ديمومةُ استحضار مقتضيات الهُـوِيَّة الإيمانية كأساس لتحقيق مصاديق الإيمان (قراءةٌ في خطاب السيّد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظُه اللهُ-)
السيّد القائد يصوغُ الوعي ويقدّمُه -بروحيته الاستثنائية- وبتركيبة عفوية راقية تواكب المتغيرات وتناسب واقع الحال
تناول السيّد القائد أهمّ جوانب تأصيل الهُـوِيَّة الإيْمَانية اليمانية ومن منظور جديد يلفت الانتباه إلى عُمق منطوق الحديث الشريف
أشار السيّد القائد -يحفظُه اللهُ- إلى طبيعة الدور الوظيفي لحقيقة الانتماء الإيْمَاني موضحاً خطورةَ النسيان في مقام العمل
يستمرُّ السيّد القائد في إثرَاء الوعي الجمعي وتعزيز الحصيلة الثقافية الجامعة بالجديد والمتجدّد وتنشيط ذاكرة الفطرة الإنسانية
من نحن ومن هم؟!
المسيرة| وهاب علي
“الصراعُ شاملٌ” كما يقولُ الشهيدُ القائد السيّد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في ملزمة “من نحن ومن هم”، ومن منطلق شمولية الصراع وبالنظرِ إلى تطوّر آليات الاستهداف الفكري وَالثقافي، وتسارع وتنوع وتيرة وأساليب العدوّ، يستمرُّ السيّد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي في إثرَاء الوعي الجمعي وتعزيز الحصيلة الثقافية الجامعة بالجديد والمتجدّد وَتنشيط ذاكرة الفطرة الإنسانية وتحفيز العقول والأرواح باتّجاه استيعاب أكثر عمقاً لخارطة الصراع الفكري والثقافي وعلى قاعدة “وَ ذَكّر” فإن الذكرى التي تنفع المؤمنين؛ لذلك وبدافع المسئولية الدينية يطلُّ السيّدُ القائد مخاطباً الأُمَّــةَ فتزهر مساحات الغفلة في مواجيد المتلقين ويعاود الناسُ تصويبَ اهتماماتهم وفقاً لاتّجاهات ومقاصد الخطاب الصادق وأولوياته المستمدّة من معالم الهدي الإلهي القويم.
وكالعادةِ يكونُ لحضوره -حتى وإن كان عبرَ الأثير- بركةٌ وارفةٌ، لكن تجلياتها في هذه الإطلالة الفريدة بدت من الناحية الوجدانية، أكثر إشراقاً ووضوحاً، بين “المسمورة” وَ”المنقورة”، وفي طياتها دعوةٌ ملحةٌ إلى استحضار رمزية وعبق المكان المبارك منذُ التأسيس الأول، مروراً بأجيال مباركة من اليمانيين الأنصار المؤمنين، وُصُولاً إلى “إعادة تفعيل” تلك الهالة المباركة يوم اتّخاذه منبراً مركزياً لإعادة مفردات الهُـوِيَّة الإيْمَانية إلى نصابها وإطلاق الصرخة في وجه المستكبرين، بحيث شكّلت تلك الأبعادُ الإضافيةُ مزيجاً من الطاقة الإيجابية الملهمة في ثنايا هذه الخطاب المهم، ضمن مشروع التوعية الكبير المستمرّ، وعليه فالوعيُ بأبجديات هذا الخطاب يؤكّـد أن الوعيَ العنوانُ الجوهريُّ والموضوعُ الأولُ والأخيرُ، الوعي الذي يصوغه ويقدّمه السيّد القائد -بروحيته الاستثنائية- وبتركيبةٍ عفوية راقية، تواكب المتغيرات، وتناسب واقعَ الحال، وفي هذه المرة تم تقديمُ الخطاب بمجمله كإجابةٍ -إضافية، تفصيلية، متقدّمة- على سؤال الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: من نحن ومن هم؟!