بعد إغلاق سفارتها في صنعاء : ما وراءَ الاستقطاب الأمريكي للشباب اليمني في الخارج؟!

 

المسيرة: وهاب علي

كثّـفت السفارةُ الأمريكيةُ من الأنشطة والفعاليات واللقاءات المتصلة بالشباب اليمني والجوانبِ الثقافية والإعلامية (وفقاً لما تنشُرُه في حسابها الرسمي على تويتر)، حَيْــثُ بات من الواضح أن السفارة الأمريكية التي تتخذُ من الرياض مقراً لها، بالإضافة إلى السفارة الأمريكية بالقاهرة تعمل على توسيع نطاق التأثير المباشر سواءً المرتبط بشريحة الشباب أَو التأثير المباشر على اتّجاهات التفكير؛ بهَدفِ (كَيِّ الوعي) واستهداف الشباب والمجتمع عبر الكثير من الوسائل التقليدية وغير التقليدية، ومنها العملُ على صناعة واحتواء وترميز مجاميع من شباب مواقع التواصل الناشطين ثقافياً وإعلامياً.

ويُعتبَرُ هذا التركيزُ “غير الدبلوماسي” الذي تمارسه السفارة الأمريكية ضمن روزنامة أعمال متعددة تخضع للتحديث المستمر تبعاً لمؤشرات الداخل اليمني ومتغيرات المشهد المحلي والدولي وأوليات واحتياجات الحكومة الأمريكية وحلفائها الصهاينة بطبيعة الحال.

ويمكن القول إن المعطيات العسكرية العملياتية المتعلقة بالوضع في اليمن كانت قد طغت بعضَ الشيء على مجمل اهتمامات السفارة الأمريكية المرتبطة بالشباب اليمني، إلا أن تصاعد نشاط بعض المنظمات الدولية والإغاثية خلال تلك الفترة كان كفيلاً بتأدية الدور المطلوب بصورة غير مباشرة وهو تحديداً ما كانت تتطلبه تلك المرحلة.

ويبدو أن طولَ فترة الحرب واستحالة الحسم وتدهور فاعلية البدائل المعوَّل عليها في أعمال التجنيد والاتصال المباشر، فضلاً عن ارتفاع مستوى السخط والعداء لقوى الهيمنة الأمريكية في البلاد بالتوازي مع تساقط دُمَى (العم سام) واتضاح مدى عبثية ودموية أدوات الاستكبار العالمي، كانت كلها وراء الرغبة الملحة في استعادة وتطوير التقنيات التي يحبذ الأمريكيون استخدامها، وهذه المرة بتشكيل مجموعات عمل إعلامي وثقافي تقوم على العناصر الشبابية اليمنية المغمورة نسبياً والتي يتم اختيارها بدقة وفقاً لمعاييرَ محدّدة ومن ثَمَّ دعمها وتوظيف إمْكَاناتها في خدمة المصالح الأمريكية.

ويمكنُ إدراك مدى خطورة التأثير الناتج عن هذا المسار من خلال التمعن في آلية إعادة توجيه وتأجيج الاحتجاجات السلمية والمطلبية في العراق ولبنان مؤخّراً.

ويرى مراقبون أن تعيينَ السفير كريستوفر هنزل في شهر مايو الماضي ولاحقاً الملحق الثقافي، زينيا باغانيني، مثّل ترجمةً للتوجّـه الأمريكي الساعي للإمساك بخيوط التأثير على التوجّـهات المجتمعية في بلد يشكّلُ الشباب قاعدتَه السكانية العريضة.

وبات واضحاً حجمُ النشاط الذي تمارسُه السفارات الأمريكية في مختلف دول العالم حتى أن بعضَ سفاراتها مثل (السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد) تضم أكثرَ من 14 ألف موظف، ما يؤكّـد خطورة النشاط التي تمارسُه تلك السفارات، ومنذ إغلاق السفارة الأمريكية في صنعاء فقدت واشنطن امتيازاتٍ كبيرةً لممارسة نشاطاتها لاختراق المجتمعات، وبالتالي لجأت عبر سفاراتها في الرياض والقاهرة مثلاً إلى احتواء واستقطاب الشباب اليمني من صحفيين وإعلاميين وكُتّاب لتعويض الدور الذي فقدته داخل اليمن.

هذا الاستقطابُ الأمريكي للشباب اليمني لا يمكنُ عزلُه عن التوجّـهات الأمريكية لإثارة الفوضى في مختلف البلدان من خلال صناعة قادة للرأي يساهمون بشكل رئيسي في إثارة الاضطرابات، وهو ما عبّرت عنه بشكل صريح مندوبةُ أمريكا لدى الأمم المتحدة، عندما قالت: (إن الاضطرابات في اليمن ولبنان والعراق ستستمر) وربطت انتهاء تلك الاضطرابات بشكل وقح وسافر بتحقيق الأهداف الأمريكية المتعلق بالصراع مع محور المقاومة.

وتتمحور الأنشطةُ واللقاءاتُ والدورات التدريبية وحلقات النقاش الشبابية التي تقيمها السفارة الأمريكية أَو أحد أذرع السياسة الخارجية الأمريكية كالوكالة الأمريكية للتنمية أَو المعاهد والمراكز التي تعني بالسلام وحقوق الإنسان.. إلى آخر العناوين التضليلية (سابقاً كان المركَز الثقافي الأمريكي “أميديست” أَو معهد يالي وما شابههما يعفي السفارة من بعض التعقيدات واللقاءات الشكلية).

