انسيابيةُ الكذب من أعلى منبر أممي!
د. أحمد الصعدي
يحبُّ المبعوثُ الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث كلمةَ ((انسيابية))، ولعلَّه وجد فيها قدرةً سِحريةً تُعينُه وهو يجتهد في تضليل الرأي العام العالمي بحَجْبِ قساوة وفاشية الحصار المفروض على اليمن من قبل العدوان الذي تشارك فيه بلاده، المملكة المتحدة أَو بريطانيا العظمى التي فقدت عظمتَها الاستعماريةَ ولم تفقد الحنينَ إلى المستعمرات، كما لم تغير ذهنيتها وسلوكَها الاستعماريين.
يستغل مارتن غريفيث إحاطاته التي يقدِّمُها بشكل دوري إلى مجلس الأمن؛ لتحقيق غايتين قبيحتين بوسائلَ لا تقلُّ عنهما قبحاً.
الغاية الأولى: محاولةُ تجميل وجه العدوان القبيح، وإخفاء أَو التهُـــوِيَّنُ من جرائمه المتمثلة في قتل اليمنيين وتدمير بلادهم وحصارهم ومنع حصولهم على الغذاء والدواء والوقود، وحبسهم في مدنهم وقراهم، وحرمانهم من حقهم الطبيعي في السفر للعلاج أَو للدراسة أَو لمتابعة أعمالهم الخَاصَّة المشروعة.
الغاية الثانية: خَاصَّةٌ بالمبعوث نفسه وهي ضمانُ استمراره في أداء هذه المهمة السياحية المربِحة لأطول فترة ممكنة، وهو يعرفُ أن هذا مرهونٌ بفعل وقول ما يطلب منه من أرباب عمله، أي من دول العدوان وحكومته في مقدمتها.
كانت المناضلةُ اليمنية الرائعة، أُمُّ كلثوم باعلوي، قد خالفت كُـلَّ التوقعات التي تكوَّنت لدى البعض، بمَن فيه مقاومون للعدوان والتي انعشت لديهم آمالاً بدور جديد فعّال للأمم المتحدة دل عليه تغييرُ إسماعيل ولد الشيخ بغريفيث، ونبّهت في مقابلة مع صحيفة صنعائية إلى أن المبعوثَ الجديدَ وُلِدَ في مستعمرة عدن، وهو ابن المستعمرين الوفي لتاريخهم وإرثهم، والأهم في الأمر أن الحكومةَ البريطانيةَ هي التي اختارته لأداء المهمة التي تحدّدها هي.
وفعلاً كانت أم كلثوم باعلوي محقة تَمَاماً في عدم الشعور بذرة من التفاؤل عندما عُيِّنَ غريفيث مبعوثاً جديداً إلى اليمن، فتغييرُ ولد الشيخ بغريفيث لم يكن إلا تغييرَ رجل خشبي يكذِبُ بلا ((مهنية)) في الكذب برجلٍ يشبهُ التمساحَ بحركته وفي أكاذيبه، رجل ينسابُ الكذبَ من فِيه بغزارة من أعلى منبر أممي. فهو يُصِرُّ على أن الهدوءَ يسودُ اليمنَ، وأن السفن تدخل ميناء الحديدة بانسيابية مريحة، ويخفي كَون الجبهات كلها مشتعلةً؛ بسَبَبِ زحوفات قوى العدوان وأن السفن ما تزال محجوزةً حتى يفك أَسْـرَها المقاتلُ اليمني، فهو من سيستعيدُ الحَـقّ اليمني المسلوبَ ويمكّن السفنَ من الوصول إلى موانئ الحديدة بانسيابية حقيقية.
نُذَكِّرُ المبعوثَ الأممي مارتن غريفيث -ابن الثقافة البريطانية- بما قاله فيلسوف إنجليزي شهيرٌ هو فرنسيس بيكون (1561-1626) عن الكذب، وذلك عندما كرّر قولاً للفيلسوف الفرنسي ميشيل مونتاني (1533-1592) جاء فيه: إنَّ مَن يكذب على الناس يثبت بكذبه أنه يخافُ الناسَ أكثرَ مما يخافُ اللهَ. ونحنُ لا نعتقدُ أن المبعوثَ التمساحَ يخافُ الناسَ عندما يكذِبُ بجِدٍّ واجتهادٍ، بل يؤدي مهمةً أُسندت إليه ويحفَظُ وظيفةً تُدِرُّ مالاً كَثيراً في الوقتِ نفسِه.