معاناةُ مربّي البقر في الحديدة.. خسائرُ بالجملة وثروةٌ حيوانيةٌ مهدّدة الوجود بفعل العدوان والحصار

استهدافُ العدوان مزارعَ الأبقار يوسعُ دائرةَ خسائر المواطنين:

 

المسيرة: يحيى قاسم المدار

لم يسلمْ أحدٌ من المعاناة والظلم والقهر في هذا الوطن من أدناه إلى أقصاه، ومن نجا من القتل والقصف من قنابل وصواريخ قوى العدوان ومرتزِقتهم لم ينجُ من الكَبَدِ والمعاناة، ومن أكثر المناطق التي تعرضت وما تزال للتهجير والفتك بل الإبادة هم أبناء محافظة الحديدة، نعم أبناءُ الحديدة التهاميون الأرق قلوباً والألينُ أفئدة، فما من منطقة أَو مديرية أَو قرية إلا ونالها نصيبٌ من القتل والدمار وأصبحت فيها المعاناة أضعافاً؛ بسَببِ العدوان والحصار المفروض على مناطقهم من كُـلّ الجهات، ينفّذها مرتزِقةٌ عملاءُ سخروا أنفسَهم للشيطان الأكبر أمريكا وإسرائيل وآل سعود وآل نهيان؛ خدمةً على حساب معاناة أبناء بلدهم وإخوانهم اليمنيين.

مدينةُ الدريهمي خيرُ شاهد على حجم الكارثة الإنسانية ونموذج مما يرادُ لأبناء اليمن من مشاريع الهيمنة التي يحملها أولئك المرتزِقة المنافقون وما يريدون تسويقُه لأبناء الشعب جميعاً..

ومع استمرار العدوان والحصار على الشعب تزداد أوضاعُ التهاميين سوءاً، ومع تراخي الأمم المتحدة التي تشرف على تنفيذ اتّفاقية السويد يضاعف المنافقون الخِناقَ على المدن والقرى في الساحل الغربي ومدينة الحديدة بالخصوص التي أضحت الحياةُ فيها شبهَ منعدمة؛ بسَببِ نزوحِ الكثير من أبنائها إلى مناطقَ بعيدة عنها، عَلَّها تكونُ أكثرَ أماناً من قذائف وصواريخ ورصاص قوى الغزو وعملائهم الذين يصُبُّون على المدينة حممَ حقدهم وحسدهم على أولئك القوم المستضعفين..

ومع اقترابِ مرتزِقة العدوان من مدينة الحديدة في سبتمبر ٢٠١٨م، شهدت مديرية الحالي آلافَ الغارات والصواريخ والقذائف بمختلف أنواعها، بما يشبه الأرضَ المحروقة، جعلت من البقاء في تلك المناطق الجنوبية تعريضاً للموت والإبادة، رغم الحياة التي كانت تزخرُ بها تلك المناطقُ وجَمال الخضرة وعشرات المصانع والمشاريع بمختلف أنواعها، ومن تلك ما كان يسمى أحواش البقر الكبيرة لمربي الثروة الحيوانية ومنها الأبقار، حَيْــثُ أضحت الآن بقايا أطلال أَو ما تبقى من عظام أبقار نَفَقَت من قذائف الإجرام الغازي..

 

نفوقُ أكثرَ من ثُلث الأبقار والمواشي:

يؤكّـدُ أبناء المنطقة أن الأبقارَ المتواجدة في أحواشهم قبل الاجتياح العسكريّ لقوى الغزو ومرتزِقتهم لمنطقة كيلو١٦ في سبتمبر ٢٠١٨م كان عددها (١٢٠٧٧) بقرةً، ومع بدء الهجوم المباغت لتلك القوى نفق منها أكثرُ من ثلث العدد، ثم تلاحقت البقية تباعاً، لم يستطع الأهالي إخراجَ أبقارهم ومواشيهم إلا النجاة بأنفسهم؛ نزوحاً وهرباً من القتل والإبادة جراء هجوم الغزاة، البعضُ منهم استطاع أن يأخُذَ معه القليلَ من الأبقار بعد أن أصاب الكثيرَ منها شظايا القنابل والصواريخ والرصاص المكثّـف، وذهب بها إلى مديرية المراوعة شرق الحديدة، والبعضُ منها نفق عطشاً وجوعاً، وأُخرى بقيت حتى نفقت، فكانت هذه ضربةً قاصمةً قاضيةً لمربي الأبقار في منطقة كيلو١٦..

