التطبيعُ الصهيوني الرقمي.. سفراءُ الظلام
المسيرة: وهاب علي
مجدّداً، تسلِّطُ صحيفةُ المسيرة الضوءَ على العديد من مستجدات الحرب الناعمة والاستهداف الفكري والثقافي للشباب اليمني والعربي عموماً، حَيْــثُ كانت قد انفردت خلال الأسابيع والشهور الماضية بإعداد ونشر عدد من التقارير التي كشفت جملة من تفاصيل أنشطة وجهود كيان العدوّ الصهيوني الرامية إلى إزالةِ حواجزِ الرفضِ في أوساط الشباب اليمني من خلال محاولات مد جسور التواصل بشكل تدريجي باستخدام يهود مهاجرين من اليمن يعملون على محاولة التطبيع الرقمي مع الأفراد من خلال التركيز على بعض التفاصيل المشتركة المتفرقة.
وبناءً على ما سبق، ينبغي التأكيدُ على ضرورة استيعاب تطورات وسائل وأساليب الصراع الشامل والتسلح بالوعي والبصيرة للدفاع عن ديننا وقيمنا ومقدساتنا ومبادئنا وأرضنا، والتشبث بالهُــوِيَّة الإيمانية؛ باعتبارِها أحدَ أهمِّ وأخطر أسلحة الردع في مواجهة هذا العدوان المركَّب والخبيث، خَاصَّةً في ظل تصاعد المحاولات الصهيونية لتطوير العلاقات مع الدول العربية التي لا علاقةَ دبلوماسيةً رسميةً معها، وذلك من خلال ما تسميه بـ “الدبلوماسية الرقمية” (التطبيع الرقمي).
ولتوضيحِ الموضوع بشكل أكبرَ، يمكنُ استعراضُ بعضِ النماذج المحركة لتلك الجهود التطبيعية الواسعة ونقلاً عن ما أوردته صحفية صهيونية تُدْعى روث أغلاش -تعملُ مراسلةً لصحيفة الواشنطن بوست- بشأن فتاة يهودية مهاجرة تُدعى ليندا مينوحين والتي هاجرت من بغدادَ قبل عقود، وهي اليوم تقودُ جُزءاً من الجهود الإسرائيلية الرامية لاستهداف شباب العالم العربي، حَيْــثُ تُشرِفُ الفتاةُ المذكورة على عدد من صفحات فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة لوزارة خارجية العدوّ الصهيوني، ومن خلالها تقومُ بالتواصل اليومي بمواطني الدول العربية، فضلاً عن قيامها بربطهم بمدرسي اللغة العبرية وبخبراءَ في المجال الطبي وغيره من المجالات، فضلاً عن تقديمها الكثيرَ من معلومات عن إسرائيل واليهودية واليهود الذين عاشوا في الدول العربية سابقاً.
ونقلت الصحفيةُ الصهيونية عن “ليندا مينوحين” قولها إن هدفها هو إظهار “القيم المشتركة التي نشترك بها والتشابه بيننا”، وفي هذا الحديث إشارة إلى الاهتمام بكل ما يعزز من جهود التطبيع الرقمي والابتعاد عن أية مواضيع حسّاسة قد تشكل منغصات لجهود التطبيع مع الأفراد من شباب العرب الذين يتملك معظمهم الفضول لمعرفة الصهاينة عن قُرب، وهذا الفضولُ “غير الواعي” يمثل أول درجات سُلم التطبيع الرقمي وقبول العدوّ الصهيوني، وُصُــولاً إلى سلسلة من التنازلات الوجدانية والنفسية المرتبطة بقضايا ومقدسات الأمة، وخُصُوصاً في ظل عدم وجود حصانة ثقافية وهُــوِيَّة إيمانية فاعلة ووازع معرفي صلب يضمن منعة الفئات الشبابية العربية المستهدفة أمام تلك الجهود الخسيسة الرامية إلى التهيئة لتوطين إسرائيل في الأذهان والعقول ومن النيل إلى الفرات دون إطلاق رصاصة واحدة.
ويشمل ذلك الدولَ العربية التي وقّعت اتّفاقيات سلام مع الكيان الغاصب، إذ أن إسرائيل رغم أنها وقّعت اتّفاقية سلام مع كُـلٍّ من مصر والأردن إلّا أنها تقيم علاقات دبلوماسية حقيقية وكاملة مع تلك الدول العربية على المستويين الرسمي والشعبي، ولا يخفى على أحد نُدرةُ التفاعل بين شعوب تلك البلدان والشعب الصهيوني المستوطن، إلا أن التحولاتِ في المصالح الإقليمية واللعب على وتر المخاوف المشتركة من ما يسمى بالخطر الإيراني وتأثيره المتزايد في الشرق الأوسط، أَدَّى إلى تسهيل جزئي للجُهد التطبيعي الصهيوني والذي يتمثل بإزاحة الحواجز النفسية والعداوة المتوارثة جيلاً بعد جيل لدى بعض الجهلة من المنسلخين عن القيم الإيمانية والعروبية أَسَاساً، الأمر الذي وفّر للكيان الغاصب آمالاً مبدئية بإمْكَانية قبول إسرائيل بين أعدائها في المنطقة.
