التَّواجد الأمريكي في المِنطقة.. سُبل انهَائه ومُواجهَته
مطهر يحيى شرف الدين
استمرار بقاء القواعد الأمريكية بقدراتها وترسانتها العسكرية في المنطقة، خطر كبير يهدّد أمنَ الدول العربية والإسلامية ويتربص بمقدرات وخيرات الشعوب العربية وبالممرات المائية الدولية والمواقع الاستراتيجية والمنافذ الهامة البرية والبحرية، والتي تطل عليها دول شبه الجزيرة العربية، وبالرغم من أن ثمة تجربة مريرة مرّت بها العراقُ عبر مراحلَ متعدّدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت فيها هذه الأخيرة جرائمَ وانتهاكات بحقِّ العراق وبحق أبناء شعبه، إلّا أن نظامَه لم يستفد من تلك التجربة، وقد أبدى موافقته التوقيع مع أمريكا لاتفاقيات الحماية الأمنية، والتي بموجبها تم إنشاءُ عدة قواعد عسكرية أمريكية على الأراضي العراقية بذريعة مزعومة وهي محاربة الإرهاب.
ومن الطبيعي أن يستنكر كلُّ عربيٍ حر ذلك التصرف وتلك الاتفاقيات، وقد أدرك العالمُ أجمع مدى كذب وخداع وحقد وعداوة النظام الأمريكي للشعوب العربية والإسلامية، ويكفي دليلاً على ذلك غزوُهِ للعراق في العام 2003م، وقتل مئات الآلاف من أبنائه وتدمير مقدراته ومنشآته الحيوية بدوافع امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ثم بعد ذلك كلِّه يأتي الساسةُ الأمريكيون ويقولون بأن الحربَ التي قادتها بلادُهم ضد العراق كانت خطأً جسيماً واستراتيجياً، أدّى إلى تشويه سمعة أمريكا واعترافهم أيضا بأن العراقَ لم يكن يمتلك تلك الأسلحة.
ولذلك فإن عاملَ طبيعة العلاقة الحميمية التي تربط دول الخليج بالصهيوأمريكية، يجعل من القرار والنفوذ الأمريكي أكثر وجوداً وتحكماً وموجِّهاً للسياسة الخارجية الخليجية التي تعملُ بدورِها على تقويض وتقييد الإرادة الحرة للشعوب التي أفرزت معاناتها حركات تحرّر مناهضة للقوى الأجنبية الطامعة، والتي أثبت الواقعُ اليوم الجرأة والوقاحة والفضاضة التي يبديها ويصرح بها رجلُ المال والأعمال ترامب، والذي كشف الوجهَ الحقيقي السيئ للسياسة الأمريكية الهادفة وضوحاً وعلانيةً إلى الاستيلاء على ثرواتِ الشعوب العربية وأهمُّها النفطُ والممرات المائية.
إذ وصلت جرأةُ ترامب بشأن حديثه عن النفط بما يفيد بأن العربَ أغبياء وسُذج، ولا يستحقون أن يكون لديهم هذه الثروة وهو الأحقُّ بها، وسيأخذها ولو بالقوة، وإذا لم تتنبه الزعاماتُ العربية وتضع حدّاً لانسجام وتماهي السياسة الخليجية مع الأمريكي والتوافق في التوجهات مع الصهيوني، فعليها أن تتذكر جرائمَ أمريكا في العراق التي كانت في يومٍ من الأيام حليفةً وصديقةً لأمريكا ضد إيران، ما لم فإن لسعاتِ وضربات الأمريكي قادمةٌ نحو عملائها وأدواتها طال الزمانُ أو قصر، عملاً بالمثل الشعبي: “الحجر ما تلحق إلّا الذليل”.
ولذلك فإن النظرةَ العربية السطحية القاصرة لأمريكا التي ترى بها الزعامات العربية بأنها الأقوى وهي العظمى ولها القولُ الفصلُ في اتخاذ القرارات الدولية، يجب أن تتغير لا سيما في هذه السنوات الأخيرة التي أثبت فيها الجيشُ واللجانُ الشعبية اليمنية المقاومة لدول الاستكبار العالمي، مدى انكسار هيبة الأمريكي وذل وهوان أدواته وعملائه أمام القوة اليمانية ببأسها وشدتها التي أذهلت العالمَ وحطمت أسطورة الإبرامز والبرادلي، وصمدت شامخة وبكل صلابة ترفض الخضوعَ والرضوخ للسياسة الأمريكية التي تماهت معها سياسة كثير من أنظمة الدول العربية، وبالذات الخليجية التي إن استمرت في تطبيعها مع الصهيوأمريكية، فإنه سيأتي اليومُ الذي يكون فيه النفوذ الاستكباري أكبرَ تسلطاً وسيطرةً وتدخلاً في الشؤون الداخلية للمنطقة إلى حدٍّ يصل إلى استخدام العنف والقوة والعدوان.
ثمة مسألة أخرى متعلقة بتواجد القواعد الأمريكية، إذ أن استمرارَ تصعيد التوترات الإيرانية الأمريكية طويلة الأمد دون حسم أو انفراج ودون تحقيق الرد الإيراني والعراقي الاستراتيجي الهادف إلى طرد القوات الأمريكية وإخراج قواعدها العسكرية من المنطقة، سيجعل الولايات المتحدة أكثر صلفاً وتعنتاً وستعملُ على اتخاذ المزيد من المخططات وَالمؤامرات العدوانية التي تستهدفُ عمقَ المنطقة بالقصف الغادر والهمجي الذي سينتهك أكثر مما سبق انتهاكه، ويقصف أكثر مما تم قصفُه سواءً في العراق أو في سوريا أو في فلسطين أو في الجنوب اللبناني.
ولذلك يجب إلّا تمر جرائمُ وانتهاكات أمريكا بحقِّ شعوب المنطقة مرورَ الكرام، وقد أحسن المرشدُ الأعلى آية الله السيد القائد علي خامنئي، وصف العملية التي استهدفت عين الأسد بالصفعة على وجه الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنه يريد القول بأن الثأرَ الحقيقي للحاج قاسم سيتحقق بالردِّ الاستراتيجي المتمثّل في إنهاء الوجود الأمريكي وغياب دوره الذي ينتهك سيادات الدول، وينال من كرامتها وعزتها وينشر القلقَ بدعمه للخلايا الإرهابية وزرعه للفتن الطائفية وإثارته للأحقاد؛ ولذلك فإني أقف موقفَ الرافض لفكرة استثمار إيران علاقاتها وأنشطتها الدبلوماسية مع حلفائها الإقليميين في سبيل الضغط على الولايات المتحدة ورحيلها عن المنطقة.
والمعوّلُ عليه هو أن تعتمد إيران بشكل رئيسي، على جانبِ تعزيز دعم محور المقاومة والقوى الشعبية الرافضة للوجود الأجنبي، والتي سيكون لها دون غيرها إن شاء الله، الدورُ الأكبرُ في تصفية الوجود الأجنبي من المنطقة وإخراج القواعد العسكرية الأمريكية دون رجعة..