يقول محمد شراعي من جمعية الكشوبع: انتهت كُـلّ أعمال المزارعين وتشتت الأسر وضاعت معظم الأبقار؛ بسَببِ العدوان، وبعضُها تم نقلُها إلى منطقة المخاء، وأكثرها مصابةٌ إما بالشظايا أَو هزيلة من الجوع والعطش؛ بسَببِ بقائها في الأحواش بدون اهتمام، ويضيف: حاصرنا العدوانُ من كُـلّ جانب، ومع الهجوم العسكريّ على الحديدة تدهورت حياتنا كمزارعين ونفقت الكثير من الأبقار؛ بسَببِ القذائف من مختلف أنواع الأسلحة التي صبوها علينا..

 

هجومٌ مباغتٌ هدّد وجودَ مزارع الأبقار وهضم نصف الإنتاج:

بدوره، قال الحاج عبده فارع -رئيس الجمعية التعاونية لزرائب الأبقار-: تفاجئنا بالهجوم علينا، وكنا نعيش في أمن وسلام، كان معنا (٢٤٢٦) بقرة، وكانت كلها منتجةَ حليبٍ وسمن وجبن، وكل شيء كنا ننتجه من الأبقار التي نملكها..

وأضاف: كنا نستلم أنا وأبنائي في الأسبوع الواحد قرابةَ ثلاثة ملايين ريال أسبوعياً، كان معَنا حوالي ٥٥٠ بقرة، أما الآن حوالي ٢٥٠ بقرة، وبعضها شلوها إلى المخاء!! ذلحين ما نحصلش أكثر من ٣٠٠ ألف ريال مما بقي معَنا، وهذه البقر بتموت من الجوع والعطش ما عاد بش معَنا ما نؤكّلها ونشرّبها إلا القليل، أصبح إنتاج الأبقار قليلاً؛ لأَنَّ نقلَها من مكان إلى آخر يجعلها تقلل من الإنتاج؛ بسَببِ الجو والمرعى والله كريم..

كان مربو الأبقار في منطقة كيلو١٦ يعتمدون على مصنع (يماني) في تصنيع وتسويق الحليب الذي تنتجه أبقارهم، إذ كان يبلغ الإنتاج اليومي أكثر من (٢٦٤٦٠) لتراً من الحليب..

يقول أحمد منصر -أمين عام جمعية الريف-: كنا قبل الهجوم الوحشي على منطقتنا نحصّل من الحليب أكثرَ من (٨٠٠٠) لتر يومياً، لكن اليوم بنحصل حوالى (١٦٠٠) لتر وكل يوم يكون أقل..

تراجَعَ الإنتاج أكثرَ وانهزم الناس هناك نفسياً؛ بسَببِ استمرار القصف والحصار وحرب الإبادة التي شنها الغزاة المحتلّون، أصبحت معدلاتُ الإنتاج العامة أقلَّ من ١٠ آلاف لتر، وفوق هذه المعاناة معاناة ثانية هي أطم وأطغى، فقد عمد العدوان والمنافقون إلى قصف مصنع يماني، ما أَدَّى إلى توقفه تَمَاماً، وهنا المشكلة الكبيرة، فأصبحت المعاناة أضعافاً مضاعفة، إذ يؤكّـد من تبقى منهم أن الكثيرَ منهم يصُبُّون الحليب الذي ينتجونه إلى الشارع بعد أن عجز مربو الأبقار عن تسويقِ ألبانهم..

 

مبادراتُ تلافي الوضع:

وفي مثل هذا الوضع الكارثي الذي أصاب أولئك التهاميين قامت بعض المبادرات تبنتها مؤسّسة بنيان التنموية بالتنسيق بين الجمعيات التعاونية لمنتجي الألبان في منطقة المراوعة التي هاجر إليها أصحابُ زرابي الأبقار وتعاون مزرعة رصابة والمؤسّسة الاقتصادية اليمنية، لتصنيع وتسويق كميات الحليب الطازجة المنتجة يومياً كإنقاذ ومد حبل النجاة لما تبقى من أبقار ومزارعين تعرضوا لخسارة كبيرة في معايشهم ومناطقهم التي ظلت آمنةً مطمئنةً حتى غزوِها ودمارِها من قِبل مرتزِقة العالم وشُذَّاذ الآفاق الذين أرهقوا البلاد والعباد، بدأت تلك المبادرات تؤتي أُكُلَها وتحُدُّ من تدهور حالة الناس هناك، وهذا هو الفرق بين من قتل الناس ودمّر معايشهم من قوى البغي والعدوان وبين من يسعى لتطبيبِ الجروح وتخفيف المعاناة عن شعب أراد لنفسه الحريةَ والاستقلال ولن يتراجعَ عنها..

وما يأملُه مربو الأبقار في منطقة المراوعة الآن هو المزيدُ من التفاعل من الجميع؛ للحد من معاناتهم التي سبّبها العدوانُ ومرتزِقتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com