خُطَّـةُ الإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020.. خارطةُ طريق وطنيةٍ نحو التنمية
تقرير: رشيد الحداد
دشّنت اللجنةُ الاقتصاديةُ العُليا بالعاصمةِ صنعاءَ المرحلةَ الأولى من البرامج الوطنية التنفيذية لإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020، وفقاً للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة “يدٌ تبني ويدٌ تحمي”، وتهدفُ المرحلةُ الأولى من خُطَّـة الإنعاش والتعافي الاقتصادي إلى نقلِ اليمنِ من حالة الفقر والبطالة والتخلُّـف الإداري وتباطؤ التنمية والعجز المالي إلى واقع آخرَ يلبي تطلعات وآمال كُـلّ أبناء الشعب اليمني في حياةٍ يسودُها النماءُ والاستقرارُ والاكتفاء الذاتي، وتضمّنت المرحلةُ الأولى من الخُطَّة عشرة برامجَ تنمويةً هادفةً أُعدت وفق دراساتٍ علمية وتشخيص دقيق لواقعنا المعاش في ظل العدوان والحصار وقدمت حلول ميسّرة وممكنة التنفيذ في ظل الظروف الراهنة، الخُطَّـة وفق مضامين برامجها العشرة تعد بمثابة خارطة طريق نحو مستقبل تنموي واعد في بلد مليء بالثروات والإمْكَانات والقدرات.
ولأَنَّ قاطرةَ النمو لا يمكنُ أن تمضيَ نحو التنفيذ دون إيجاد إدارة قوية تمتلك من القدرات والمهارات يما يمكنها التغلب على التحديات والصعوبات وتعزيز وتفعيل دور المؤسّسات العامة فقد وضعت المرحلة الأولى من خُطَّـة التعافي الإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020، الإصلاح الإداري الشامل من أولى برامجها العشرة؛ إيماناً منها بأن التغيير الإداري نحو الأفضل أصبح أمراً حتمياً؛ كون مشكلة اليمن على مدى العقود الماضية وفقَ تشخيص خبراء الاقتصاد وعلماء الإدارة لم تكن نتيجة انعدام للمواد أَو الفرص للاقتصادية والاستثمارية وإنما نتيجة غياب إدارة قادرة على إدارة الاقتصاد إدارة فاعلة، وعليه فإنَّ الإصلاح الإداري يعد أولى خطوات الإنعاش والتعافي الاقتصادي؛ ولذلك اعتبرت الخُطَّـة تهيئةَ بيئة الإصلاح الإداري الشامل ضرورة؛ من أجلِ توحيدِ وتصحيح قاعدة البيانات الوظيفية وإنهاء حالات الازدواج الوظيفي وتوحيد نوافد التوظيف المتعددة وحصرها في نافذة واحدة لإيجاد قاعدة بيانات صحيحة ودقيقة وشاملة لموظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري، بما يحقّق العدالة والرضا الوظيفي وإنهاء المحسوبيات والتمييز، يضافُ إلى تركيز البرنامج الأول من خُطَّـة الإنعاش والتعافي الاقتصادي على تحديث البُنية التنظيمية لمؤسّسات الدولة وتوصيف مهامها؛ بهدفٍ إزالةِ التضخم الوظيفي من جانب وكذلك التداخل في المهام والصلاحيات بين المؤسّسات للمختلفة، بما يسهمُ في زيادة فاعلية وأداء المؤسّسات، يضاف إلى أن البرنامج الأول من الخُطَّـة الهادف إلى تجاوز الركود والرتابة التي تعاني منها المؤسّساتُ العامة للدولة وتفعيلها وِفْقاً لخُطَّـة إصلاح إداري مدروسة يسعى إلى تدريب وتأهيل الكادر الوظيفي للمؤسّسات، بما يسهم في ارتفاع معدلات أداء العاملين في تلك المؤسّسات وربط الأداء بالحوافز المعنوية والمادية والمساءلة، وكذلك تطوير وتوحيد نظم الموارد البشرية لتحسين وضع الموظف المنضبط والمبدع.
