معلم يُطرد من منزل متواضع لعجزه عن دفع الإيجار
مأساة استمرار العدوان وأدواته في عدم دفع مرتبات المعلمين وفق التزامات ستوكهولم
المسيرة: جبران سهيل
في ظلِّ استمرار العدوان الهمجي والحصار الجبان على اليمن منذُ ما يقارب خمسة أعوام، وتنصل مرتزِقة الرياض عن اتّفاق السويد بخصوص دفع المرتبات، تتصاعد وتيرةُ الآثار القاسية على الشعب، تتوالى المشاهدُ المروعة لحجم الدمار الذي يتعرّض له الوطنُ وتتكشف فصول المأساة وفظاعة المجازر وسياسة التجويع الممنهج والجماعي والحرب الاقتصادية المدمرة وإيقاف المرتبات مؤامرات كثيرة ومتنوعة، تُدار من غرف الرياض وأبو ظبي على اليمن وشعبها الصابر والصامد، في ظلِّ صمت أممي وعالمي مستمرّ دون خجل، والتي ألقت بظلالِها على كُـلِّ مناحي الحياة في ربوع البلاد.
لقد حوّلت تلك العصابةُ من مرتزِقة الوطن نهارات الوطن المشرقة التي تشع بالدفء، إلى ليل حالك السواد تفوح منه رائحةُ الخيانة للشعب والتنكر لوطن مثخن بالجراح التي زرعها وأنتجها العدوُّ خلال أكثر من أربعة أعوام مضت، بتعاون قوى الارتزاق والعمالة في الداخل والخارج، وأجساد غضة لأطفال بعمر الزهور وقد مزّقتها أنيابُهم المتقيحة بالسم والكراهية وصواريخ أسيادهم الممانعين والمتغطرسين الذين أزهقوا تلك الأرواحَ الملائكيةَ بعد أَن كانت تشدو وتصدح بحبِّ الوطن، تلك الفراشات الملونة التي كانت تحلّق في سماء الوطن أحرقوها بلهيب حقدهم الأعمى، صورٌ ومشاهد معبّـرة تزخر بالمعاني، مفعمة ومشحونة بالإيمان والتضحية تفوق كُـلَّ المفردات وتتجاوز كُـلَّ التوصيفات لتلقي بظلال رمادية على مستقبل وطن يُذبح، والأمة العربية تشاهد ما يجري والكثيرُ فيها يستمتعون بما يحدث لليمن من قهر وإجرام سعوديّ أمريكي بلا أسف.
هنا لا يملك المرءُ إلا أَن يقفَ مشدوهاً من هول ما يرى ويسمع، فتسري في كامل جسده قشعريرةٌ ويتفجّر بركان غضب عارم في أعماقه، معلناً زمن السقوط والتردي العربي الذي أضحى كُـلُّ هموم قادته كيف لهم إرضاء أعداء الأمة على حساب مجدِها ودماء أبنائها.
وسط تلك الأجواء الحزينة تصبح كُـلُّ المفردات بلا معنى، فالحياة والموت سيان، حتى البسمة على شفاه الأطفال تحوّلت إلى حزن دفين يطغى على ملامح البراءة والطفولة، عجيب أمر عرب الهُوية واللسان، ألم تصل أسماعَكم صيحةُ طفلة يمنية مفجوعة، أَو أب مكلوم، أَو معلّم بلا راتب منذُ أكثر من أربعة أعوام؟!
عندما تبكي الرجالُ فاعْلَم أَن همومَهم فاقت قممَ الجبال:
وهذا ما يحدث بواقعنا المُرّ الذي يبكي لحاله الحجر لو أنطقه اللهُ، ويتأسى لهول مأساته كُـلُّ من يملك ذرةً من الإنسانية والكرامة، وهو كحال المعلم طه الشرفي، من أبناء محافظة حجّة، البالغُ من العمر 60عاماً تقريباً، والذي يعول أُسرةً كبيرة ويسكن ببيت متواضع مقابل إيجار شهري، وفي ظلِّ انقطاع المرتبات وصل إلى مرحلة أَنه غيرُ قادر على دفع الإيجار، مما جعله يخرجُ من ذلك المنزل وعيناه تفيضُ من الحزن، هنا تقف عاجزاً عن وصف المشهد!!..
أقولها بكُلِّ وجعٍ: إن هذا حال معلم خدم الوطنَ وربّى الأجيالَ لأكثرَ من 30 عاماً، وهو يبذل كُـلَّ طاقاته؛ من أجل وطنه وشعبه، وكيف أَن الديونَ المتراكمة عليه من إيجار البيت جعلت صاحبَ البيت يطرده بلا رحمة، مما جعله يسكن مؤقتاً مع أُسرته بغرفة في ملحق أحد مساجد مدينة حجّة مناشداً أهلَ الخير مساعدتَه.
دموعه اهتزت لها محافظةُ حجّة، وأدمعت معها عيونَ الآلاف، مما جعل البعضَ يتحَرّك لتقديم العون المستطاع عليه..
إنه ألمٌ واحدٌ من آلاف الآلام ممن هم أمثاله، ومأساة واحدة من مئات آلاف المآسي المشابهة التي تسبّب فيها العدوانُ والحصار دون أدنى مبرر، في حين لا تبقى السلطةُ المحلية بالمحافظة عن منأى حول هذا الجانب.
أكثر اللحظات تأثيراً في العاطفة وأشد المواقف تهييجاً للمروءة:
هو هذا المنظر الذي تشاهد فيه الرجلَ ينفجر بكاءً مكبوتاً متقطعاً متحشرجاً يستعصي على التماسك وتكلف البصر وإظهار رباطة الجأش، في ظل عالم منافق مالَ إلى المالِ والنفط الخليجي على حساب شعب مقهور ومظلوم وعزيز، إنه اليمنُ وكفى به اسماً كشف اللهُ به الوجهَ الحقيقي لعالم ودول ومنظّمات لطالما تشدّقت بالإنسانية ومصطلحات الحرية وحقوق الإنسان واستقلالية البلدان.
ربّاه إنّا مظلومون فانتصر لنا.