، وبهذا الشأن تناول السيّدُ القائدُ واحدةً من أهمّ جوانب تأصيل الهُـوِيَّة الإيْمَانية اليمانية ولكن من منظور جديد يلفت الانتباهَ إلى عمق منطوق الحديث النبوي الشريف بالصورة التي تُجسّد حقيقة ومستوى ارتباط الخصوصية اليمانية بالهُـوِيَّة الإيْمَانية، مع الإشارة العملية إلى ما يظهرُ في طيات هذا التلازم -باعتباره تكريماً فائقاً وَوسامَ شرفٍ ورايةَ عزةٍ- من المسؤوليات الجليلة واللائقة بهذا المنطلق الإيْمَاني الخاص، لا سيما والشواهد التاريخية تفيدُ أن هذا المنطلقَ ليس قاعدةً فكريةً مُجَـرّدةً فقط، بل إضافة إلى ذلك يتحد بخصائص الصبر والإصرار ليواصل المسيرة الإيْمَانية بطاقة تصنع المتغيرات وآليات عمل فعالة لا تنضب في مواجهة التحديات في دربِ الارتقاء المفتوح على مصدر الرضوان والتوفيق والتأييد والإمداد بالمزيد من الهداية والرحمة والعلم والحكمة، والكثير من النعم الإلهية التي تُعزّز من مقومات نهوض الأُمَّــة بمسئوليتها من خلال التحَرّك المنضبط ضمن امتداد مسار الهداية الرسالي المستقيم، صراط الذين أنعم اللهُ عليهم، وكما أشار الشهيدُ القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بقوله “بين أيدينا رصيد عظيم”، يعني بذلك قول الله عزَّ وجلَّ (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، ويعني كذلك أن من المهم “توظيف الإيْمَان بالرسل والكتب والملائكة للخروج من حالة الجمود”، مثلما كانت “وحدة الأنبياء وروحيتهم الواحدة وهم في عصور مختلفة تُعدُّ شاهداً على قدرة منهج الله على صنع أُمَّــة متوحّدة تعيشُ في زمن واحد”، وغير ذلك مما قاله الشهيدُ القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في محاضرة (الهُـوِيَّة الإيْمَانية)، فيما يكتفي السيّدُ القائدُ في هذه المحاضرة بواحدة من الآيات الكريمة المعبّرة عن مستوى الالتزام الإيْمَاني اللازم لتحقّق ثمار الهُـوِيَّة الإيْمَانية، وهي قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وبلا شكٍّ فإن جوانبَ الاستفادة العملية من أنوار هذه الآية، ستكون باهرةَ النتائج، خُصُوصاً فيما يتعلق بالوحدة الإيْمَانية ومهام وضوابط الالتزام الإيْمَاني في سياق التحَرّك العملي على مستوى الأُمَّــة، والتي تتناغمُ مع قولِه في المحاضرة الرمضانية الثانية 1440ه: “إن الأُمَّــةَ بحاجة إلى الطاقة البشرية لمواجهة التحدّيات والنهوض بالمسؤوليات في الدنيا -وليس كما يقال- للمكاثرة بين الأمم يوم القيامة”، وبالعودةِ إلى الآية الكريمة وإلى ما تحتويه من فوائدَ مختلفةٍ مرتبطة بمستوى الالتزام بالتوجيهات الربانية، ومنها على سبيل المثال ما يترتّب على تأدية “الصلاة القيمة” من حصانةٍ نفسيةٍ عالية ناتجة عن استحالة اتّباع الشهوات والسقوط في حضيض المغريات غير المشروعة وفقاً لقوله تعالى في كتابه الكريم: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، بناءً على ما سبق قد يكون من المهم قراءةُ الخطاب بصورة أكثر عمقاً واتّساعاً عبر الاستفادة مما ورد في العديد من المحاضرات المرتبطة بها موضوعياً، مثل المحاضرة الرمضانية الأولى والثانية والثالثة 1440ه، وما ورد في تلك المحاضرات بشأن مقتضيات