العراق وإيران في مهمة واحدة: إخراجُ القوات الأمريكية وإسقاط ترامب
طالب الحسني
التمنُّعُ الأمريكي ورفضُ الانسحاب من العراق لن يصمُدَ طويلاً، فالوقتُ لا يلعبُ لصالح ترامب وبمبيو واسبر ”الصقور المتبقين في إدَارَة البيت الأبيض الحالية”، وَما يبدو واقعياً أن رئيسة مجلس النواب في الولايات المتحدة نانسي بيلوسي التي تقود حملة كبيرة ومنظمة ضد ترامب في ملفات كثيرة، واحدٌ منها أخطاؤه في الشرق الأوسط وخُصُـوصاً التصعيد الأخير ضد إيران، وحمّلت غالبية المجلس للتصويت على الحد من صلاحياته فيما يتعلق بالحرب على إيران وهي من الإجراءات التي لم تحدث كَثيراً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، تسير في الاتّجاه الصحيح من مشروعها الذي يهدف إلى عزل ترامب أَو إسقاطه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وجودُ المحطة الأمريكية الشهيرة CNN في قاعدة عين الأسد التي تعرضت للرد الإيراني ونقلها شهاداتٍ عن الرعب الذي عاشه الجنودُ الأمريكيون خلال القصف الإيراني للقاعدة يشكل صدمةً في الشارع الأمريكي، إنها تضربُ في صميم ما يخشاه ترامب وما يحاولُ التغطيةَ عليه، ومن يتابع التقاريرَ التي عرضتها المحطةُ بعد أن أرسلت مراسلةً وفريقاً للتصوير ونقل انطباعات الجنود الذين عاشوا أوقاتاً حرجةً، سيشعر إلى أي مدى سيحدُثُ ذلك على غالبية الشعب الذين ليسوا سعداء ولن يكونوا بوجود أبنائهم في العراق وأمام خطر الموت، الاستماع لشهادة الجنود التي انتشرت بشكل كبير في الإعلام الأمريكي والدولي يكفي للخروج بخلاصة أن CNN تشكل رأياً أمريكياً عاماً ضد ترامب ومع انسحاب القوات الأمريكية سَريعاً من العراق وقبل فوات الأوان.
إنَّ ذلك يؤيدُ الانطباعَ الأول لغالبية الديمقراطيين وبعض الجمهوريين وفور اغتيال اللواء الإيراني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني والقائد العسكريّ العراقي البارز أبو مهدي المهندس، أن أمريكا خسرت العراق للأبد، إنه إدراكٌ حقيقي ودقيق لتداعيات قرار ترامب غير المدروس والمتهور، حتى الآن لا تزالُ البدايةُ لحكايات الجنود الأمريكيين الذين يقضون جُلَّ وقتهم في المخابئ، فالعراق لم تعد مكاناً آمناً لهم، هذا ما قالته أَيْـضاً بيلوسي تعليقاً على تصعيد ترامب والرد الإيراني المقابل.
ما يحصل وربما يتصاعدُ في الشارع الأمريكي يشكل ضغطاً داخلياً قوياً على ترامب ويصوّب نحو ما تريده إيران والعراق والمنطقة، خروج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط الغربي، لقد نقلت إيران بالتالي ورقةً مهمةً للعُمق الأمريكي وحَيثُ يخشى ترامب وفي وقت دقيق بالنسبة لحملته الانتخابية، ذعر الجنود الأمريكيين وتناقله في أَهَـمّ المحطات الأمريكية حقّق النتيجةَ نفسَها وربما أضعافها فيما لو قُتلوا خلال استهداف قاعدة عين الأسد.
الورقةُ الثانية التي تحتاجُها إيرانُ تتعلقُ بدفع العراق لتنفيذ أقصى درجات الضغط على الإدَارَة الأمريكية لسحب تواجدها في البلاد، وهذا ما يحدُثُ على ثلاثة مستويات تسير بالتوازي، فعلى المستوى الرسمي هناك طلبٌ عراقيّ رسميّ صوّتت عليه غالبيةٌ كبيرةٌ في مجلس النواب وتتمسك به حكومة عادل عَبدالمهدي يقضي بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، ولا يبدو أن هناك تراجعاً في هذا المِلف حتى مع التهديداتِ الأمريكية بفرض عقوباتٍ اقتصادية على العراق أَو تجميد 32 مليار دولار في البنوك الأمريكية وربما مصادرتها.
