اغتيالُ وطن ونهضة أُمَّــة
مرتضى الجرموزي
رجالات السعوديّة تتعاقبُ على حكمِ اليمنِ منذُ سبتمبر 1962م، كأنظمةٍ فاسدةٍ وحكوماتٍ عميلةٍ تدينُ بالولاءِ والطاعة للنظامِ السعوديِّ، الذي ما انفكَّ من زرعِ ألغام الحقد والكراهية بين الوسطِ الشعبيِّ اليمنيِّ، وهو جعل تلك الأنظمة أدوات تعملُ لخدمته ليلَ نهارَ سرّاً وعلانيةً، ومن رفض الوصاية والعبودية للسعوديّة ومن خلفها أمريكا والكيانُ الإسرائيليُّ تعرّض للقتلِ، وحادثةُ الرئيس إبراهيم الحمدي ليست بعيدةً، حيثُ أقدمت السعوديّةُ على تصفيته عن طريقِ أدواتها في الداخل اليمني والمتمثّل بالأدوات الأشرّ جرماً علي عفاش والغشمي، وقيادات يمنية ومشايخ بارزين معروفين بالولاء والطاعة العمياء للسعوديّة مقابلَ حفنات من الأموال المدّنسة..
ولو أنها اهتمت وبنت أَسَاساً لنهضة اليمن الأرض والإنسان، لكانت اليمنُ –اليوم- تنافسُ الخليجَ اقتصادياً، لكنها العمالةُ وخبثُ النفوس من جعلت اليمن كُـلَّ اليمن ينتظرُ إلى ما بأيدي أولئك الأعراب.
فقد كان اليمنُ ومنذُ 62 إلى 2014م حديقةً خلفيةً للسعوديّة، وهي تسعى لتحقيق أحلام دول الاستكبار العالمي الطامحة للاستحواذ عليها؛ لما لها من أهميّةٍ استراتيجيةٍ من خلال موقعِها الجغرافي وثرواتها النفطية والمعدنية بأنواعها، وهو ما يسيل عليها لعابُ دول الهيمنة والاستعمار..
ومع تطلّعِ أبناءِ اليمن لنهضةِ بلادِهم وتحقيق الدور المناط على الحكومات المتعاقبة والتي كانت بمثابةِ الحاجز الذي يحول بينها وبين تحقيق التطوّر والتحرّر والاستقلال والسيادة الوطنية والدينية، فقد كانت الأنظمةُ، وفي مقدمتها النظامُ العفاشيُّ، حجرَ عثرةٍ بين الشعبِ والازدهارِ، وهي تسارعُ إلى إماتة الروح الثورية التحرّرية وكانت تتعمّد قتلَ الحلم اليمني واغتيالَ الوطن في ظلِّ زعامات مخادعة، وباسم الوطن ومنجزاته تتاجر بأبنائه، وما عمليةُ اغتيال إبراهيم الحمدي وما أعقبها من اتّفاقية بيع الحدود اليمنية ورهن الأمر اليمني للخارج، وجعل اليمن تحت الوصاية السعوديّة الأمريكية والذي بدورهما يسعيان لتحقيقِ الحلمِ الصهيوني بدولة إسرائيل الكبرى ومشروعه الاستيطاني والهدّام لكُلِّ مقومات الحياة المسلمة الرافضة للهيمنة والغطرسة، إلّا إجهاض حلم أبناء اليمن بقيامِ دولةِ القانون؛ بفعلِ رجالات السعوديّة التي كانت هي التي تُقسّم ظهرَ الخيرين من أبناءِ اليمن الذي استمروا بمناهضة هذا المشروع وتعرّضوا للقتلِ والإخفاء القسري والتهجير..