تعزيزُ كفاءة المالية العامة:
ونظراً لترابُط البرامج التنموية التي وضعتها خُطَّـة الإنعاش والتعافي الاقتصادي، فقد جاء برنامجُ تعزيز كفاءة المالية العامة كثاني برنامج من حَيْثُ الأهميّةِ؛ لارتباطه بمكافحة مظاهر الفساد بأنواعه وأساليبه المختلفة وكافة أشكال الابتزاز التي يتعرض المواطنون اليمنيون -أفراداً أَو جماعاتٍ-، يضافُ إلى أن البرنامجَ يسعى لتطوير أساليب تحصيل الإيرادات العامة للدولة بما يخفض من كلفة تحصيل الإيرادات وينهي التحصيل البدائي الذي أثبت عدمَ كفاءته منذ سنوات وأدى إلى ضياع نسب كبيرة من تلك الإيرادات؛ ولذلك فتطوير أساليب التحصيل سيودي إلى زيادة الإيرادات العامة للدولة دون أعباء إضافية على المواطن ومن خلال تطوير أساليب التحصيل سيتم إنهاء أية جبايات غير قانونية ومخالفة للقانون، ويسعى البرنامجُ إلى تطويرِ سياسات وأدوات إعداد الموازنات، عوضاً عن الآليات التقليدية والتقديرية التي تستخدم التكهنات في التقدير وتضع موازنات تقديرية عن طريق التخمين وليست موازنات مدروسة.
ويسعى برنامجُ تعزيزِ كفاءةِ المالية العامة إلى الرقابة على الحسابات المصرفية الجارية لوحدات الخدمة العامة والمختلطة وتطوير آليات الرقابة على تنفيذ الموازنة العامة للدولة والوحدات الاقتصادية لتعزيز مبدأ الشفافية لإيرادات ونفقات الدولة وإحكام عملية الرقابة على تنفيذ الموازنة العامة وضمان تخطيط النفقات حسب الأوليات بعيداً عن الهدر والتلاعب، ولحمايةِ المواطن والوطن من التهريب يهدف البرنامجُ إلى رفع مستوى أداء وحدة مكافحة التهريب وتطوير أدواتها.
تطويرُ أدوات العمل المصرفي:
واعتبر برنامجُ الإنعاش والتعافي الاقتصادي تفعيلَ أداء القطاع المصرفي وزيادةَ مساهمة هذا القطاع في التنمية ضرورةً في الوقت الحالي، لا سيما الدور المأمول على هذا القطاع في توفير تمويل مستدام للمشاريع الصغيرة والأصغر، ووفقاً لتشخيص واقع العمل المصرفي في البلاد فإنَّ خُطَّـةَ الإنعاش والتعافي تسعى إلى إعدادِ استراتيجية وطنية للتمويل الإسلامي وتهدفُ إلى زيادة عدد برامج التمويل الإسلامي وفق آليات حديثة وموضوعية وبعيداً عن السياسيات القائمة التي تحول دون انتفاع الكثير من الشرائح من هذه التمويلات نتيجة للشروط التعكيزية التي تطرحُها البنوكُ والمصارف والتي حالت دون أن يكونَ لها إسهام فاعل في تمويل الكثير من المشاريع الصغيرة والأصغر، ويسعى البرنامجُ الثالثُ من خُطَّـة الإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020 إلى ضبط إدارة ميزان المدفوعات وتنظيم سعر الصرف للحفاظ على الكتلة النقدية من النقد الأجنبي من الاستنزاف، والحِفاظ القيمة الشرائية للعُملة الوطنية، وتدعيم الصادرات واستدامتها.
تأهيلُ وتدريبُ القوى العاملة:
ركّزت الخُطَّـةُ على الثروة البشرية الوطنية التي تعد أهمّ وأغلى ثروة خُصُوصاً أن اليمن مجتمع فتي وقرابة الـ 70% من السكان في سن الإنتاج؛ ولذلك أقرت الخُطَّـة إعادة تأهيل تجهيزات المعاهد والكليات الفنية والمهنية القائمة؛ لكي تتواءم مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل، كما تسعى إلى إعداد استراتيجية وطنية للتعليم الفني والتدريب المهني لتوفير بيئة تعليم مهني مشجعة وتطوير المناهج وبناء كادر علمي قادر على التدريب بأساليب عصرية لضمان مخرجات تخدم مسار التنمية، يضافُ إلى الخُطَّـة تهدف إلى دعم وتحفيز الكليات المهنية التابعة للقطاع الخاص.
