توثيقُ ما يجري بسجون مأرب شهادةٌ للتاريخ وللأجيال على وحشية العدوان وقُبح أدواته
المختطف السابق لدى المرتزِقة، أمير الدين جحاف صاحب كتاب “رحلة خلف القضبان”:
بعد أن اتّخذ العدوانُ وأدواته من تعذيب الأسرى والمعتقلين منهجيةً راسخةً تشهد على إجرامهم ووحشيتهم، باتت تلك السجونُ التي يديرها المرتزِقةُ ويشرف عليها المحتلّون في المحافظات المحتلّة، نسخةً أُخرى من المتعقلات التي أنشأها الاحتلالُ الأمريكيُّ الصهيوني في البلدان العربية والإسلامية.
شهاداتُ محرّرين وتقاريرُ دولية ووثائقُ عدة، تحدّثت عن الممارسات الوحشية التي يتعرّض لها الأسرى والمعتقلون داخلَ سجون الاحتلال الإماراتي السعودي ومرتزِقته، في حين يروي معتقلٌ محرّرٌ كان طالباً مبتعثاً تمَّ اختطافُه من قبل المرتزِقة في مأرب، المواقفَ والأحداث التي يكابدها من يعيشون خلفَ قضبان مرتزِقة العدوان.
الدكتور أمير الدين جحاف، صاحبُ كتاب “رحلة خلف القضبان”، يتحدّث لصحيفة المسيرة عن أبرزِ المحطات التي غيّرت مسارَ حياته، واعتبرها منعطفاً ساهمت في بناءِ شخصيته وأخرجت كُـلَّ قدراته، متطرّقاً إلى أسباب ودوافع إنتاج الكتاب الذي تضمن شواهد على وحشية سجون المرتزِقة في مأرب.
وعرّج جحاف على جملةٍ من القضايا والأحداث الخَاصَّة بالتجربة التي قضاها داخلَ معتقلات العدوّ ومرتزِقته بمدينة مأرب، تستعرضها صحيفةُ المسيرة في الحوار التالي:
حاوره: نوح جلاس
– ما الذي دفعك لتدوين حياتك داخل المعتقل في كتاب “رحلة خلف القضبان”؟ ومن أين جاءت الفكرةُ؟
طبعاً بعدَ خروجي من السجنِ وأنا أحملُ في ذهني كُـلَّ المواقف التي واجهتني، بقيت خمسة أشهر ونحنُ نعاني من تأثيراتِ السجن، فكنا نجتمعُ أنا والأسرى والمعتقلون المحرّرون ونتذاكرُ مواقفَ تلك الفترة، ونسرد الأحداثَ ونتذكرها، فجاءت فكرةٌ في بالي لتدوين مذكرة أَو كتاب لتلك الفترة العصيبة.
وما قدرت أنسى تلك الفترة، فحسيت أن هناك إلهاماً من الله ساعدني ووفّر لي عوامل كتابة الأحداث داخل المعتقل، وأحاسيس دفعتني لكتابة الكتاب، فقلت: نتوكل على الله ونوثّق للتاريخ وللأجيال.
– من متى بدأت تدوين الكتاب؟ وما الآليةُ التي اتبعتها في ذلك؟
بدأت أوثق وأكتب في شهر أبريل من العام 2019 بعد خمسة أشهر من تحريري، وفي البدايةِ كنت أسجل ملفاتٍ صوتية، ومن ثم كتابتها.
استعنت بأفكاري وبذاكرتي التي سجّلت الكثيرَ ومعظم المواقف داخل السجن، وكذلك كما ذكرت شعرت بإلهامٍ جعلني أتذكر وأدون كُـلَّ ما عاصرته داخل السجن.
وأيضاً كانت هناك بعضُ المواقف التي لم أشاهد سوى أجزاء منها، لكنني استعنت بالزملاء المحرّرين الذين زوّدوني بتفاصيلَ عميقةٍ لتلك المواقف؛ كونهم كانوا موجودين حين حدوثها وشهدوا كُـلَّ لحظاتها.
– ما الغرضُ الجوهريُّ الذي قصدته من إنتاج الكتاب؟
طبعاً الغرضُ الجوهريُّ هو التوثيقُ للأجيال جيلاً بعد جيلٍ، وللتاريخ وكشف فضائح وفظائع مرتزِقة العدوان خلف قضبان السجون والمعتقلات، وَأَيْـضاً كدافعٍ لبقية الأسرى أنهم يوثقوا ويفضحوا العدوانَ ومرتزِقته.
