الموقفُ من التراث الفكري والثقافي
محمد أمين الحميري
الكلباني إمام الحرم سابقاً فيما يذهب إليه من آراء ويتخذه من مواقفَ تتماشى مع توجّـه آلِ سعود في التمييع والانحلال، هو يستندُ في ذلك لبعضِ المرويات التي تلقتها الأمَّةُ بالقبولِ والصحة، وهي في حقيقةِ الأمر تسيئُ للرسولِ -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، الذي أنزل اللهُ عليه القرآنَ ليبينَ للناس ما نزل إليهم فيه، وحاشاه أَن يكون داعيةً للرذيلة وشغله الشاغل هو إشباع غرائز البشر الشهوانية، فهو رسولُ الله ومهمته أعلى وأسمى وأزكى.
ولهذا كم هو جديرٌ بالأمَّة إذَا أرادت الخروجَ من هذه الفوضى والتأسيس لمرحلة الوعي الرشيد والتغيير والنهضة، أَن تعيدَ النظرَ في بعض المرويات التي تُؤسّس لحالة الغلو والتطرّف والتكفير وتقديم الإسلام بصورة مشوّهة، وَأَيْـضاً المرويات التي تجعلُ من خيرِ الخلقِ رسولِ الله -صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم- إنساناً بلا رسالة ولا هدف سوى الاهتمام بالجزئيات وسفاسف الأمور، فضلاً عن تلك التي يشرعن لها هذا الكلباني وغيرُه من فقهاء السلطة، وهذا هو الدينُ الوسطيُّ الذي يراد به جرجرة الأُمَّـة إليه عنده وأمثاله.
نعم لا بُدَّ للمراجعة وفق معايير مسدّدة وبإشراف لجان متخصّصة صادقة ومتمكّنة، وليكن القرآنُ الكريمُ هو المهيمنَ على المرويات والتراث بعمومه.
ومما نُصارح به علماءَ الأُمَّـة الصادقين ومفكريها المؤتمنين، هو أَن جوهرَ المشكلة ليس في المظهر المنحرف والسلوك الخاطئ الذي يظهر في واقع الكثيرين بأشكالٍ متنوعة، وإنما في الأَسَاس الذي ارتكز عليه والفكرة التي انطلقوا من خلالها؛ ولهذا فليكن الجميعُ أكثرَ مسؤولية في معالجة أصل المرض، الحربُ حربُ مصطلحات ومفاهيم، والمعركةُ معركةُ مبادئ ومنطلقات، ما لم فسنتعب كَثيراً، وسنصلُ إلى طريق مسدود في كُـلِّ مرة ما لم نأتِ على أصل المشكلة وجوهرها.
وبالمختصر: لن يُكتب النجاحُ لأيِّ مشروعٍ إصلاحي داخل الأُمَّـة وهو لم يحدّد موقفَه من التراث الفكري والثقافي -الذي في جزء كبير منه كبّل الأمَّةَ وعطلها وأقعدها-، وصولاً إلى النظريات والحقائق الصحيحة التي يمكن أَن تكون مرتكزات للإصلاح والانطلاق، وكل من يسلكُ طريقَ الإصلاح والتغيير دونما تعثّر ولو ببطء ومهما كانت التحديات والمخاطر أمامه، معناه أَن التراثَ بما فيه من بلاوٍ لم يعد يشكِّلُ عائقاً أمامه، سواءً على تفكيره ونظرته للحياة أَو على مستوى عمله.