الاستثمار:
باعتبارِ قطاعِ الاستثمار من أهمّ القطاعات في اليمن التي يأملُ فيها الدفع بعملية البناء والتنمية وتحقيق النهوض الاقتصادي، تهدفُ الخُطَّـة في هذا الجانب إلى تعزيز فرص الاستثمار في مختلف القطاعات ووضع أوليات خَاصَّة في كُـلّ قطاع في ظِل الأوضاع الحالية والعمل على تهيئة بيئة الاستثمار ودعم المشاريع القائمة وإنشاء مشاريع جديدة وَالشراكة مع القطاع الخاص، وتوقعت الخُطَّـة أن تثمرَ تلك الإجراءات في إعادة تشغيل رأس المال الوطني المتعثر وزيادة نسبة الناتج المحلي والذي بدوره سيودي إلى خفض فاتورة الاستيراد وستوفر الاستثمارات فرص عمل للعاطلين وستحد من معدلات الفقر والبطالة، وفي هذا الجانب شكلت اللجنة الاقتصادية أواخر العام الماضي لجنة التنسيق بين القطاعين العام والخاص ساهمت في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص والعمل على مواجهة التحديات وعملت بالشراكة مع الغرف الصناعية والتجارية على تذليل المعوقات التي يواجهها القطاعُ الخاص في نطاقِ حكومة الإنقاذ الوطني، وتسعى الخُطَّـة إلى إنشاء مجلس تنسيق أعلى بين القطاعين العام والخاص لخلق علاقة تعاون وإيجاد شراكة فاعلة بين القطاعَين تساهمُ في تحقيق الشاملة.
المشاريعُ الصغيرة والأصغر:
تسعى الخُطَّـةُ إلى إنشاء الهيئة الوطنية لتنمية ودعم المنشئات المتوسطة والصغيرة والأصفر، وإنشاء مؤسّسة ضمان القروض، وإطلاق استراتيجية وطنية لتنمية ودعم المنشئات المتوسطة والصغيرة والأصغر وإعادة تفعيل صندوق الفرص الاقتصادية؛ للحد من الفقر والبطالة وإيجاد فرص عمل للأسر العاطلة عن العمل وإشراك المرأة في التنمية، وتحويل شرائح واسعة من المجتمع من عاطلة إلى منتجة ومن استهلاكية إلى مساهمة من رفع معدلات الإنتاج الوطني ومن معدمة إلى ميسورة من خلال اكساب تلك الأسر مهارات عملية وتمويل مشاريعها الصغيرة ومساعدتها في تسويق منتجاتها في السوق المحلي، ويعد اهتمامُ الدولة بالمشاريع الصغيرة والأصغر في مراحلها المختلفة ابتداءً من التدريب والتأهيل ودراسة جدوى تلك المشاريع وتمويلها مالياً والإسهام في تسويق منتجاتها، خطوةً مهمةً جِـدًّا في طريق النمو الاقتصادي المستدام في اليمن.
تعزيزُ معدلاتُ الأمن الغذائي.
تعزيزُ نمو معدلات الأمن الغذائي والدوائي يعد أحد أهمّ برامج خُطَّـة الإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020، فالخُطَّـة تسعى إلى تقليص الفجوة التي تعاني منها اليمن في الأمن الغذائي وتتجه نحو رفع معدلات الإنتاج الزراعي والحيواني وزيادة كمية ونوعية وجودة الإنتاج الدوائي وزيادة الإنتاج والتسويق السمكي، وتهدف الخُطَّـة إلى إعادة إحياء زراعة القطن والتشغيل الكامل لمصانع الغزل والنسيج، وتعزيز إنتاجية الدواجن ومدخلاتها، وزيادة كمية ومساحة إنتاج القمح والحبوب، وزيادة الإنتاج الحيواني، وزيادة إنتاج وتسويق الأسماك والاحياء البحرية وتخفير واردات الطاقة المتجددة والبديلة والاستثمار فيها وتشجيع الصناعات الدوائية التي ترتبط بالأمن الصحي والدوائي وتعد أحد عوامل الأمن القومي الوطني لأيِّ بلد، وعبر الاستراتيجية الوطنية لتشجيع وتطوير الصناعة الدوائية المحلية وتهدف الخُطَّـة إلى رفع معدل الإنتاج المحلي من الدواء 10,63% حالياً إلى 50%، في ظل تعدد الفرص الكفيلة بالدفع بهذا القطاع إلى مرحلة النمو المتسارع.