الانتماء الإيْمَاني من الالتزام العملي والطاعة إضافة إلى كون هذا الانتماء يعتبر ميثاقاً فيما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى على السمع والطاعة، بحيث يمكن القولُ إن خصوصيةَ الهُـوِيَّة الإيْمَانية المرتبطة بالحديث النبوي الشريف يجوزُ اعتبارُها بمثابة ميثاق إضافي تعزّزه شهادةُ الرسول الأكرم -صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيْهِ وعَلَى آلِه-، وهذا بالتالي يضاعفُ من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق الأُمَّــة اليمانية، لكنه في ذات الوقت يجعلها محطَّ عناية ورعاية إلهية أكبر، من خلال هذا الارتباط “الخاص” بالله ورسوله وهذه نعمةٌ عظيمةٌ جِـدًّا، إذ أن الإنسانَ لا يعدو عن كونه متلق للتوجيهات والتي يسير في مختلف شؤون حياته على أَسَاسها، في مختلفِ الشعوب والأمم، التي تعتمد في مسيرتها ومواقفها وفي منهج حياتها بشكل عام على أفكارٍ ونظرياتٍ وعقائدَ وتوجّـهاتٍ قد تصدر عن هذا أَو ذاك ممن قد يكون طاغيةً أَو مجرماً لا يملك تجاه شعبه ذرة من الرحمة؛ ولهذا -كما يشير السيّدُ في المحاضرات الرمضانية- فـ “كلُّ تلك الاعتبارات لا تساوي شيئاً أمام الله عز وجل”؛ ولهذا “يجب أن نستشعرَ قيمةَ الخطاب والنداء الإلهي وقيمة الهداية الإلهية، أن يكون المصدرُ الذي نتلقى منه التوجيهات والهداية والحلول والإرشادات هو اللهُ سبحانه وتعالى بكماله المطلق ورحمته التي وسعت كُـلَّ شيء، بعلمه المطلق بكلِّ شيء، ملك السماوات والأرض، أن يكون هو المصدرُ فهذه نعمة عظيمة جِـدًّا لا يدركها الآخرون من غير المؤمنين”، وحول ذلك كان قد تحدّث الشهيدُ القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في جزئية من ملزمة الهُـوِيَّة الإيْمَانية حين ذكر اليابانيين في تحَرّكهم مستندين إلى هُـوِيَّة مكانية وشعور بالقهر والإذلال، ليشير -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في كلامِه بعد ذلك إلى ملكوت الهداية الذي بين أيدينا، إلى ما لدينا من كنوز لانهائية، وَهي التي لا مجالَ لمقارنتها بالمنطلقات التي حرّكت الأمم الأُخرى، فهي لا شيء مقارنة بأنوار هُـوِيَّتنا الإيْمَانية الشاملة، القرآن العظيم، وهو الخطاب الذي يتضمنه -بشكل أولي- الكتاب المخطوط، الكتاب الحي بآفاق الوعي المتجدّد غير المحدود، حي بإحيائه للنفوسِ العطشى لغيث الوعي والنور الهادي إلى طرائق الإيْمَان ومعالم الهداية وبصائر الانتماء ومصادر العمى ومصائر الأكوان وسنن الديان وسبل السلام وتفصيل لكل شيء، وفي السياق التالي يقول السيّدُ عبدالملك -يحفظُه اللهُ- أن “من المهم أن نرسّخَ في واقعنا ما يعنيه هذا الانتماء”، وبالاستفادة من أنوار الآيات المباركة وخلاصة ما تضمنته الملازمُ والمحاضراتُ الرمضانية وغير الرمضانية المرتبطة بالموضوع، يمكن القول بأن تحقّقَ الوعي المطلوب يعني ديمومةَ استحضار مقتضيات الإيْمَان والانتماء والهُـوِيَّة الإيْمَانية فضلاً عن استحضار مستمرّ لثمار ونتائج الالتزام الإيْمَاني والطاعة في ظلِّ التوجّـه العملي