وباستعراضٍ سريعٍ لمحتويات المواد الخبرية التي تنشُرُها السفارة تتكرّر العديدُ من المفردات التي تشي لكل متأمل بنوايا “اليانكيز” الخبيثة رغم عمومية واعتيادية الكلمات المنشورة على غرار: (حث السفير هنزل ضيوفَه من الشباب على زيادة التواصل مع بعضهم البعض لدعم يمن موحدٍ لجميع اليمنيين/ مناقشة زيادة عدد الفرص الممنوحة للشباب اليمني؛ لمناقشة كيفية تنفيذ برامج تعليمية افتراضية (التعلم عن بُعد) لطلاب المرحلة الجامعية من مختلف المحافظات/ دورة جديدة مجانية (إعلامية) عبر الانترنت: المعاني الخفية: الخلق الروائي، الواقعي، والحقائق/ حلقة نقاشية مع مجموعة من الشباب اليمني المنتمي لـ٤ محافظات، حول الأدوار التي يمكن أن يلعبها الشباب في تحسين الوضع في اليمن، تدعم الولايات المتحدة الشباب من كُـلّ المحافظات في سعيهم لمستقبل أفضل / تدعم الولايات المتحدة منحَ الفرص الأكاديمية للنساء والرجال في اليمن على حَـدٍّ سواء، وعلى كُـلّ المستويات / زارت الملحقة الإعلامية والثقافية المدرسة اليمنية الحديثة في القاهرة؛ للتعرف على “المناهج” واحتياجات الطلاب/ محمد هو أحد الشباب الذين تم تدريبُهم بواسطة مشروع مستقبل يسودُه السلامُ الشبابي والذي موّلته وَأشرفت على تنفيذه الوكالةُ الأمريكية للتنمية في اليمن. لقد قام هذا المشروعُ بتدريب ما لا يقل عن ٨٠ شاباً يمنياً ليمارسوا دورَ الوسيط عند نشوء أية خلافات أَو مشاكل في مجتمعاتهم/ التقى نائب السفير…. والملحق الثقافي والإعلامي… مع سمير السروري وعمر المرشد؛ لمناقشة دعم السفارة للشباب اليمني والصحفيين والطلاب والأكاديميين. يستمر التعاون الثقافي بين الولايات المتحدة وَاليمن عبر العديد من المبادرات وفرص التمويل).

وتتوالى التفاصيلُ المرتبطةُ بتوفير الفرص التعليمية وَبناء السلام جنباً إلى جنب مع تساقط القنابل والصواريخ الأمريكية على رؤوس أطفال وشباب اليمن “من الجنسين على حَـدٍّ سواء”، وعندها يغدو التعاون الثقافي عملية تحويل جذرية وَ”أمركة” للنفوس التائهة ومسخٍ للفطرة والهُـوِيَّة، وليس مفاجئاً أن تجدَ أن صفحات كُـلّ أُولئك الناشطين في مواقع التواصل خالية تماماً من أية إشارة لفلسطين أَو القدس، أَو المسؤوليات الدينية والوطنية وفارغة كلياً من أي تلميح إلى الانتماء الإسلامي والعروبي ومروءة وإباء اليماني الأصيل.

والمثيرُ واللافتُ أن تلك الصفحات وفي طيات الثرثرة عن الدولة المدنية وقبول الآخر والشراكة وما شابه ذلك، تعُجُّ بمفردات التخوين والتكفير والإشادة بالأعراب وسياسة الانبطاح، وهذا كله غيض من فيض، ففي رحم هذا النشاط يكمُنُ جوهر المعركة وأسبابها، وبالتأكيد لا يمكنُ قراءةُ هذه التوجّـهات بمعزل عن المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من تصاعُدِ وجديةِ النشاط التثقيفي والتوعوي المستدام الذي يقودُه الشابُّ الحكيم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظُه اللهُ-، وهو بـحَـدِّ ذاته يشكل سبباً رئيساً للنشاط المحموم الذي تقوم به السفارة التي أزعجتها خطاباتُ السيد القائد والمراكزُ الصيفية والفعاليات الدورية وما شابهها.

وبهذا الصدد يمكنُ الجزمُ بأن أهمّ دوافعِ اهتمام الأمريكيين بالشباب في الآونة الأخيرة يتمثّلُ في الانتشار الواسع للمراكز الصيفية ونسبة الشباب والطلاب الملتحقين بها، وَلا يمكن إغفال أهميّة وخطورة خطاب/ محاضرة الفعالية “الشبابية” التحضيرية للمولد النبوي الشريف التي أُقيمت بجامعة صنعاء ويمكنُ التأكّـد من صحة ذلك بمراجعة حصيفة لآفاق الخطابِ وما تضمنه من مستويات وما احتوى بين سطوره من رسائلَ، فضلاً عن الدوافع التي سيوفرها حتماً الهلع الكبير من حجم الحضور الشعبي غير المسبوق والذي يتضاعفُ عاما بعد عام، رافضاً كُلَّ أشكال الوصاية والتطبيع، ومتمسكاً -أكثرَ فأكثر- بثوابته ومقدساته وهُـوِيَّته الإسلامية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com