قمّـةُ “كوالالمبور” نواةُ تحالف دولي جديد
المسيرة: أنس القاضي
النظامُ العالميُّ هو ما ينتجُ التكتُّلاتِ والتحالفاتِ الجديدة، ومع تراجُعِ السطوة الاستعمارية الأمريكية وفشل نموذج العولمة -الديمقراطية الغربية وصناديق الاقراض- في حَــلّ القضايا الأَسَاسية لمعظم البشرية -ومنهم المسلمون- تجري في العالم حركةٌ من تقاطُعِ المصالح وبناءِ التكتُّلات والأقطاب الجديدة، وتمزق وموت تحالفات وقوىً قديمة، وتأتي قِـمَّـة ماليزيا في هذا السياق.
التحالُفُ الإسلامي بين “ماليزيا، تركيا، باكستان، إيران” من شأنه إذَا توثق أن يخلقَ قوةً عظمى متكاملة، وهذه الدول لديها هواجس ومشاكلُ مشتركة. وتشكل أقوى وأضخم كثافة سكانية مسلمة من غير العرب، وأهمُّ خصائصها الاقتصادية بأنها تعتمد على إنتاجها ومواردها البشرية المتطورة خارج النفط، ولها قيمٌ مشتركة تتمثل في وجود صحافة حرّة وحقوق إنسان وتجارب ديمقراطية، ومختلفُ هذه الدول ساءت علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والسعوديّة وتختلفُ معها في مِـلَـفَّات عديدة من بينها العدوان على اليمن، وتجد حاجةً للتضامن فيما بينها، وقد بدأت التوجّـهَ شرقاً نحو روسيا والصين وأمريكا اللاتينية في علاقاتها الدولية.
تأتي هذه القِـمَّـة تعبيراً عن صعود دول وأقطاب إسلامية مؤثرة في واقع تراجع الدور السعوديّ، وفي إطار تنافس تكتُّلَين إسلاميين، الأول: تكتُّل تركي قطري إيراني ماليزي له نزوعٌ وطني وطموحاتٌ في دخول أسواق جديدة يريد تلبيتها في إطار التعاون والمشتركات الإسلامية الاقتصادية والروحية، يذكر أن هذا التكتُّلَ غيرُ راضٍ عن تنظيم السعوديّة للحج وإلى حَدٍّ ما من صفقة القرن).
والآخر: تكتُّل سعوديّ إماراتي لديه نزعات “استكبارية” في الهيمنة على العالم الإسلامي. فيما باكستان تحاول أن ترضي الطرفَين، ورغم أن باكستان بحاجة إلى المساعدات المالية السعوديّة إلا أنها من حَيْــثُ الاستراتيجية تجد نفسَها مع التكتُّل الأول. ومقومات هذا الحلف الجديد، تمنحُه القدرة على التأثيرِ السياسيّ، من خلال تحالفات كُـلّ دولة، ونفوذها في محيطها.
العناوينُ التي طُرحت في القِـمَّـة:
(التنمية والسيادة، التجارة والاستثمار، التكنولوجيا وإدارة الإنترنت، الثقافة والهُــوِيَّة، السلام والأمن والدفاع، العدالة والحرية، والنزاهة والحكم الرشيد) ومختلف هذه القضايا والقيم التقدم فيه وإنجازها مصلحةٌ للتكتُّل الأول، ولا يمثل أيةَ مصلحة للتكتُّل السعوديّ الإماراتي ومن خلفهم الأمريكان والصهاينة.
كما تكلم مهاتير محمد بصراحة عن معارضته لسياسة العقوبات، معتبراً أن عقوبات اليوم على إيران وقطر ستكون غداً على دول إسلامية أُخرى.
ويرتبط تحقيق التكتُّل الأول لمصالحه بتلبية مصالح للدول العربية الإسلامية الفقيرة، إذ تستجيبُ لتطلعات شعوبها الساعية للنمو والاستقلال، فهذه القِـمَّـة وهذا التكتُّل إذَا ترسخ سيعطي البلدانَ الإسلامية القدرةَ على الاختيار، فيما كان علاقتها السابقة مع التكتُّل السعوديّ الإماراتي الغربي علاقةً مالية فاسدة بينها وبين الحكومات والشخصيات الحاكمة في العالم الإسلامي.
خلفيةُ القِـمَّـة:
تم اقتراحُ عقد القِـمَّـة بعد نقاش دار بين مهاتير محمد ونظيره الباكستاني عمران خان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019م. وفي يوليو/ 2019، اقترح المؤتمر على رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمّد خلال زيارته لتركيا.
أهدافُها:
آليةُ تعاون ثلاثية جديدة؛ بهَدفِ استعادة النهضة الإسلامية، في مجالات:
التكنولوجيا.
الدفاع.
العلوم.
تحديدُها للمشاكل التي تواجِهُ العالمَ الإسلامي:
التخلف التقني.
حروب وصراعات بينية.
الإسلاموفوبيا.
اهتماماتُها وموضوعاتُها المطروحة للنقاش:
بحثُ استراتيجية جديدة للتعامل مع القضايا التي يواجهها العالَمُ الإسلامي.
معرفة الأسباب وراء مشكلات الأُمَّــة الإسلامية، وإيجادُ حلول للتغلب عليها.
“التعليم مفتاح التنمية الوطنية؟”، و”إعادة توزيع الثروة- الرخاء المشترك”، و”الأمن الغذائي”، و”التكنولوجيا المتقدمة”، و”الحفاظ على الهُــوِيَّة الوطنية”.
