وصمةٌ إضافيةٌ على جبينِ العار السعوديّ الشاسع
علي المؤيد
في نظرِ بعضِ المراقبين كانت استضافةُ الأجير الإعلامي السعوديّ المدعو محمد سعود لـ “نفرين” من ذوي الزنانير، لا يعدو عن كونه مُجَــرَّدَ وصمة صغيرة في جبين العار السعوديّ الشاسع، الذي سيظلُّ يتسع لكُلِّ وسوم العبودية كالتطبيع والتمييع والتركيع والتطويع والتلميع، وقد لا تكون القصةُ السخيفةُ قد بدأت برسالةٍ من “العبد المؤسّس” لمملكة التخمة والخنوع إلى روزفلت حين باع الأولُ فيها نفسَه للشيطان، تحت وطأة إشفاقِه على اليهود المساكين، يوم تنازلَ عن فلسطين جملةً وتفصيلاً، مقابلَ الحماية الأمريكية، وتوالت بعد ذلك اللقاءاتُ السريّةُ والعلاقاتُ الثنائيةُ بين النظامين المتشابهين في نوعِ التأسيس وشكل الحكم والطبيعة التوسعية وهُويّة الحاكمين، وغير ذلك من قواسمَ مشتركةٍ وجذور جامعة باستثناء بعضِ معالم الربح والخسارة، إذ يستقرُّ آلُ سعود في خانة البقرة الحلوب، ولا يغادر الصهاينةُ خانةَ المستفيد الذي تؤول إليه الأرباح الصافية، وفي هذا السياق يمكن إدراجُ مجمل التحَرّكات التطبيعية الفجة ضمن مسارٍ تصاعديٍّ يشكل أحد أهم وأخطر عناوين تنمية العلاقة السعوديّة الصهيونية، والذي يهدفُ إلى اختراق الحواجز الذهنية المتشبّثة بثوابت المعاداة وسدود القناعات الكارهة لكُلِّ أنواع التقارب مع العدوِّ اللعين، حَيْــثُ كان لزاماً على سماسرة آل سعود إقحامُ شعوب وقبائل وسطَ الجزيرة الموبوءَة بهيمنتهم في متاهات الشهوات المتاحة والترفيه المفتوح على كُـلِّ الخطايا؛ بغيةَ تسريع مرحلة انهيار موانع الرفض الشعبي الراسخ بالفطرة، وبهذا الصدد يمكن التركيزُ على المعطيات العلنية خلال العقد الفائت للوقوفِ على شيءٍ من آلية التطبيع السعوديّ الإسرائيلي، حَيْــثُ تتمحور متوالية التطبيع السعوديّ الصهيوني النشطة ضمن عدّة مستويات تتوزع رأسياً على البنية العامة -الرسمية والمجتمعية- في البلد المرتهن لصولجان التصحّر، ويمكن بصورة أولية فرزُ وتحديدُ المستويات المشار إليها على النحو التالي:
أولاً- المستوى الرسمي:
تتمثّل في خطواتِ التطبيع العلني المدروسة ضمن اللقاءات التي قد تبدو عابرةً وعفويةً وتتسم بالرصانة والندية مع مسحة دبلوماسية تؤطر الانفعالات وتكبح المزاجَ العام، الذي يُراد له الانفلاتُ لكن وفقاً لإيقاع تدريجي يضمن انسياقَ اللاوعي الجمعي باتّجاه القبول التام بالقناعات المراد تمريرها، وفي هذا المستوى “التمهيدي” الخطير كان لكُلٍّ من وزير خارجية آل سعود السابق سعود الفيصل، وأخيه تركي الفيصل -رئيس الاستخبارات الأسبق-، الدور الأَسَاسي في التدشين الرسمي لأهـمِّ مراحل وأنشطة التطبيع الطويلة والمتوسطة المدى، سواءً عبر المصافحة المشؤومة واللقاء الفضائحي الذي جمع سعود الفيصل بشيمون بيريز في العام 2005م، أَو من خلال مصافحة تركي الفيصل نائب وزير خارجية الكيان خلال مؤتمرِ ميونيخ في فبراير 2010م، بعد تمثيلية مبتذلة حاولت إظهار تركي الفيصل كمن تم إحراجُه وكأنه لم يكن بالفعل متحمّساً لهذه المصافحة العلنية على الإطلاقِ، لتتوالى بعدَ ذلك لقاءاتُ ومصافحاتُ تركي الفيصل وظهوره بمعية شخصيات إسرائيلية رسمية ودينية، كوزيرة الخارجية السابقة وعميلة الموساد المخضرمة “تسيبي ليفني”، فضلاً عن إعلاميين إسرائيليين كُثْر، كان آخرَهم باراك رافيد الذي أجرى مقابلةً مع رئيسِ الاستخبارات الأسبق، وغير ذلك الكثير والكثير من تجلّيات العمالة التطبيعية العظمى والعناق “الأخوي” الخبيث.