وهذا الإصرارُ الذي يقودُه عَبدالمهدي يستندُ إلى أمرين، الأول أنها فرصةٌ لن تتكرّرَ للتخلص من الضغوط الأمريكية القائمة منذ غزو العراق 2003 وقائمة طويلة من التدخلات في الشأن الداخلي، بما في ذلك شكل الحكومة وقراراتها، والثاني أن العراقَ يريدُ أن يفتحَ علاقاتٍ اقتصاديةٍ واستثماريةٍ مع الصين، وكان قد بدأها عادل عَبدالمهدي بالتوقيع على اتّفاقيات مهمة بين بغداد وبكين لأول مرة منذ عقود طويلة، ومن المؤكّـد أن هذه الخطوةَ هي أحد أسباب السخط الأمريكي على عادل عَبدالمهدي، فدفعت نحو إسقاطه عبر التظاهرات التي شهدتها العراق خلال الشهرين الماضيين وخلقت أزمةً كبيرةً ولا تزال دفعته للاستقالة وهو الآن يرُدُّ الصاعَ صاعين ويمسك بورقة مهمة في يده.
المستوى الثاني من الضغط العراقي على الولايات المتحدة الأمريكية، استخدامُ الشارع ودعوة السيد مقتدى الصدر وكتائب حزب الله وقادة الحشد الشعبي ومعظم الفصائل العراقية إلى تظاهرات مليونية للمطالبة بخروج القوات الأجنبية من البلاد، يضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام طريق مسدود، ويوقف ما تحاولُ استخدامَه إدَارَةُ ترامب للَيِّ ذراع القوى السياسيّة الحاكمة، خَاصَّةً أن من يؤيدون بقاءَ القوات الأجنبية في العراق، بما في ذلك الأكراد لا يشكلون رقماً كبيراً، بالإضافةِ أن المطالبةَ ببقاء القوات الأجنبية في البلاد أمرٌ محرجٌ، فالسوادُ الأعظم من العراقيين لا يمكن أن يفضّلوا بقاءَ قوات عسكريّة أجنبية في بلادهم.
المستوى الثالث من أوراق الضغط العراقية الإيرانية أَيْـضاً -وهو الأخطرُ- التهديد العسكريّ واستخدام القوة عبر الدعوة للجهاد والتعبئة ضد الوجود الأمريكي مع وجود قدرة عسكريّة وسلاح وتمويل وكل ما تحتاجه هذه الجبهة من عتادٍ ومن مشاعر النقمة والكراهية للوجود الأمريكي، والعراقيون ومنذ وقت مبكر لوّحوا بالصورة التي ستكونُ عليه القواتُ الأجنبية عندما هدّدوا واشنطن بنموذج فيتنام.
نستطيعُ أن نقولَ: إن الوجودَ الأمريكي في العراق مسألة وقت، وما سيحدُثُ هنا ربما يتكرّر في مناطقَ أُخرى ويشكل بدايةَ النهاية للنفوذ الأمريكي العسكريّ في المنطقة، فهل يفضّل ترامب الخياراتِ الأولى وينسحبُ وخَاصَّةً أن الدول المشاركةَ في التحالف الذي تقودُه الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت أنها غيرُ متمسكة بالبقاء في العراق؟
ترامب سينسحبُ للمخاوف والأسبابِ المذكورة وحفاظاً على ماء الوجه، وثانياً؛ لأَنَّه من الذين كانوا يعارضون بقاء القوات الأمريكية في العراق وحديثه المتكرّر أنه على استعداد للانسحاب ولكنه يريد تعويضات مالية مقابلة هي خطوة أولى في مرحلة أمريكا خارج العراق، ولكن إن حصل هذا قبل الانتخابات الأمريكية فسيكون وضعُ ترامب صعباً وربما يسقُط.