الصادق في مسار الاستجابة للتوجيهات الربانية وبما يحقّق مصاديق الإيْمَان، وكذا الاستحضار الدائم لمجمل العواقب الوخيمة المترتّبة على الغفلة والعصيان والغرور والنسيان في الدنيا والآخرة، بمعنى أن استحضارَ مقتضى الهُـوِيَّة الإيْمَانية يُعدُّ أَسَاساً لتحقيق مصاديق الإيْمَان، يتحدّث السيّدُ الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في ملزمة الهُـوِيَّة الإيْمَانية عن مصاديق ذلك الإيْمَان، مُشيراً إلى أن “كلها حركة، حركة نشطة، كلها عمل، استقامة وثبات، إخلاص، ثقة بالله وانقطاع إليه”، وفي سياق العمل على إيضاح كيفية تحقيق ذلك، واستناداً إلى الخطاب القرآني المتكرّر في العديد من الآيات الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ)، أشار السيّدُ القائد -يحفظُه اللهُ- في المحاضرة الرمضانية الثالثة 1440ه إلى طبيعة الدور الوظيفي لحقيقة الانتماء الإيْمَاني بقوله: إنَّ “مُجَـرّدَ الانتماء الإيْمَاني لا يكفي، إنما هو أَسَاسٌ نبني عليه في مسيرتنا العملية وفي التزاماتنا العملية”، موضحاً خطورةَ النسيان في مقام العمل، في واقع الحياة، وَتجاه المسئوليات وفي المواقف والولاءات وَالعداوات، ومؤكّـداً “لا تكونوا كالذين نسوا اللهَ فانطلقوا في مواقفهم بعيداً عن الله”، كما أشار إلى أن “الأهواءَ هي العنوانُ الواسعُ الذي ينطلق فيه الكثيرُ من الناس في مواقفهم وقد يكونُ منتمياً في واقع الحال إلى الإيْمَان، وهذه هي الحالةُ التي نحنُ عليها كمسلمين وقد نغفل وننسى وبالتالي لا نستحضر مقتضى إيْمَاننا في واقعنا العملي في كثير من الحالات، وأمام كثير من المواقف وهنا مكمن الخطورة؛ ولهذا يذكّرنا اللهُ سبحانه وتعالى بقولِه جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)”، ويؤكّـد السيّدُ -يحفظُه اللهُ- أن امتدادَ الآثار الوخيمة المترتّبة على خطورة النسيان والإعراض عن تعليمات الله “تجعل الإنسانَ في موقع “المؤاخذة الإلهية” على المستوى الفردي وكذلك الجماعي (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا، فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا)، فالنتيجةُ المباشرةُ لحالة عدم الانتباه لخطورة الغفلة واللامبالاة والنسيان والغرور وغيرها هي كما يقول السيّدُ القائدُ: “لن يكفيَه أَو ينفعَه الانتماءُ الإيْمَاني؛ لأنَّ هذا التحذيرَ هو للذين آمنوا (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، وللمزيدِ من التأكيد على خطورة الأمر، ركز السيّدُ عبدالملك بن بدر الحوثي في ذات المحاضرة الرمضانية على مفردة (وَلْتَنظُر) وذلك ضمن قراءته لعددٍ من المؤشرات الهامة الواردة في الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، فيقولُ -يحفظُه اللهُ-: “لتنظر، ولتتأمل، ولتفكر بجدية”، مشدداً على أن هذا هو “تنبيه مهم وتذكير مهم”، وهذا يقودُ بالضرورة إلى التنبيه الذي كرّره -يحفظُه اللهُ- في خطابه الأخير، وبطبيعة الحال فإن ضرورةَ الانتباه تُعبّر عن أهميّة الاستيعاب التام لأجزاء الصورة الكاملة، وليست