وكذلك لتوضيح ما يرتكبه مرتزِقةُ السعودية في سجون مأرب؛ لأَنَّنا أثناء خروجنا من السجن كنا نسمعُ عن الجرائم التي تُرتكب بسجون الإمارات في عدن من انتهاكات وقتل… إلخ، فاستغربت لماذا ما أحد يتكلّم عن سجون السعودية ومرتزِقتها في مأرب رغم حدوث جرائم بداخلها يندى لها جبينُ الإنسانية!!، فكان هذا عاملاً وغرضاً آخرَ لكتابة هذا الكتاب.
– ما أهــمُّ المواضيع التي ركزت عليها في كتابك “رحلة خلف القضبان”؟
طبعاً هناك مواضيعُ كثيرة ومهمة تم إبرازُها في الكتاب، لكن هناك ثلاثة عناوين عريضة تضمنت سرداً لأحداث وحشية للغاية، وهي تحت عناوين “إطعام الجويع بالكابل” و”ليلة القلم”، و”المطالبة بالحقوق قد تسلب حياتك”.
– على أي أَسَاس كنت تكتب المواضيع التي تضمنها الكتاب؟
كنت أكتبها وفقاً لذاكرتي ووفقاً للأهوال التي عاصرتها داخلَ السجن والمواقف التي شاهدتها والتي عايشتها، وكما ذكرت لك كنت أحسُّ بإلهام جعلني أتذكر كُـلَّ شيء مررت به وشاهدته، كذلك استعنت بزملائي المحرّرين في الحصولِ على المعلومات الدقيقة حول المواضيع التي كنت أريد تسليطَ الضوء عليها بشكل كبير.
– بما أنكم كنتم معتقلين ضمن المختطفين من التجار والطلاب ولست من أسرى الجيش واللجان، حدّثنا عن تجربتك داخل السجن وهل هناك شيء ندمت عليه في خضم تلك المحطة التي لا تُنسى في حياتك؟
طبعاً أنا سجنت لمدة سنتين وشهرين، وأعتبر تلك الفترة أبرزَ محطات حياتي التي تُعتبر منعرجاً أضافَ الكثيرَ إلى شخصيتي وإلى حياتي.
والسجنُ كتجربة تعرّضت فيها للتعذيب والمعاملة الوحشية والانقطاع عن الأهل، كانت تجربةً فارقةً في حياتي أعادت بناءَ شخصيتي وصقل كل ما تحتويه، وكذلك محطة تساعد على التعرف على ما بداخلك من خفايا يجب إظهارُها للاستعانة بها في حياتك، وتنمية القدرات الشخصية وتقوية العزيمة.
والشيءُ الجوهريُّ في تلك التجربة هي أنها زادت من إيماني بقضية الشعب اليمني الحر وإيماني بالمشروع الذي حوربنا من أجله؛ لأَنَّ تلك القضبان جعلتنا نشوف آياتِ الله بكلِّ ما تحتويه من مواقف.
وَإذَا كان هناك شيء يستحقُّ الندمَ فهو فقط إكمال الدراسة، ولكنني لست نادماً؛ لأَنَّني الآن أواصل دراستي في صنعاءَ.
– ماذا تدرس؟
أنا أدرس بكالوريوس طب بشري، وواصلت من حيث توقفت في مِصر التي درست فيها ثلاث سنوات في إطار المنحة الدراسية التي حصلت عليها قبل أكثر من ستِّ سنوات، والآن أدرس سنة رابعة طب بشري بجامعة صنعاء.
– متى بدأت الدراسة في مصر؟ وكيف حصلت على منحة دراسة ومتى؟
أنا حصلت على منحة دراسية كمبتعث ضمن أوائل المحافظات، وأنا من أوائل محافظة حجة عام 2012، وحصلنا على منحٍ إلى القاهرة، وعددُنا 39 شخصاً وسافرنا عام 2013 أيامَ حكومة الوفاق.
سافرنا لدراسة طب ببشري، فخلصت سنة أولى ورجعت لليمن خلال الإجازة، وبعدها عدت إلى مصر وبقيت سنتين، ومع مفاوضات الكويت عدنا لليمن، وبعدها سافرت لإكمال الدراسة وتم أسري في مأرب، خلال العام 2016.
– كيف تقيّم مشروع المرتزقة؟ وما الذي أضافه على معارفك الشخصية؟
مشروعُ المرتزِقة مشروعٌ استعماري تدميري، وهذا المشروعُ زادنا يقيناً أننا نمتلك مشروعاً وقضيةً وهم لا يحملون أيَّ شيء، ولا يحملون أيَّ فكرٍ سامٍ، أَو نموذج يقدّمونه للأسرى؛ بغرض توعيتهم كي لا يعودوا للجبهات مرة أُخرى، كما هو حال الأسرى المتواجدين لدى سلطات المجلس السياسيّ الأعلى الذين يتم توعيتُهم بمشروع الشعب اليمني الحر ويقتنعون به ويؤمنون به؛ لأَنَّه مشروعٌ ذو نموذج سامٍ.
