اغتيال القائدين سليماني والمهندس.. مرحلة جديدة
علي عبادي*
لماذا لجأ الأمريكي إلى الاغتيال المباشر لقائدين لطالما تهيَّبَ المسّ بهما في الفترة الماضية؛ بسَببِ الخوف من التداعيات على مصالحه في العراق وفي المنطقة؟
هناك مجموعة معطيات قد تفيدُ في الجواب:
– وجودُ مشروع في مجلس النواب العراقي يدعو لخروج القوات الأمريكية من العراق؛ باعتبارِ أنها تجاوزت على السيادة الوطنية العراقية بشكل فجّ في محطات عدة وأصبحت قوة احتلال تمارس ما تمارس، من دون العودة للحكومة العراقية. ويُفترض مناقشة المشروع قريباً جداً. وهذا سيضع الوجود العسكريّ الأمريكي في العراق، الذي عاد من شُبّاك الحرب على “داعش” بعدَما خرج من الباب في نهاية 2011، في مرمى العراقيين.
– الإخفاق في “قلب الطاولة” في العراق على قوى المقاومة التي يمثل الحشد الشعبي العراقي عمودها الفقري، عبر حملة الفوضى والفتنة التي تُدار من قبل مجموعات تدربت في الخارج.
– تعمُّق حضور محور المقاومة في المنطقة على حساب الوجود الأمريكي. ولم تتمكّنْ واشنطن من تثمير حضورها العسكريّ المباشر في العراق، وأصبح وجودها في سوريا محل شك. كما أَنها تعاني من عدم قدرتها على فرض رؤيتها في جميع القضايا تقريباً، ومنها “صفقة القرن”. بل إن روسيا والصين اللتين أجرتا مؤخّراً مناورات بحرية مع إيران في الخليج تُعززان حضورهما في المنطقة، وسط عجز أمريكي لا سابق له.
– إخفاق الحصار الاقتصادي الأمريكي الشديد في حمل إيران على الاستسلام وطلب التفاوض، وهذا ما أغاظ ترامب الذي كان قد ترك للإيرانيين رقم هاتف للتواصل معه دون جدوى.
– وقوع ترامب تحت مقصلة المحاكمة في مجلس الشيوخ قريباً، ما يدفعه لتأجيج المواجهة مع طرف خارجي لاستنهاض الروح الوطنية الأمريكية ضد “عدو” ما. وقد يلتقي ذلك مع رأي قيادات أمريكية حزبية وعسكريّة تعتبر أن القيام بعمل عسكريّ مدروس ضد إيران ضروري لإيجاد توازن مع إيران في المنطقة، وهو ما يتلاقى مع أهداف ترامب الخَاصَّة في تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية. مع الإشارة إلى أنه في عهد أوباما كانت القيادة العسكريّة الأمريكية أكثرَ حذراً وتحفُّظاً في تشخيص أخطار المواجهة العسكريّة مع إيران.
– الدور الإسرائيلي في تحريض أمريكا على خوض مواجهة مع إيران، وهو دور لا يمكن التقليل منه، وألمحت “إسرائيل” مراراً إلى أنها ستتحَرّك بمفردها ضد إيران، مما سيورّط الولايات المتحدة بحكم تحالفها الاستراتيجي مع تل أبيب.
من الواضح أن اغتيال اللواء سليماني على أرض العراق وبهذا الشكل الفظّ يعكس مجدداً حقيقة أن الولايات المتحدة لا تعترف بوجود العراق كدولة لها حَـقُّ السيادة الوطنية على أراضيها، وبالتالي أصبحت قواتها قوات احتلال بشكل جليّ. وثمة ما يدعو للاعتقاد بأن الأمريكي أصبح في مأزق لا خروج له منه بالأدوات السياسيّة والتهديد والإجراءات الاقتصادية. كُـلّ هذه الأدوات فشلت في تحقيق الهدف، وهو لجأ إلى العمل العسكريّ المباشر والواضح لإيصال الرسالة وإخضاع قوى المقاومة.
نحن أمام مرحلة جديدة واختبار جديد، بعدما تجاوز محورُ المقاومة كُـلَّ التحديات وأصبح وجهاً لوجه أمام اللاعب الأمريكي الذي فرغ من استخدام كُـلّ الوكلاء المحليين والإقليميين.
* كاتب لبناني