المسألةُ تنبيهاً لحظياً أَو تنويهاً يخصُّ خطاباً بعينه أَو جزئية محدّدة فقط، بل يبدو أن الأمرَ أوسعُ من ذلك بكثير، ليصل المرءُ إلى استنتاج مفاده: ضرورة أن “يعي المؤمنون” فعلاً طرائقَ الوصول إلى مسالك الرضوان والقبول، وكيفية امتلاك مفاتيح الإدراك لحقائق ومسؤوليات المشروع القرآني الإيْمَاني الواسع، يقول اللهُ عزَّ وجلَّ: (إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)؛ ولذلك -وربما لما هو أشمل وأبعد من ذلك-، قال السيّدُ القائد: “تأملوا جيِّدًا، ركّزوا جيِّدًا، اسمعوا جيِّدًا”، هذه الجزئية من الخطاب تستدعي إلى ذهنية المتلقي العديدَ من المعاني القرآنية الهامة، ومنها تلك المعاني المتعلّقة بالمسؤولية التامة عن الأدوات الحسية المساعدة، وهي النعمُ الربانيةُ المتعدّدة والتي تمثل جوهر تكريم بني آدم عن سائر المخلوقات، وهي نفسها التي ينبغي أن يكون الشكرُ العملي عنواناً رئيساً لاستخدامها في الحصول على المزيد من العلم النافع والوعي المطلوب للقيام بالمسؤولية الدينية على النحو المطلوب، يقولُ تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، إذ أن عدمَ الفهم يكمن في شرود الحواس وتيه القلوب وإن كانت كلُّها حاضرةً وظيفياً، لكنه حضور يشوبه انطفاءُ شرارة الإدراك الوجداني الفاعل في شحذ الهمم وإمداد الجوارح والنفوس بطاقة التحَرّك المنضبط؛ تلبيةً للاستحضار الدائم لدوافع ومنطلقات الهُـوِيَّة الإيْمَانية وُصُولاً إلى تحقيق مصاديق الإيْمَان وتنمية المناعة الثقافية وإرساء مداميك الحصن الفكري الإيْمَاني على الوجه الذي يليق بخصائص التفرّد اليماني وجدارته العملية بالتكريم النبوي وشهادة الرسول الأعظم -صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيْهِ وعَلَى آلِه- ولا يجدرُ بشعب حاصل على وسام الهُـوِيَّة الإيْمَانية من الدرجة الأولى إلا أن يكونَ عند مستوى هذه المسؤولية الجليلة في ظلِّ قيادة واثقة ومستعينة بالله، تعي جيِّدًا ماهيةَ الصراع ومن هم أعداء الأُمَّــة ومن هي هذه الأُمَّــة؟ وما هي واجباتها؟ قيادة عاهدت اللهَ ورسولَه أن تفيَ بكلِّ متطلبات هذا التكليف الشريف حتى الملتقى، يوم الورود على مقام المصطفى، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم.
وأخيراً.. يُلحظ مجدداً أن هذا الخطابَ وغيرَه من خطابات الوعي الإسلامي ومحاضرات الإرشاد والتوجيه وَالتثقيف القرآني التي يلقيها السيّدُ القائد -يحفظُه اللهُ-، تبدو وكأنها هي “المتن” الذي تشرحه عددٌ من ملازم الشهيد القائد، وفي نفسِ الوقت تظهر وكأنها هي الشرحُ للكثير من النصوص المستقاة من متون متفرَقة في عدد من ملازم السيّد الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-، ولهذا الأمر دلالات راقية المعاني وفي ثناياه مؤشرات إلى جديد وقادم الروافد، من منهل القرآن والشواهد، وإشارة واضحة إلى تشابه أسباب الإنعام وتظافر موجبات الحكمة والإفهام، وتكامل الرؤى الساطعة وزيادة في البشرى برسوخ المنهج المضيء وامتداد المسيرة بمشيئة الله وتوفيقه.