– المستوى المختلط:
مزيج من الخطوات التطبيعية الرسمية والمجتمعية، وكان أبرز شياطينها جمال خاشقجي واللواء السعوديّ المتقاعد المدعو أنور عشقي الذي زار فلسطين المحتلّة، حين استضافه كيانُ العدوِّ في منتصف العام 2016م ليشاركَ في تقديم أوراق عمل مختلفة في عِدّة ندوات وفعاليات صهيونية متفرّقة، ثم لم يلبث غير قليل حتّى بشّر بدنو الوقت الذي يستطيع فيه الصهاينةُ زيارةَ السعوديّة والتجوّل في أرجائها، وهذا ما تم بالفعل، بعد ذلك بقليلٍ حين وصل الصهاينةُ “الضيوف” بادئ ذي بدء إلى الحرمِ المدني، وصولاً إلى ضيوف المدعو محمد سعود، وهو ذاتُه ذلك الزائر الأعرابي الذي ما إن وطئت قدماه باحةَ المسجد الأقصى حتّى تلقّى في بضع دقائقَ استقبالاً لائقاً مكتظاً بالأحذية والمقذوفات الارتجالية وبصاق المقدسيين الأحرار من كافّة الفئات العمرية، وبعضُها من المسافة صفر.
– المستوى الاقتصادي:
يتمثّل في رجال الأعمال المطبعين والشركات العابرة للحدود والاستثمارات الموجهة والحافظات الاستثمارية المشتركة، وغيرها من الأدوات والترتيبات والمشاريع التي قد تبدو في ظاهرها اقتصاديةً بحتةً، لكن في باطنها معاول تعمل دون توقّفٍ على نخر وتقويض ركائز مقاومة التطبيع المسعور وبصورة دورية ممنهجة، ومن الأمثلةِ على العمليات الجارية على هذا المستوى، تعهّداتُ الشركات الإسرائيلية وأنشطتها الهندسية والتشغيلية واللوجستية والأمنية المرتبطة بتشييد وصيانة وتطوير مرفقات الحرم المكي والمشاعر المقدّسة ومراقبة المسلمين، وَعلى سبيل المثال أَيْـضاً السماح الرسمي لشركة طيران “العال” الإسرائيلية باستخدام الأجواء السعوديّة خلال رحلاتِها إلى الهند والشرق الأدنى، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المقامُ لذكرِه.
– المستوى الشعبي:
تتمثّل في الزيارات الفردية والمجموعات الصغيرة المتبادلة والتي يتمُّ إظهارُها كمبادرات وتحَرّكات فردية صرفة، فناشطٌ سعوديٌّ يستضيف ناشطاً صهيونياً أَو أكثرَ لعدة أيّام، والعكس وهكذا دواليك مع قليلٍ من بهارات الود الشخصي والتعاطف البسيط وغير البسيط واصطناع الاهتمام وَالجدية الهادفة والحرص على إبداء اللامبالاة وعدم الاكتراث بتداعيات الصدمات المجتمعية في المحيط القريب أَو البعيد، وكُلُّ ذلك يتم بهدوءٍ في اعتمادٍ على مرورِ الوقت وحلول لعنة التكرار في قلوب الجموع الغفيرة، وهي اللعنة المتصلة بالسقوط في فخِّ الاعتياد ومنزلق الرتابة حتّى تنحسر وتجف كُـلُّ سيول النقد والامتعاض و”البصاق” المنهمر على المطبعين، تَمَاماً كما نسيت الملايينُ من المحيط إلى الخليج ماهيةَ الغضب، وسرعانَ ما تراجعت “القضيةُ” من العناوين الرئيسة في نشرة الأخبار إلى خبر أخير قد لا يشاهده أحدٌ.
وعلى كُـلِّ حالٍ.. تلك أمانيهم.. وللهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ.. وعسى اللهُ أَن يحدثَ بعد ذلك أمراً.