المشهدُ العراقي واتخاذُ المواقف الصائبة
محمد أمين الحميري
رغم المستجداتِ على الساحةِ اليمنيةِ والتي تتطلَّبُ المواكبةَ، إلّا أني هذا الأسبوع سأقفُ عند المشهدِ العراقي، فما تعرَّضَ له القائدُ الإيرانيُّ قاسم سليماني ونائبُ رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، ومَن معهم رحمةُ الله تغشاهم، يستدعي التوقفَ والتأملَ، والإشارةَ إلى بعض النقاط المهمة، ومنها:
أولاً: الأحداثُ توحِّدُ المواقفَ في جانب الحَـقِّ والباطل، وهذا الحدثُ قد كشف بما لا يدعُ مجالاً للشك مَن يقفُ في صَـفِّ الحَـقِّ، ومن يقف في صَـفِّ الباطل، وإن وصلَ البعضُ إلى مرحلةِ الحيرة والتيه، فلم يعد بمقدورهم التمييزُ بين ذلك، فعليهم أن ينظروا في مَن يحُثُّ على القيم السامية ويدعو للتمسّك بها من حرية وعزة وكرامة وسلوك للأخلاق الحسنة في كُـلِّ المجالات ومن ثم الوقوف في صفه، وعليهم أن يناصروه إذَا اقتضى الأمرُ الدفاعَ عن تلك القيم والتضحية في سبيلِ الحِفاظِ عليها، فالعاقلُ بدافعِ فِطرتِه يعرفُ مباشرةً الخيرَ من الشر، ويقفُ في صَـفِّ الحَـقِّ سواءٌ أكان الواقفُ في صفه سُنياً أَو شيعياً، يسارياً أَو قومياً أَو… إلخ، وسيقفُ في وجهِ الباطل، ولو كان في صفه مَن ينتمي للسُّنة أَو الشيعة أَو غيرهم، فالمبادئُ والقيمُ الفضيلةُ هي المعيارُ الذي يحرِّكُه بصرفِ النظرِ عمن يدعو إليها ويتبّناها ويدافعُ عنها، وأياً كانت أخطاؤه، فهناك طرقٌ سويةٌ للتعامل معها والإسهام في معالجتها.
وعودٌ على بدء: وهذا هو ما برَزَ هُنا بشكلٍ واضحٍ في المواقفِ إزاءَ اغتيال سليماني ومن معه، فكُلُّ فصائل المقاومة للهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي السنية والشيعية -من يعززون في الأُمَّــة قيمَ العدل والحرية والعزة والكرامة والمقاومة للطغاة- نجدُهم جميعاً قد أدانوا الجريمةَ وأشادوا بمواقف سليماني تجاه القضية الفلسطينية، وعلى صعيدِ الانتصار للقضايا العادلة في عموم المنطقة أَيْـضاً، بينما في المقابل وقف البعضُ من أنظمة ورجال دين محسوبين على الحركات الإسلامية ذات التوجّـه السني للأسف الشديد في موقف المبارك والمشجّع إلى جانب المنفّذ للعملية أمريكا، وإسرائيل التي اعتبرت اغتيالَه إزاحةً لحجر عثرة كانت تقفُ أمامَ المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
ثانياً: حسب متابعتنا، فالورقةُ الطائفيةُ وبالأخص في العراق قد نجحت إلى حَـدٍّ كبيرٍ في خلط الأوراق، وأمريكا هي الداعمُ والمشجعُ للصراع السني الشيعي، فهل سيحسبُها العراقيون هذه المرة بشكل صحيح وإدراك أن مشكلتَهم هي في الأمريكي وتشكيلات داعش والقاعدة ومن تفرخ منهم ويعمل لصالح المشروع الأمريكي، وكم حلَّ في العراق من كوارثَ؛ بفعلِ جرائمهم؟!.
ثالثاً: لنا أن نتساءلَ في هذا السياق: ما هذا الانسجامُ بين الأمريكي وأدواته من صهاينة العرب، وبين بعض الإسلاميين المحسوبين على بعض التوجّـهات السنية في المنطقة، على ماذا يدلُّ تحديداً؟! ثم أليس من السذاجة والسطحية أن يظل بعضُ المخدوعين يردّدون السفسطة المعتادة (أمريكا وإيران متفقتان) متجاهلين كُـلَّ الحقائق التي تتكشف، وأن هناك مشروعَ هيمنة واستكبار ومشروع مقاومة وتصدي، وخسائر يدفعها الأخيرُ، وكلُّ ذلك في سبيل الانتصار لقضايا الأُمَّــة العادلة؟! ثم أليس من الغباء أن يذهب آخرون لدس رؤوسهم بين الأقدام، وفي أحسن الأحوال يقولون “هي فتنة” أَو “الله يضرب الظالمين بالظالمين” على أَسَاس أن أمريكا وإيران ظلمة، وأهل الحَـقِّ والعدل هم آل سعود أصحاب دولة التوحيد كما يزعمون، وأصحاب النصر الموعود هم أهل الخلافة الإسلامية في نظرهم أصحاب الرايات السوداء، والملثمين من القاعدة وداعش وغيرهم في أكثر من بلد عربي وإسلامي؟!.
ما هو المشروعُ الجامع الذي يمكن أن تلتف وراءَه الأُمَّــةُ بالضبط، نريد أن نعرف؟! وهل يلزم من قيادة إيران لمشروع إسلامي قائم بذاته أَو تكون في صدارته، هل يلزم منه أن ينضويَ تحت رايته الشيعي فقط، أم أن المجالَ متاحٌ أمام أبناء السُّنة أَيْـضاً إذَا تخلصوا من التبعية العمياء للطغاة وَالأنظمة العميلة، فالجميعُ يجمعُنا الإسلام، والأزمة في الأخير أزمة قيادة، وهذا ما تعيشه بعضُ الأنظمة العربية التي تحاول الزعامة والقيادة لغيرها وهي أنظمة عميلة وخائنة؟!.
رابعا: هناك تساؤلات كثيرة مثيرة للجدل عند تقييم المواقف اليومَ في مختلف القضايا، ومنها هذه القضية بالتحديد، والمجال لا يتسع لتناولها، وهناك تحولات نتمنّى أن تظهرَ في واقع البعض، وإدراك أن الأمرَ أكبرُ من سُنةٍ وشيعةٍ -مع تحفظنا طبعاً على هذا المصطلح فيما يتعلق بالشأن اليمني- فهناك صراعٌ بين الحَـقِّ والباطل، ولكلٍّ مجالاته ووسائله، والأمرُ يستدعي مراجعةَ الأحداث من حيث إعادة فهمها، وصولاً إلى اتخاذ المواقف الصائبة، ويكون من مخرجات ذلك كخطوة أولية العملُ على كسر الاصطفاف الطائفي بيننا كمسلمين، ودعوة إيران وكل الدول العربية والإسلامية إلى تصحيح المسار في مختلف المجالات، فالعدوُّ يستهدفنا جميعاً، وليس طرفاً دون آخرَ.