تنظيمُ الموارد المحلية:
وِفْقاً لقانون السلطة المحلية رقم 4 لسنه 2000م، استحوذت السلطات المحلية على معظم الإيرادات الهامة ورغم ذلك كان ولا يزال إداؤها الخدمي ضعيفاً ولا يرقى إلى مستوى الموارد التي تذهب للسلطة المحلية، يضاف إلى أن أداءها متباينٌ ما بين الضعيف والأضعف من محافظة إلى أُخرى؛ لذلك تسعى الخُطَّـة إلى إعادة تفعيل الخدمات العامة المتعثرة وإحياء الأنشطة الإنتاجية وتطوير وتسهيل إجراءات الحصول على الخدمات العامة، وتهدف إلى الحد من مظاهر الابتزاز والفساد وضمان تحصيل وضبط الموارد المحلية وضمان توجيه تلك الموارد نحو الاحتياجات المجتمعية والخدمية وزيادة عدد الإيادي العاملة واشراك المجتمع في التخطيط والرقابة ورفع مستوى التنمية الريفية للفرد والأسرة.
توفيرُ الاحتياجات من السلع:
تهدفُ الخُطَّـة إلى تطوير آليات توفيرِ احتياجات السوق المحلي من السلع الأَسَاسية وتعمل على إدارة وتنظيم الواردات من تلك السلع وفق الاحتياجات؛ لأَنَّ اليمنَ لا تزالُ حتى اليوم تعتمد سياسة الباب المفتوح، وهو ما يزيد من استنزاف العُملة الصعبة من البلد وإهدار مئات الملايين من الدولارات في استيراد سلع ومنتجات ليست ضرورية وكذلك سلع ومنتجعات يوجد لها بديلٌ محلي، يضاف إلى أن البرنامج الهادفَ إلى تطوير آليات توفير احتياجات السوق يسعى أَيْـضاً إلى توفير استقرار تمويني مستدام في السوق المحلي والحد من أية اختناقات تموينية ويعزز من رقابة السلطات على السوق المحلي على تلك الواردات والتأكّـد من صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، وضبط الأسعار في السوق والقضاء على كافة أساليب الاستغلال والمغالاة والاحتكار في السوق، بما يعزز ثقة المواطن بالدولة.
أصولُ وأملاكُ الدولة:
تهدفُ المرحلةُ الأولى من خُطَّـة الإنعاش والتعافي الاقتصادي التي أعلنت مؤخراً في العاصمة صنعاء تنفيذاً للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، إلى إدارةِ وحماية أصول وأملاك الدولة، وتسعى إلى إيقافِ ومنعِ العبث بأراضي الدولة وتوثيق وحَصْر أراضي الدولة وحماية أصول الدولة الثابتة من الهدر وسُوء الاستخدام وضمان الاستغلال الأمثل لأصول الدولة؛ ولتحقيق تلك النتائج تسعى الخُطَّـةُ إلى إعادة تنظيم إدارة أراضي الدولة وحصر وتوثيق أصول الدولة الثابتة غير الأراضي.
وتتوقع خُطَّـةُ الإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020 في مرحلتها الأولى رفعَ معدل الناتج المحلي، وخفضَ معدل التضخم، وخفضَ فاتورة الاستيراد وزيادة نسبة الصادرات من المنتجات المحلية، وزيادة نسبة فاتورة رأس المال الوطني الاستثماري، ورفع معدل الاكتفاء الذاتي، ورفع مستوى دخل الفرد، وزيادة نسبة النمو الاقتصادي، وخفضَ معدلات الفقر والبطالة وتحسين مؤشرات الشفافية، وتقليص مظاهر الرشوة والفساد والابتزاز، وزيادة عدد نطاق المشاريع الصغيرة والأصغر، وزيادة مستوى كفاءة أداء مؤسّسات الدولة.
تلك النتائجُ المتوقعةُ سوف تكونُ بدايةً لانطلاقٍ اقتصاديٍّ قوي نحو تحقيق التنمية الشاملة.