ما الذي تريده السعودية من المهرة؟!

 

محمد أحمد الشيخ

تحوّلت محافظةُ المهرة الواقعة في أقصى شرق الوطن، هذه المحافظة الهادئة والمستقرة التي كانت على الدوام بعيدة عن جميع الصراعات التي عصفت باليمن منذ عقود، إلى محطة تسابق إقليمية على النفوذ فيها، في ظلِّ سعي سعودي للإمساك بزمام الأمور، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً وأمنيًا.

وتحولت حالةُ الهدوء والاستقرار في المهرة إلى أزمة محتدمة؛ بسبَبِ دخول السعودية بكل ثقلها إلى المحافظة، فبدأت أولى محاولاتها بشراء ولاءات بعض الشخصيات الاجتماعية وبعض شيوخ القبائل، ثم ما لبثت أن بدأت بالاحتلال العسكري المباشر والسيطرة على المرافق الحيوية في المحافظة.

ففي نوفمبر 2017 أرسلت السعوديةُ قوةً لاستلام مطار وميناء الغيضة، ثم بدأت ببناء عدد من المواقع العسكرية التي بلغت 33 معسكرا وقاعدة ونقطة تفتيش موزعة على ساحل المهرة الذي يعتبر أطولَ خط ساحلي في اليمن، بمساحة تقدر بـ 560 كم، وكذلك على المنافذ الحدودية مع سلطنة عُمان “صرفيت وشحن”.

ولم يكتفِ السعوديون، بالاحتلال العسكري المباشر وشراء ذمم بعض الوجاهات وحسب، بل إنهم -وكالعادة- بدأوا بالتسلل الأيديولوجي الوهابي، وذلك بالتواطؤ مع المحافظ الموالي لهم “راجح باكريت”، في محاولةٍ للعبث بالنسيج الاجتماعي المهري من خلال استقدام مجموعات سلفية متشددة لفرض خطاب ديني يخدم السياساتِ السعودية الهادفة إلى تقويض السلم الاجتماعي وإشاعة نهج تكفيري ضد أي مظاهر مدنية أو مطالب سياسية أو اجتماعية، وبالأخص الاحتجاجات السلمية الرافضة للاحتلال السعودي والمطالبة برحيله من المهرة.

ولذلك فقد أنشأت السعوديةُ في نوفمبر 2018 بمدينة “قشن”، مركزا سلفيا كبيرا، ودعمته تحت غطاء الأنشطة الإنسانية، واستقدمت أعدادا كبيرة من السلفيين من داخل اليمن ومن خارجه إليه؛ باعتبارهم نازحين، وتشكيل مجتمع دخيل على المهرة، على غرار ما كان يُعرف بدار الحديث في دماج وكتاف بصعدة.

وهنا نطرح سؤالًا كبيرًا، لماذا تحاول السعوديةُ إحكامَ قبضتها على المهرة بهذا الشكل، على الرغم من أن هذه المحافظة لم تشهد أية إشكاليات أمنية، كما أنها بعيدة جغرافيًا عن مسرح المواجهات العسكرية مع قوات صنعاء؟

فما الذي تريده السعودية من المهرة؟!

منذ السبعينات كانت السعودية تحلم بإيجاد منفذ لها على بحر العرب وقد حاولت تحقيق هذه الأمنية بالضغط على النظام السابق، والذي كان قد وافق على الطلب السعودي لكن الظروف السياسية الدولية أجلت هذا الأمر، ولذلك فإن الوضع العام الحالي في اليمن، مثل فرصة ذهبية للنظام السعودي كي يقوم بتحقيق أحلامه التوسعية وتنفيذ ما خطط له منذ عقود، وهذا ما أكده السعوديون أنفسهم.

فقد كشفت وثيقة مسربة، عن تقدّم شركة “هوتا” للأعمال البحرية، برسالة شكر إلى السفير السعودي، محمد آل جابر، لطلبه من الشركة التقدّم بالعرض المالي والفني لتصميم وتنفيذ ميناء تصدير النفطي على بحر العرب.

لكن وعلى ما يبدو فإن تصدير النفط عبر أنبوب وميناء نفطي ليس سوى حل أولي ومؤقت، إذ أن الأطماع السعودية في محافظة المهرة أكبر بكثير مما يظن البعض، فلا ينحصر الحديث السعودي عن الرغبة في مد أنبوب نفطي يمر عبر أراضي محافظة المهرة وميناء نفطي على ساحلها فقط، بل إن السعوديين أعلنوا عن رغبتهم بشق “قناة بحرية” تصل بحر العرب بالخليج، مرورًا بالحدود العُمانية واليمنية، ممتدة إلى الداخل السعودي عبر صحراء الربع الخالي، الذي أطلقت عليه مجلة “المهندس” الصادرة عن الهيئة السعودية للمهندسين خلال العام 2015، اسمَ “مشروع القرن”!!.

