كانوا حقًّا فأزهقوا باطلاً
أمل المطهر
في حوارٍ لصحيفة الثورة مع الأسير المحرّر وليد القطواني، الذي كان ضمن عمليةِ تبادل الأسرى الأخيرة، والذي قرأتُ فيه عن معاناةِ أسرانا في سجون مرتزِقة العدوّ بمأرب، وعن أخلاقِ الجلاوزة وتصرفاتهم ومعاملتهم الوحشية مع الأسرى..
لا أدري ما الذي انتابني ساعتَها وأنا أقرأُ ذلك الحوارَ، أحسسْتُ بالغضبِ والحزنِ على أسرانا وما يتعرّضون له من تعذيبٍ وحشي، بكيْتُ وأنا أقرأ تلك السطورَ التي حكى لنا فيها بطلُنا المحرّرُ عن أنواعِ التعذيب الجسدي والنفسي الذي كانوا يتعرّضون له بشكلٍ يوميٍّ طوالَ أربعة أعوام من الأسر، لكنني رغمَ مشاعر الحزن والقهر على ما أصابهم، شعرْتُ بالعزّة وحمدْتُ اللهَ كَثيراً أن كانت قيادتُنا وَأخلاقنا ومنهجيتنا راقيةً عاليةً نرفعُ بها رؤوسَنا عالياً، نفتخرُ بها ونباهي بها العالمَ.
ومن خلال حديثِ البطل القطواني، يتضحُ لنا كمية الحقدِ على أبناء اليمن بشكلٍ عامّ، وتتضح لنا منهجيةُ العدوّ وانتماؤه، مما يزيدنا ثباتاً وعزماً على المضي في ما نحنُ عليه، وبالرغم من كُـلِّ ذلك العذاب إلّا أن أسرانا الأبطالَ كانت وجوههم تُشِعُّ عزة وإباءً، وكلماتهم تتناثر شموخاً ووعياً، وبالرغمِ من تلك الأجساد المنهكة والمليئة بآثارِ جروح التعذيب والوجوه الشاحبة إلّا أنَّ نفوسَهم كانت تحكي عكسَ ما تحكيه أجسادُهم، فهي في أتمِّ صحتها وعافيتها.
نفوسٌ صلُحت فصَلُحَ ما حولها، نفوسٌ أبت الضيمَ وعشقت الحريةَ فقهرت السجّانَ وهزمته بعنفوانها، بالرغم من أن الجسدَ أسيرٌ مقيّدٌ إلّا أن نفوسَهم كانت تُحلّق بحرية، تسبحُ في الملكوت تنتظرُ وعودَ النصر الإلهي بلهفة وشوق، فهي واثقةٌ بخالقها ثقةً لا تخترقها أيةُ قوّة.
لهذا كانت حكايةُ أسرانا حكايةَ معركةٍ جديدةٍ خاضوها في سجون العدوّ ليثبتوا له ولمرتزِقته من جديدٍ أن منهجيةَ القرآن تبني نفوساً تصنع من أصحابها أبطالاً خارقين، معركة نفسية كان المفترضُ أن ينتصرَ فيها عدوُّهم بالرغم من تعرّضهم لكلِّ وسائل الكسر النفسي القذرة، إلّا أن ذلك البريقَ الذي كانوا يرونه في عيونِهم ومسحة العزة المرسومة على جبينهم والثقة بعدالة القضية، كان كفيلاً بقلبِ السحر على الساحر وانتصار السجين على السجان.
فهكذا كان أسرانا في سجون العدوّ وهذه هي حكايتهم: حكايةُ حَقٍّ أزهقت باطلاً..