– ما الشعورُ الذي راودك خلال فترة السجن وما يزال يراودك بعد تحريرك؟
طبعاً من خلال كُـلِّ ما عاصرته داخلَ السجن والأحداث التي شاهدتها بعد تحريري، وجدت أن الذي بداخل السجون هم الأحرارُ والأباةُ والشامخون، أما مَنْ هم خارج السجن من السجانين والشوش وضباط التعذيب هم السجناء والمعتقلون الحقيقيون؛ لأَنَّهم عبيد حبيسة الأحقاد والضغائن الطائفية والعرقية، وهم يعيشون في أرضٍ جغرافية باعوها للخارج بثمن بخس، وَعبّدوا أنفسَهم للمحتلّ الأجنبي الذي يمعن باستمرارٍ في إذلالهم.
– هل ممكن سرد كلمات سريعة عن أساليب وأنواع التعذيب داخل سجون المرتزقة؟
هناك تعذيبٌ نفسيٌّ وتعذيبٌ جسديٌّ.
التعذيب النفسي مثل سجن معهد الصالح، يحطك في غرفة ثلاثة في أربعة متر، ويدخل فيها 25 معتقلاً وأسيراً؛ كي نعاني من متاعب الازدحام.
والحمام يسمح لك فقط مرة في اليوم، وأحياناً مرتين وأحيانا ثلاث مرات في اليومين يعني حسب مزاجهم.
وكذلك يقوم باستدراجك للتحقيق ويقول لك: ما عاد با تخرج من السجن أبداً، ويهدّدك بالتعذيب مدى الحياة.
وكذلك يُقدّموا الأكل والشرب ما يصلح حتى للحيوانات.
أما التعذيب الجسدي فهو متعدّد، فهناك الضرب بمختلف الأساليب والأدوات، وهناك حاجة اسمها تعذيب جماعي، يقوم بفتح الباب للسجناء وإدخالهم في صالة ويقيد الكُلَّ على بطنه، ويأخذ السلسلة ويضرب الجميعَ، وهذا في الأسبوع ثلاث مرات.
– كونك معروفاً لدى السجانين المرتزقة أنك طالب مبتعث ولا علاقةَ لك بالجيش واللجان، فما الحججُ التي كانوا يعذبونك بذريعتها خلال التحقيق؟
أنا كان يتم التحقيقُ معي وتعذيبي بشدة وهم يعرفون أنني طالبٌ مبتعثٌ منذُ سنوات، لكنهم كانوا يعتبرونني مجوسياً في نظرهم، وتهمتي هي اسمي أمير الدين، وجرمي الذي اعتبروه جُرماً هو لقبي “جحاف” الذي رأوه تهمةً كبيرةً؛ ولذلك جعلوني لا أقلُّ شأناً عن الأسرى من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة.
– هل اقتصر استهدافُك من قبل المرتزقة داخل السجن فقط، أم أن هناك استهدافاً طالك خارج القضبان؟
مرتزِقةُ العدوان لم يقتصروا على تعذيبي داخل السجن فقط، بل طال استهدافي في دراستي ومنحتي التي حصلت عليها بمجهودي الفردي وحقي المشروع؛ كوني من أوائل محافظة حجة.
فأنا بعد ما خرجت من السجن، قلت أحاول أرجع مصر لإكمال دراستي، فلما جيت أتواصل بالسفارة في القاهرة، وجدت أن الموضوعَ تطوّر وتم توقيفُ منحتي بأوامرَ من حكومة المرتزِقة، على الرغم من أنني طالب مبتعث قبل العدوان.
– هل هناك طلاب مبتعثون تم اختطافُهم؟
هناك طلاب وأكاديميون تم اختطافُهم، هناك الطلاب عبدالواحد الجاكي وعبدالله عاطف وفي طلاب كثير، وهؤلاء كلهم كانوا متجهين للسودان وعُمان ومصر وغيرها.
– هل ترى أن العدوانَ ومرتزقته يستهدف بسجونه شريحة معينة أم أنه يستهدف عامة أبناء الشعب؟
أود التوضيح والتأكيد أن المستهدفين بالسجن والتعذيب لدى مرتزِقة العدوان، ليسوا فقط أبناءَ الأسر الهاشمية؛ لأَنَّي وجدت أكثرَ من ثلثي السجن أناساً ليس لهم علاقة بالجيش واللجان ولا بالأسر الهاشمية، فهناك معتقلون من المرضى والتجار والطلاب، وكذلك هناك أفارقة وأجانب مسافرون والعديد من الأطفال المختطفين، فالعدوُّ يستهدف المجتمعَ كاملاً، مع انتهاجه أَيْـضاً للطائفية والعنصرية.
