ترامب من جديد.. وفلسطين هي الضحية
ناصر ناصر
على الرغمِ من تأخر نشر ما يُسمّى بخطة السلام أو إعلان ترامب المتوقع خلال ساعات، يبرز سؤال التداعيات والآثار والتوقيت لهذا الإعلان؟ وذلك بعد أن أصبح واضحا أن مضمونَ ومعنى خطة ترامب في الشرق الأوسط هو الاعتراف بالواقع الظالم، فما تم احتلالُه بالقوة الغاشمة سيتم إضفاء شرعية الكابوي الأمريكي من قبل ترامب عليه، تماما كما فعل العالمُ أجمع عندما أضفى الشرعيةَ على ما سرقه الصهاينة من أراضي فلسطين في يافا وحيفا واللد وصفد وعسقلان، واضطر نفر من الفلسطينيين للاعتراف به على أمل أن يعترفوا لهم بدولة على ما حطمه ترامب الآن.
إن كان مضمون الخطة يخدم كل “إسرائيل” الاستيطانية المحتلّة، فإن توقيتَ الخطة يخدم وبدون أدنى شك نتنياهو شخصياً، وسيشكل له حبل نجاة متين، وهو الغارق في الملاحقات القضائية والسياسية والإعلامية حول ما تورط به من قضايا رشوة وغش وفساد، وسيخلط أوراقَ اللعبة السياسية الداخلية عشية انتخابات الكنيست في إسرائيل.
أرسل ترامب دعوةً لنتنياهو ولغانتس لزيارة واشنطن، يومَ الثلاثاء، وهو اليوم الذي ستجتمع فيه الكنيست لمناقشة الحصانة لنتنياهو، فإن قبل رئيسُ المعارضة غانتس الدعوةَ لواشنطن فهو في ورطة، وإن رفض فهو في ورطةٍ من نوع آخرَ.
إن وافق غانتس وسافر برفقة أو تحت عباءة نتنياهو فسيتعرّض لانتقادات حادة داخل حزبه، وفي أوساط مؤيديه الرافضين لمجرد ذكر اسم “بيبي”، فكيف بالسفر في ذمته وتحت رعايته وبعد أن انتشر في الرأي العام أنه هو من طلب من ترامب دعوته، سيؤثر هذا سلباً على المعركة الداخلية المبنية على الاصطفاف ضد “بيبي”، وستتحوّل أجندة الانتخابات في إسرائيل ولأول مرة إلى أجندة سياسية أمنية لمصلحة نتنياهو واليمين، مما يعني تراجعَ الاشتغال العام بقضايا فساد نتنياهو.
وإن رفض غانتس السفرَ برفقة نتنياهو، فسوف يتهم برفض دعوة الرئيس الأمريكي وقلة الخبرة في الشأن الدولي، وتعريض العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لحرج ومشكلة، كما سيتهم أنه “يساري” يريد تضييعَ فرصة الفوز بالشرعية الأمريكية لمصالح “إسرائيل الاحتلالية” في الضفة الغربية.
ماذا ستفعل السلطة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيسُ أبو مازن، وهي الممثل “الوحيد للشعب الفلسطيني”، من المؤكد أنها سترفع من وتيرة استنكارها وإدانتها وتحركاتها الدولية التي لم تثبت نفسها يوما ولم تُعِد أي حق لأصحابه، وستهدد بوقف التنسيق الأمني وإلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وقد تقوم بفرض مزيد من العقوبات على قطاع غزة، واعتقال المزيد من المعارضين في الضفة الغربية، وهكذا حتى تعلن إسرائيل ضمَّ المقاطعة في رام الله.
تتحمل القوى الحية في الشعب الفلسطيني من كافة ألوان الطيف السياسي، وعلى رأسها المقاومةُ في قطاع غزة، مسؤوليةً كبرى تجاه ما يجري من تطورات، فمن واجبها أن تستمرَّ في بذل كل ما تستطيع لمقاومة وإفشال ما يجري من مخططات أمريكية غاشمة، على الرغم مما سيتسبب لها ذلك المزيد من المعاناة، فطريقُ المقاومة صعب وشاق ومرير، لكنه يوصل للأهداف في نهاية المطاف.