطرة كاملة لعصابة الخيانة والعمالة والارتهان.
هو يعلمُ علمَ اليقين أن جريمةَ الاغتيال والخيانة الأولى كان الرئيسُ الحمديُّ هو الوطنَ، والوطنُ هو الرئيسَ الحمديَّ، أما اليوم ففي الوطن ألف ألف حمدي وألف ألف حمدي في الوطن، ويُدرك أَيْـضاً أن الوطنَ يملك اليوم مشروعاً قرآنياً يتضاعف أنصارُه بالآلاف في الساعة الواحدة، وإنَّ أصغرَ شخصٍ منهم بمثل شخصية الحمدي في حبِّه لدينه ووطنيته وشرفه وإبائه وإقدامه.
ومضى ذلك الصباحُ متعمّداً ليُشعلَ فتيلَ فتنته الشيطانية الكبرى، وظهر ليخاطبَ شعباً قد تخلّص منه وأسقط نظامَ عمالته وخيانته، وعفَّ عن النظر إلى وجهه، قد خرج من ذلِّ الوصاية وقرّر انتزاعَ سيادته وقرارَه وقد تغيّر إلى الأفضل بعد أن حملَ مشروعاً إلاهياً وواجه به للعام الخامس أكبرَ وأعظمَ وأقوى تحالفٍ دولي عليه، متوكلاً على ربه وهو صامدٌ قويُّ وعزيزٌ كريمٌ وثابتٌ مقدامٌ، وأَبيٌّ شامخٌ، وقد كسر جبروتَهم وأذلَّ تحالفهَم، ونكّل بحشودهم وعتادهم وداست عليه أقدامُ فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى، وقوة، وبأساً.
أشعل فتيلَ الفتنة عبر خطابه المتلفز فخامره غروره ونشوة سُكره، ودعا الشعبَ للانبطاح لقوى العدوان والتنازلِ عن عزّتهم وكرامتهم التي أعادوها بدماء أغلى أبنائهم، وأطهر أرواح فلذات أكبادهم، وأن يُقدّموا تلك التضحيات العظيمة قربانَ عودتهم إلى ذل الوصاية لأعداء الوطن، والعودة إلى زمن الخضوع والانبطاح لشر طواغيت الأرض.
طالباً منهم أن يحوّلوا بنادقَهم من خنادق العزة والكرامة والدفاع عن الأرض والعرض، صوبَ وطنهم المثخن بالجراح وينضموا إلى قوى العدوان للإجهاز على ما تبقّى به من رمق.
سمع أبناءُ الشعب نباحَه، ونعيقَه، فانقسموا بين لاعنٍ له، ومعرضٍ عنه، وساخرٍ منه، وضاحكٍ عليه، وبين غاضبٍ ومحتسبٍ عليه، لكنهم جميعاً أجمعوا على غوائه وجنونه وضلاله ومجونه، وأجمعوا أمرَهم أن يتركوا أمرَه وطغمته لحكمة قيادتهم الشريفة وينتظروا توجيهاتها.
وتحَرّكت قيادتنا الحكيمة لتطفئ فتيل فتنته، وتوقف عبث خبثه، وتئدَ نار شيطانه وطواغيته..
فبعثت له الوفود، ووسطت له الهامات، ونادته باللين والرجاء، ليفوّت الفرصةَ على أعداء الوطن وناشدته بالعودة إلى الصواب، والحفاظ على وحدة الصفِّ والكلمة، وحذّرته من عواقب الفتنة، ونتائج الخيانة، وذكرته أن الوقتَ ليس مناسباً لتأجيج العداوة والبغضاء وتوسيع الفرقة والانقسام، فذلك كلُّه في خدمة العدوان فما زاده ذلك إلّا عتوًّا ونفيراً، وضلالاً واستكباراً، ومضت الساعاتُ تلوَ للساعات، لعلّه يستجيب لحقن الدماء، ودفع الشر، ولكن هيهات للشيطان أن يرجعَ عن الشر والإجرام، فما زاده صبرُ قيادتنا الإيمانية إلّا إجراماً على المواطنين الأبرياء، وقتلاً لهم وتدميراً لبيوتهم حتى يئست قيادتُنا من رجوعه بعد مضي يومين سقط فيها الكثيرُ من المواطنين الأبرياء وأحرقت منازلُهم، فوجّهت بحماية المواطنين وممتلكاتهم وفرض الأمن وخمد فتنة المنتفض وأتباعه بالقوّة، فلم تمر سويعات إلّا وقضى رجالُ الله وجنده على فتنته المسعورة وأفشلت مؤامرةَ العدوان المسمومة، وتمَّ القضاءُ على رأس الحية وذيلها في ثالث يوم، وأُخمدت فتنةُ عفاش فحُمِيَ الوطنُ أرضاً وشعباً من جريمة اغتيال ثانية للخائن المجرم عفاش.