– هل هناك منظمات جاءت لزيارة المعتقلين والأسرى داخل السجون؟
ليس هناك أية منظمة جاءت إلى عندنا، باستثناء منظمة واحدة كانت مؤيدةً لما يقومُ به المرتزِقةُ من انتهاكات.
حيث جاء أناس ادّعوا أنهم من منظمة تهتم بالمسجونين، فكانوا فقط مكلفين بمهمة، لمعرفة من يتكلّم عن معاناة السجناء؛ كي يتم تعذيبُه بشكل أكثر وحشية وإجراماً.
وهذا ما حدث بالفعل.
كذلك عندما حدّثناهم أننا طلابٌ ومبتعثون وبيننا مسافرون ومرضى، أجاب وفدُ تلك المنظمة بعباراتٍ برّروا فيها سجننا واختلقوا ذرائعَ أكّـدت تماهيهم مع ممارسات المرتزِقة في مأرب، وهذا يعني أنها منظمات منهم فيهم.
– بعد خروجك وزملائك من المعتقل، كيف أصبحت وجهات النظر والتوجّـهات العامة لا سيما بعد مكابدة تلك الأحداث المؤلمة؟
من خلالِ الممارسات التعسفية التي يمارسها المرتزِقةُ بحقِّ المختطفين يمكن القول بأن تلك المعتقلات والسجون صارت معسكراتٍ يتخرّج منها المعتقلُ جندياً مقاتلاً ينضم إلى صفوف من يواجه مشروع العدوان ومرتزِقته، وأعمالهم الوحشية والهدامة.
فهناك الكثيرُ من المعتقلين ظلماً من التجار والطلاب أصبحوا جنوداً يواجهون العدوانَ وأدواته في مختلف جبهات القتال وفي مختلف الأصعدة وبمختلف الوسائل، وأنا واحدٌ منهم.
وكذلك نستطيع القول: إن تلك السجون أصبحت معسكرات للأحرار يتخرّجون منها ليثوروا بوجه العدوان وأدواته ومشاريعه الإجرامية، بعد أن أيقنوا بمخطّطاته وممارساته.
– قبل ختام هذا الحوار هل هناك رسالة تود توجيهها للداخل وللقيادة السياسيّة والثورية؟
رسالتي للشعب اليمني في الداخل والخارج: هي أن على الشعب أن يعيَ ويعرفَ حجمَ الخطر القادم، والذي يستدعي وقفةً شعبيّة قوية تلزم تحَرّكَ الجميع لمواجهة مشاريع العدوان ومرتزِقته الاستعمارية.
ورسالة شكر أقدّمها للقيادة ممثّلة بالسيد القائد، على الجهود التي يبذلونها في سبيلِ تحرير الأسرى والمعتقلين.
كما أطلب من القيادة السياسيّة واللجنة الوطنية لشؤون الأسرى تقديمَ المزيد من التنازلات، إضَافَـةً إلى التنازلات التي قدّموها في السابق؛ وذلك تكرماً في سبيل تحرير من يعانون الويلات خلف القضبان.
وأقول هذا الكلام والجميعُ يعرفُ حجمَ التنازلات التي قدمتها القيادة في ملف الأسرى، والتي شهد عليها العدوُّ قبل الصديق، لكنني أتكلّم بلسان من يزالون يقبعون خلف القضبان ويعانون الويلات ويتذوقون المر.
– ما الرسالةُ التي تود توجيهها لمرتزقة العدوان؟
أقول لقوى العدوان وخصوصاً المرتزِقة: أنتم العبيدُ والأذلة والصاغرون، أما نحن وكل من يقف ضدكم سواء خارج السجون أَو داخلها هم الأحرار وأصحاب القيم والمبادئ؛ لأَنَّكم حتى وإن لم تكونوا داخل السجون فَإنَّكم مرتهنون لأسيادكم وحبيسون لمشاريع الاحتلال.
كما أطلب من أهل مأرب أن يتخذوا موقفاً مما يجري في أراضيهم؛ كونها منافية لكلِّ الأعراف والمبادئ والقيم.
ورسالتي للمرتزِقة السجانين: عاملوا السجناء معاملةً إنسانيةً، وعامله كإنسان حتى وإن كنت تراه عدواً لك ولمشاريعك.
وختاماً أقول: هناك جرائمُ قتل، وَإذَا واصلوا تعذيبَ الأسرى وبيعهم، فَإنَّ التاريخَ يسجل وبخطوط عريضة والتاريخ لا يرحم والأجيال القادمة لن ترحم كُـلَّ من خان هذا الوطن وأبناءَه.
erotic job escort near me.