وبحسب الصحفية الصهيونية التي تعمل مراسلةً لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية فَإنَّ ردودَ الفعل في السنوات الأخيرة قد عززت تلك الآمال من خلال إبراز نوعٍ من المشاركة الصهيونية مع بعض البلدان المتحفّظة مثل زيارة رئيس حكومة العدوّ الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عُمان، وافتتاح معابد يهودية في دُبي وأبو ظبي والمشاركة الإسرائيلية في عدد من الفعاليات التجارية والرياضية في الدول الخليجية، وَإضافةً إلى ذلك فقد أدّى ظهورُ عدد من الصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي (وهي صفحاتٌ تشرفُ عليها وزارةُ الخارجية الإسرائيلية)، وكذلك تنامي المبادرات الفردية الصهيونية، إلى إحداث موجة إعلامية صهيونية ناعمة لفتت انتباه ملايين العرب سواء أولئك الغاضبين أَو الفضوليين أَيْـضاً والذين اقتربوا بدافع التعرف.
وتعليقاً على كُـلّ ذلك، وصف وزير خارجية العدوّ الصهيوني هذه الموجةَ الصهيونية بأنها “طريقة أُخرى للتواصل مع العالمين العربي والإسلامي”.
وكان وزيرُ خارجية الكيان قد زار أبو ظبي في يوليو الماضي، داعياً لإقامة خط حديدي يربط دول الخليج بالموانئ الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة على البحر المتوسط.
وبحسب الصحفية الصهيونية “أغلاش”، فَإنَّ ليندا مينوحين تعمل في وزارة الخارجية الصهيونية بمعيَّةِ فريقٍ يتكوّنُ من عشرة أشخاص يقدمون محتويات ومواد إعلامية لصفحات صهيونية “باللغة العربية” على فيسبوك وتويتر وانستغرام وقنوات أُخرى على يوتيوب، فيما بلغ عدد متابعي تلك الحسابات المشار اليها ما مجموعه 10 ملايين مشاهد ومتابع أسبوعياً من مختلف الدول العربية، بخلاف الكثير من أشرطة الفيديو التي يتم تحميلها وَتنتشر بسرعة واسعة بين المتابعين الآخرين في أوساط الشباب العربي.
وهذه المقاطعُ المرئية لا تتطرقُ إطلاقاً إلى المواضيع المرتبطة بالصراع، بل تحاولُ تقديمَ مظاهر الحياة والثقافة الإسرائيلية بشكل جذّاب وشيق، ومن بين المواد التي تمت مشاهدتها بشكل واسع يهودياً وعربياً: حديث عن الكلمات العربية والعبرية المتشابهة، وثمة منشورٌ آخر يتحدث فيه إسرائيليون عن الدول العربية التي يرغبون بزيارتها لو أتيحت الفرصة لهم، حَيْــثُ يقول “الحاخام “إلحنان ميلر” والذي يشرفُ على صفحة صهيونية على فيسبوك وقناة على يوتيوب بالعربية: “لم يعد اليهودُ موجودين في العالم العربي، وليس هناك أحياءٌ يهودية أَو أصدقاء يمكنُ للناس سؤالَهم؛ ولهذا فالعلاقة تحدث عبر منصات التواصل”، وعلى ذلك المنوال كانت زيارةُ المدون السعوديّ محمد سعود إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي ولقاؤه بنتنياهو.
وفي السياقِ يقولُ هذا الناشط -المسارِعُ فيهم على خُطَى حكام بلده-: “سمعتُ ولسنوات أموراً مختلفةً عن اليهود وإسرائيل” و”نظراً لعدم وجود يهود في السعوديّة فلم يكن هناك مَن أساله أَو معرفة ما يجري بين اليهود والمسلمين”، وأضاف أنه بعد زيارة لأمريكا اكتشف أن اليهودَ “ليسوا أعداءَنا”. وقال: “النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين هو عن الأرض وليس موضوعاً دينياً ويجبُ على الفلسطينيين واليهود التوصُّلُ إلى اتّفاق بينهم”.