بوابةُ الدمــوع.. عنــوانُ الصراع القائـم والقـادم (6)
عبــدُالقـــوي السبـــاعي
تعرفنا في الحلقاتِ السابقة عن أهمِّ القوى العظمى والإقليمية التي تناوبت الصراعَ عند بوابة الدموع –باب المندب– في فتراتٍ تاريخيةٍ متعاقبة وتداعياته على المنطقة عامةً واليمن على وجه الخصوص، ووصلنا إلى نهايةِ هذا الصراع أَو نقل توقفهُ مؤقتاً مع نهاية القرن العشرين بانهيار القطب الشرقي –المعسكر الشرقي المتمثّل بالاتّحاد السوفييتي– المنافس الأخطر على طرق ومعابر مرور (الذهب الأسود) من الخليج وإيران إلى مناطق تدفُّقه في أوروبا وأمريكا، وبدأت مرحلةُ الصراع الإقليمي.
ولعل التوغلَ الإسرائيلي القديم الجديد في القارة السمراء هذه المرة استهدف أريتريا –وبالطبع تحت الغطاء الأمريكي–، تلك الدولة التي كانت تُمثّل للدول العربية ثقلاً استراتيجيًّا خاصًّا بل كان العربُ يسعون إلى ضمِّها ضمن جامعة الدول العربية، وهم من ساعدها على الانفصالِ عن إثيوبيا عام 1993م بعد ثورتها ضد حكومة أديس أبابا منذُ 1965م، والتي كانت أَيْـضاً مدعومةً من إسرائيل في الوقت الذي كانت قد احتضنت العناصر الثورية الأريتيرية التي تسلمت دفة قيادة البلاد ووجهت صفعةً جديدةً للعرب حين رفضت الدخولَ ضمن جامعتهم، بل أعلنت انفتاحاً على إسرائيل، ففي ديسمبر 1994م أقدمت الزوارقُ الحربيةُ الأريتيرية على احتلالِ جزيرة حنيش اليمنية تحت الغطاء الصهيوني والذي كان بمثابة جس النبض ليس إلا، انتهى بالتحكيم الدولي كلبنة أولية لتدويل البحر الأحمر ومن ثم مدخله الجنوبي، ليس هذا فحسب فبعدَ مرورِ أكثر من أربعين عاماً على مؤتمر تعز واستشهاد الرئيس الحمدي، أعلنت المملكةُ السعوديّة، يوم الأربعاء 12 ديسمبر العام 2018م، عن توصلها إلى اتّفاقٍ لتأسيس كيان البحر الأحمر؛ بهدَفِ تعزيز الأمن والاستثمار والتنمية في الدول المطلة على البحر الأحمر حينما اتفقت سبعُ دول عربية في المملكة، وبحضور الملك الخرف سلمان بن عَبدالعزيز، على كيان البحر الأحمر وخليج عدن، والذي يضم السعوديّة ومصر والسودان وجيبوتي والصومال والأردن، وحكومة اليمن الفندقية في الرياض، زعموا أن الكيانَ يهدفُ إلى حماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية، وأنه سيعزّزُ الأمنَ والاستثمار والتنمية لدول الحوض… إلخ.
فلا تعدو الأهدافُ المعلنة لهذا الكيان عن كونها عناوين توارب بها السعوديّةُ الأهدافَ الخفيةَ من إنشاء الكيان وتحاول فصله عن إجراءات موازية نفذتها منذُ تولي الملك سلمان عرشَ المملكة؛ بهَدفِ إتمام “مشروع الشرق الأوسط الكبير” الذي وضعه رئيسُ الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز عام 1996م، ويقتضي تدويل البحر الأحمر وفرض السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية، فالواضح هنا أن مشروعَ كيان البحر الأحمر وخليج عدن هو مشروعٌ إسرائيليٌّ، وإن لم تكن إسرائيلُ من ضمن الدول التي شاركت في إنشاء الكيان بشكل علني، فبيريز يطرح في كتابه الشرق الأوسط الجديد إنه لا بُدَّ من سلامٍ في المنقطة وتشكيل كيان في مواجهة الخطر الإيراني، مُشيراً في الصفحة 90 من هذا الكتاب إلى أن السلامَ يبدأ بإنشاء شرق أوسط جديد، وأن هذا الشرقَ لا بُدَّ أن يبدأَ بتنفيذ مشاريع مشتركة على البحر الأحمر، ويقولُ بيريز: “يمكن لنا أن نبدأ في نقطة البحر الأحمر، فقد تغيرت شطآن البحر الأحمر مع الزمن وأصبحت مصر والسودان وأريتريا تقعُ على أحد الجوانب، فيما تقع إسرائيلُ والأردنُ والسعوديّةُ على الجانب الآخر، وهذه البلدانُ تجمعها مصلحة مشتركة، ويمكن القول إنه لم يعد هناك أسباب للنزاع، فأثيوبيا من بعد نظام منجستو وأريتريا المستقلة حديثاً تريدان إقامةَ علاقات سليمة مع جاراتهما بما في ذلك إسرائيل، في حين أن مصر وقّعت بالفعل اتّفاقيةَ سلامٍ مع إسرائيل، أما الأردن والسعوديّة واليمن فتريد تأمينَ حرية الملاحة والصيد وحقوق الطيران”، يتوافق مع حديث بيريز عن الاتّحاد بين الدول العربية مع إسرائيل في مواجهة إيران حديثُ وزير الخارجية السعوديّ بشكلٍ متكرّرٍ أن السعوديّةَ حليفةٌ لإسرائيل في مواجهة إيران، أما حديثه عن مشاريع استثمارية على البحر الأحمر فقد دشّنت السعوديّةُ مشروعَ مدينة “نيوم” الاستثمارية، وهو مشروع تشارك فيه إسرائيلُ كما تؤكّـد التقاريرُ الإسرائيلية والعربية والدولية، ويهدفُ إلى إنشاء مدينة للاستثمار في المنطقة الشمالية الغربية للمملكة وهي منطقة تمتدُّ عبر ثلاثة بلدان، وتمتدُّ حدودُها إلى الأردن ومصر المجاورتين؛ ولذلك تنازلت مصر بجزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة السعوديّة، ليتمكّن بنُ سلمان من مد “نيوم” إلى سيناء المصرية والتي اشترى فيها أرضاً بمساحة ألف كيلو متر مربع، وبشراء تيران وصنافير أصبحت السعوديّةُ جزءًا من اتّفاقية كامب ديفيد، وهذا ما أشار إليه موشي يعلون -وزيرُ الدفاع الإسرائيلي الأسبق- خلال مؤتمر صحفي مع صحفيين عسكريّين، وذكرته صحيفةُ هآرتس قائلًا: “المملكةُ العربيةُ السعوديّةُ أعطت تأكيداتٍ مكتوبةً على حرية العبور في مضيق تيران، وقد تم تسليمُ وثيقة التزام المملكة العربية السعوديّة إلى “إسرائيل”، بما يتوافق مع ما تم الاتّفاقُ عليه بين مصر و”إسرائيل” في اتّفاقية السلام لعام 1979م، ووفق الاتّفاق يُعتبر مضيقا تيران وخليج العقبة ممراتٍ مائيةً دوليةً مفتوحةً للإبحار والطيران الحر”، هذا في شمال البحر الأحمر فماذا عن جنوبه؟…. يتبع.