حتى أطلَّ علينا السيّدُ حسين بدر الدين الحوثي ومشروعه القرآني، ليواجهَ الطغاةَ ويُعلن عن عدائه للأمريكان، طالما استمرُّوا في تدميرِ اليمن والمنطقة، وأعلنها ثورةً قرآنيةً فما كان من النظام البائد وزعيمه عفاش إلّا أن هاجمَ المشروع ورمى بكُلِّ ثقلِه لإجهاضِه منذُ نشأته، ومع الحربِ الأولى على السيّد حسين واستشهاده -سلامُ الله عليه- ظنَّ عفاشٌ أنّه قضى على المشروع وَاستأصَلَ قادته، فسرعانَ ما تجدّدت المواجهةُ كحرب ثانية وثالثة إلى أن وصلت السادسة، وحجمُ المشروع القرآني يتوسّعُ جغرافياً وثقافياً، ومع الربيعِ العربي وثورة فبراير والإطاحة بشخص عفاش، بينما ظلت أدواتُ السعوديّة آل الأحمر وعجوز الفرقة، وعميل بريطانيا قديماً وجديداً للسعوديّة الدنبوع، وحكومة المبادرة الخليجية، يعبثون بالوطنِ الأرض والإنسان وسعوا بخططهم الإجرامية المقيتة لتمزيق اليمن وتمرير مشروع التجزئة والأقلمة..
فكان أن تداعت القبيلةُ اليمنيةُ وبقيادة السيّد الشاب عبدالملك بدر الدين الحوثي، مبايعةً له ومفوّضةً له، فكان أن تم فتحُ صعدة وكبح جماح الوهابية وآل الأحمر بمحافظتَي صعدة وعمران، وصولاً إلى صنعاء العاصمة، مع بزوغ سبتمبر المجيد حاملاً في طيّاته مشروعاً ثورياً مشبّعاً بثقافة القرآن، ملؤه الثقةُ بالله والاعتمادُ عليه، ومع فتحِ العاصمة صنعاء وسقوطِ أدوات السعوديّة العسكريّة والقبلية والسياسيّة وإعلان نجاح ثورة 21 سبتمبر الذي قصمت ظهرَ العملاء والفاسدين، وجعلتهم يتساقطون كورق التوت وإلى السعوديّة هربوا..
ومع امتعاضِ السعوديّة من نجاحِ الثورة، فقد ارتمت بأحضان الأمريكان ليعلنوها حرباً؛ للمحافظةِ على أدواتهم وعملائهم في الداخلِ اليمنيِّ؛ لتحافظَ على استمرار الوصاية على اليمن.
وبعد أن تأكّـدت السعوديّةُ وأمريكا من هروبِ هؤلاء ووصولِهم إلى الفنادق، أعلنوها حرباً غادرةً على شعبِ الحكمة والإيمان؛ بهدف اغتياله مجدّداً، وهو ما سيفشل ويهزم جمعُهم ويولون الدبرَ بإذن الله، ومهما كان الألمُ والجرحُ غائراً، فهيهات لهم ذلك، وما حربُهم هذه إلّا سببٌ لقوّتنا وتوحدنا واصطفافنا خلفَ القيادة الثورية والسياسيّة ممثّلةً بالسيد القائد والمجلس السياسيّ..
ونحنُ على يقين بالله ناصراً ومعيناً، وها نحنُ بدأنا أشواطَ النهضة الحقيقية، وفي ظلِّ الحربِ والحصارِ استطعنا بفضل الله أن نجعلَ من المستحيل ممكناً، وهو ما تحقّق من تطوّرٍ ملفت في الصناعات العسكريّة الجوية منها والبرية والبحرية والباليستية، وخلقنا معادلةَ توازن الردع والرد المزلزل، وسيأتي اليومُ التي يعلن تحالفُ العدوان فشلَه الذريعَ، وستمضي اليمنُ قدماً إلى عنان السماء، وسيذعن العالمُ احتراماً لكلِّ أحرار اليمن ومجاهديه وقيادته الثورية، وسيعترف بالقيادة السياسيّة ويسعى لتوطيد العلاقة مع المجلس السياسيّ.