فيما نشرت صحيفة “عكاظ” في إبريل 2016، ما نصه: “أن السعودية أكملت الخطوات الإجرائية لدراسة مشروع القناة البحرية، التي تربط الخليج العربي مروراً بالمملكة، إلى بحر العرب، للالتفاف حول مضيق هرمز، ما يمكّن المملكة من نقل نفطها عبر هذه القناة المائية الصناعية الأكبر في تاريخ القنوات المائية الصناعية الكبرى في العالم”، مطلقةً عليه اسمَ “النهضة الثانية للمملكة”.

إذًا فالمسألة ليست سوى مصالح سعودية خاصة، واستغلال للوضع الذي تمر به اليمن وسرقة أراضيه ونهب ثرواته والاعتداء على سيادته، ولا علاقة لها بالبروباغندا السعودية التي تتحدث عن مواجهة ما تسميه “الانقلاب”، التي اتضحت أنها كانت مجرد شماعة وهمية لتغطية المخططات السعودية الخبيثة.

لكن أبناء المهرة كانوا متنبهين لهذه المخططات التوسعية، فوواجهوها منذ اللحظة الأولى لدخول أول جندي سعودي محتلّ إلى المهرة، من أعلى مستوى في السلطة المحلية إلى المواطن البسيط، وتحركت القبائل والمجتمع المدني المهري، ونظمت اعتصامات سلمية تطالب برحيل القوات السعودية.

ولذلك عمد النظام السعودي لمواجهة الرفض المحلي له، بخبث شديد عبر خطوات على أكثر من صعيد، فمن جهة سعى إلى التفاوض مع المحتجين وممثليهم، ووقّع معهم اتفاقاً لتنفيذ مطالبهم، وذلك لامتصاص الغضب وتخفيف الاحتقان الشعبي، لتفادي أي تصعيد أو صدام مسلح مع قبائل المهرة المعروفة بشراستها وكذلك لكسب المزيد من الوقت لتمرير المشروع النفطي ومحاولة شراء ولاءات جديدة، ومن ناحية أخرى، سعى النظام السعودي لمحاصرة وخنق الأصوات الرافضة له، فأطاح بقيادات السلطة المحلية، وعلى رأسهم المحافظُ السابق “محمد بن كده”، الذي لم تكتفِ السعودية بإقالته وحسب، بل وقامت باحتجازه لثلاثة أشهر تقريبا عندما ذهب إلى الرياض عقب استدعائه من قبل حكومة الفنادق.

كما أطاحت السعودية أيضاً بوكيل المحافظة الشيخ علي الحريزي، ومدير الأمن اللواء أحمد قحطان، وأقالتهم من مناصبهم بقرارات من الرئيس الألعوبة؛ لأنهم جميعا رفضوا تمرير المخططات السعودية وأعلنوا تأييدهم للحراك الشعبي الرافض للوجود السعودي.

بل إن السفير السعودي آل جابر، رتب زيارة شكلية لهادي إلى المهرة، تعمد خلالها “آل جابر” أن يقوم هو باستقبال رئيس الشرعية المزعومة على أرضه وبين جمهوره كما يقال، بل ويعلن عن تدشين جملة من المشاريع التنموية بتمويل سعودي، ليقول بشكل غير مباشر إنه الحاكم الفعلي في هذه الأرض، وبأن السعودية عازمةٌ على البقاء في المهرة، مع سبق الإصرار ورغم أنف حكومة شرعية فنادق “الريتز كارلتون”.

تستند قاعدة الاحتجاجات في المهرة أولًا إلى سقوط ادعاءات تحالف العدوان بأنه جاء بناءً على طلب حكومة هادي لإعادة “الشرعية” وقتال “المشروع الإيراني” المزعوم؛ ولأن أهلَ المهرة ثانيًا باتوا مقتنعين تماما بأن تحالف العدوان يريدُ إنتاجَ يمن ضعيف بموازين قوى جديدة تخدم البعد الاستراتيجي للسعودية والإمارات، وأن هذا التحالف الثنائي لا ينظر للمهرة إلّا كتركة ثمينة، يريد السطو عليها بالقوة كأي محتلّ، في إطار أهدافه التوسعية الخاصة لتحقيق مكاسبه وأهدافه الاستراتيجية، بكل وقاحة وتحدٍّ لإرادة أبناء المهرة وبقية أبناء الجنوب اليمني جميعا ودون أي اعتبار لليمن كدولة مستقلة ذات سيادة.

لكن اللصَّ السعودي لن يتمكن من سرقة المهرة؛ لأن رجالَها عازمون على قطع يده مهما كلف الأمر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com