صفقة القرن سباقٌ مع الزمن
علي الدرواني
لم يكن كيانُ العدو الإسرائيلي مهدّدا في وجوده كما هو حاله اليوم، فبعد أن كان التفكيرُ الأمني الإسرائيلي محصورا في غزة وجنوب لبنان طوال العقود الأخيرة الماضية، ونوعا ما بسوريا، فد توسع اليومَ ليشمل شعاعا بمدى يتجاوز ألفي كيلو متر، لتشمل العراق واليمن، كتهديدات حقيقية وخطيرة.
الواقعُ الجديدُ الذي فرضته شعوبُ المنطقة على كيانِ الاحتلال دفع الولايات المتحدة الراعي الأكبر للغدة السرطانية الإسرائيلية، أن تفكّرَ بطريقة مختلفة، للتعاملِ مع هذه التهديدات والمخاطر، وما يجري في اليمن من عدوانٍ مستمرّ، سيدخلُ في عامِه السادس مارس القادم، وكذلك ما يعتمل في العراق من إذكاءٍ للفتن الداخلية، بالإضافةِ إلى محاولة إشغال لبنان، كلها تصبُّ في محاولةِ الالتفاف على الواقع الجديد، وتجاوزه.
العدوانُ السعوديُّ على اليمن، لم يأتِ بثماره المرجوة، بل على العكس، ازدادت الإرادةُ لمواجهة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وتنامى الوعي الشعبي الجمعي المضادُّ للممارسات والسياسات العدائية للولايات المتحدة، وتضاعفت القدراتُ العسكرية اليمنية لتسجّل ضربات نوعية في عمق السعودية، الحليف الأبرز لواشنطن والدرع الأول لكيان العدو الإسرائيلي، بأنواع الأسلحة البالستية والمسيّرة، حيث منيت السعوديةُ وأدواتها في اليمن بهزائمَ منكرة، سواءً من حيث الوضع العام في جنوب البلاد، والانقسامات التناحرية هناك، أو ما نتج عن عمليةِ نصر من الله شمال صعدة، وتبخر جهود دول العدوان أربع سنوات هناك، واليومَ هناك عمليةٌ لا تقل أهميةً من حيث النوعية ولا من حيث النتيجة.
لا ننسى هنا أن اليمنَ، هو أوّلُ بلد تفر منه القواتُ الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، حيث أن قوات المارينز الأمريكي جرّت أذيالَ الخيبة من اليمن بعد 21 سبتمبر، أيلول 2014.
في سوريا أيضا، حيثُ هُزمت التنظيمات التكفيرية والجماعات المسلحة، وبدأت تتعافى وتلتقط أنفاسها، وتستعيد كلَّ الأراضي السورية من أدوات واشنطن، وفي الأثناء، الجيشُّ السوري يبدأ بالدخول إلى معرة النعمان ثاني أكبر مدن إدلب، بما تعنيه من ضخامة الإنجاز والصمود، وستعود سوريا قريبا أقوى مما كانت.
وليس العراق ببعيد أيضا، فقط بدأ العراقيون بسحبِ البساط من تحت أقدام الأمريكي، وما رأيناه في البرلمانِ العراقي بعد استشهاد الجنرال سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، وما تلاه في مليونية الغضب الشعبية، كلُّها مؤشرات للعد التنازلي لخروج القوات الأمريكية المحتلّة من هذا البلد العربي المسلم، الذي عانى الكثيرَ جرّاء الوجود الأمريكي التخريبي الشيطاني، وبطرد القواتِ الأمريكية من العراق، يكون خروجُها أيضا من سوريا تحصيلَ حاصل.
بالنسبة لغزة ولبنان، فمن نافلة القول أن يشارَ إلى ما تحقّق على يد المقاومة فيها من هزائمَ لا تزال تمثل هاجسا ومانعا للمحتلّ من إعادة التجربة العسكرية، ويضرب الأخماسَ بأسداس قبل أن يفكّر حتى في العدوان مجددا عليها، ما يعني أنه يعاني من حالة شلل كامل وعجز شامل.
الواقع المنتظر يقول إن كيانَ العدو الإسرائيلي سيكون محاطا بالكثيرِ من الأخطار، لا سيما في حال دخلت بلدان وشعوب المقاومة في حالة من الاستقرار النسبي؛ لأن العدوَّ الصهيونيَّ سيكون هو الشغل الشاغل، وسيكون العملُ فقط لهزيمته وإخراجه من المنطقة، وتطهير فلسطين من شرهم، وتحرير المقدسات من دنسهم.
هذا الواقعُ هو الذي يجعل واشنطن تسابق الزمنَ في سبيلِ حماية الكيان، وخصوصا أن كلَّ مخططاتها لإضعاف المقاومة تبدو فاشلةً إلى الآن في منع الأخطار، بل قد ضاعفت من الأخطار والتهديدات الوجودية للكيان الغاصب، وتظن إدارةُ ترامب أن وضعَ الدول الخليجية الحالي والأزمات التي تعاني منها أنظمة النفط والرمال، يمكن أن يساعد في تمرير صفقة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، مقابل وعود بالحماية لتكتل عربي إسرائيلي، تقوده السعوديةُ والإمارات، ومعها دولٌ سبّاقةٌ في التطبيع مع العدو الإسرائيلي كالأردن ومصر.
تقديرات واشنطن أن تسريعَ عجلة التطبيع يمكن أن تؤمن الحمايةَ المطلوبة لإسرائيل، مع إنشاء تحالف عسكري لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، وهذا قد يحقّق هدفين، أن لا تبقى إسرائيل وحيدة في المواجهة، والثانية أن لا تبقى دولُ الخليج في حالة الحياد، بل تدخل في تحالف علني، ودون أية تحفظات.
وبالإضافة إلى التقديرات الأمريكية الخاطئة، فرب ضارة نافعة، مثلما سيكون إعلانُ الصفقة لإعادة القضية الفلسطينية للواجهة العربية والإسلامية، فسيمثل توضيحا لمن يقف بصدقٍ مع الشعب الفلسطيني وقضية القدس، وانكشافا لمن يتخلّى عنها ويبيعها بثمن بخس، وهذا بحدِّ ذاته يمثل قيمةً مهمة لشعوبنا وأمتنا.