رؤيةُ القِـمَّـة:
تعتمدُ رؤيةُ القِـمَّـة على 7 ركائزَ أَسَاسيةٍ، وهي: التنميةُ والسيادةُ، التجارة والاستثمار، التكنولوجيا وإدارة الإنترنت، الثقافة والهُــوِيَّة، السلام والأمن والدفاع، العدالة والحرية، والنزاهة والحكم الرشيد.
مخرجاتُ القِـمَّـة:
إنشاءُ 3 مراكزَ ماليةٍ عالمية تشملُ الدوحة وإسطنبول وكوالالمبور، واعتماد عُملة رقمية موحَّدة “الدينار الذهبي”، وهذا سيمثّلُ إذَا ما تم ضربةً للدولار الأمريكي.
الحاجةُ التي دفعت إلى تبلور التحالف:
جميعُ بلدان الحلف الجديد، تتشارَكُ في قضايا تجعلُهم في حاجة إلى بعضهم البعض، ويشهدون تحوُّلاً عن الغرب، خَاصَّةً مع حِقبة ترامب العدوانية.
بعد محاولةِ انقلابِ 15 يوليو في تركيا، تأكّـدت أنقرةُ أن أمريكا وحلف الناتو لا يمثلون حليفاً صادقاً لها، وكان ذلك أحد أسباب لجوء أنقرة إلى إعادة تشكيل علاقاتها الخارجية، وفقَ المخاوف الأمنية، والديناميات الإقليمية التي تعمل فيها، والوقائع الجيوسياسيّة.
باكستان تواجهُ ضغوطاً متزايدة من الولايات المتحدة؛ بسببِ المِـلَـفِّ الأفغاني. وتعمل باكستان على تعزيز علاقاتها مع تركيا وروسيا والصين وإيران؛ في محاولة منها لمواجهة سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة في جنوب آسيا، بجانبِ أزمتها التاريخية مع الهند، التي تفضّل الولايات المتحدة دعمَها على دعم باكستان.
إيران تمضي لصناعة تأثير في الإقليم، كمتزعمة لمحور المقاومة في مواجهة الوجود الأمريكي والاحتلال الصهيوني، وتعمل على استعادة نفوذها التاريخي كإمبراطورية قوية في المنطقة لها مصالحُ استراتيجية عميقة.
قطر كادت تُمحَى من الخارطة الخليجية، وكان وزير خارجيتها محمد عَبدالرحمن، قد صرّح علانيةً العامَ الماضيَ عن الحاجة إلى تحالف إقليمي جديد. وقد اتجهت الدوحةُ إلى تعزيزِ علاقاتها مع تركيا وإيران وروسيا والصين خلال العاميين الماضيين.
الروابطُ والأهدافُ المشتركةُ التي تجمع هذه الدول:
تمتُّعُها بالقوة السياسيّة والاقتصادية، فالدولُ الخمسُ تحتلُّ مراكزَ متقدمة، ضمنَ أكبر 55 دولة على مستوى العالم ــ بحسب إحصائيات صندوق النقد الدولي عام 2018 ــ فتركيا في المركز 19، وإيران الـ30 وماليزيا 37، وباكستان 41، وقطر في المركز 55، بينما يمثل حجم الاقتصاد في الدول الخمس رقماً ليس بالهيّن في معادلة الاقتصاد العالمي.
تأثيرُ التحالف الجديد:
مقوماتُ الحلف الجديد: ثمَّةَ مقوماتٌ تمنحُ التحالف الناشئ القدرةَ على التأثير السياسيّ، من خلال تحالفات كُـلّ دولة، ونفوذها في محيطها، فباكستان قوةٌ نووية وعددُ سكانها كبير، وتركيا عضوٌ في حلف الناتو وموقعُها وعلاقتُها بالإخوان المسلمين، وماليزيا تتمتعُ بوضع إقليمي جيد في المحيط الآسيوي وقوة اقتصادي وعلمية، فكُلُّ دولةٍ بمفردها لن تشكلَ شيئاً أمام هيمنة القوى العظمى. وإيران دولة إقليمية وقوة عسكريّة وصناعية وعلمية.
الإشكالاتُ التي رافقت القِـمَّـة:
رئيسُ الوزراء الباكستاني عمران خان -الذي كان من القادة المتحمِّسين لعقد القِـمَّـة- اتَّخذ قراراً في اللحظات الأخيرة بعدم الحضور. تحت ضغوط من السعوديّة، بسحب الودائع من البنك المركَزي الباكستاني وترحيل 4 ملايين عامل باكستاني واستبدالهم ببنغلاديش. (وهذا يشيرُ إلى أمرٍ مهم وهو أن باكستان لن تكونَ وسيطاً محايداً أَو نزيهاً في وساطتها بين السعوديّة وإيران).
السعوديّة التي دُعيت إلى القِـمَّـة رفضت الحضورَ ما لم تنعقدْ تحت غطاء منظمة التعاون الإسلامي، أي ترفُضُ أَنْ يكونَ هناك نشاطٌ إسلامي خارج مركَزيتها وهيمنتها؛ باعتبارها ممثلةَ العالم الإسلامي.
إندونيسيا قرّرت إرسالَ نائب الرئيس ثم تراجعت.
السعوديّةُ أدانت انعقادَ القِـمَّـة على لسان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف عثيمين.
وزيرُ الخارجية الماليزي رفضَ الاتّهاماتِ السعوديّة بأن القِـمَّـة تقسمُ الأُمَّــة الإسلامية، وردّ بأن “هناك دولاً توافِقُ على قصف دول إسلامية وتخوضُ حروباً سرية لخدمة مصالح قوىً دولية عُظمى”.