قرنٌ من الصفقات.. متواليةُ الدمج والتمدد والهيمنة الصهيونية
المسيرة: علي المؤيد
قرنٌ من الصفقات وأكثرُ هو عمر مشاريع ومخطّطات الهيمنة على الأُمَّـة العربية الإسلامية في العصر الحديث، بدءاً بمؤتمر “كامبل بنرمان” الذي انعقد في لندن عام 1905م، واستمرت جلساتُه حتى العام 1907م، وكان انعقاده بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين؛ بهَدفِ إيجاد آلية واقعية وفعالة للحفاظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية، مع تأكيده على خطورة المنطقة العربية، خَاصَّة وهي تمتلك الكثير من عوامل التماسك والقوة والوحدة، حَيْــثُ أوصى المؤتمر بضرورة عرقلة مساعي التقدم في المنطقة والحرص على تقسيمها وإبقائها مفتتة بدءاً بعزل شرق المنطقة العربية عن غربها بواسطة كيان مستحدث يمكن اعتبارُه مركَزَ عمليات ميدانية متقدم وهو ما تم لاحقاً، ومن وجهة نظر عدد من الباحثين فهذا المؤتمر هو المظلة الروحية لكل الاتّفاقيات والصفقات الاستعمارية الصهيونية التالية مثل سايكس بيكو 1916م، ووعد بلفور عام 1917م -والذي يبدو بالفعل ترجمة ميدانية لأبرز مخرجات مؤتمر كامبل- وكذا مؤتمر فرساي 1919م، ومؤتمر سان ريمو عام 1920م، ومؤتمر سيفر 1920م، ومؤتمر سان ريمو عام 1923م، ثم اعتراف الأمم المتحدة بالأردن عام 1946م، وكذلك قرار مجلس الأمن رقم (181) والخاص بتقسيم فلسطين والصادر عام 1947م والذي تم بموجبه منحُ القدس “وضعاً قانونياً خاصاً” مع وضع حدودها الإدارية وجعلها تحت إدارة الأمم المتحدة، وقد بلغت مساحتُها آنذاك حوالي 3% من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة 27200 كيلومتر مربع، وعقب ذلك تم الإعلانُ عن تأسيس الكيان اللقيط 1948م وفي نفسِ العام صفقات كثيرة في فلسطين وعدد من العواصم أفشلت التدخلَ العسكريّ العربي ومنها صفقة الأسلحة الفاسدة، تولى الأردن إدارة الضفة الغربية عام 1950م، زيارة الكنيست 77م وَكامب ديفيد عام 1979م، أوسلو1991م، وادي عربة 1994م… إلخ، وعلى هذا المنوال دارت رحى الصفقات والاتّفاقيات السرية والعلنية؛ ليغطي قلب الأُمَّـة المطحون كُـلّ جهات الظمأ الشاسع إلى الوجود والهُـوِيَّة الحقيقية، عوضاً عن جغرافيا الخيبة والخيانات الكبرى وشيء من خبز الشتات المرير.
صفقةُ القرن.. الهُـوِيَّةُ والمنشأ:
وعموماً يمكِنُ القولُ بأن ما يحدث اليوم وما سيحدث غداً وبعد غد هو في سياق محاولات حثيثة تعمل على إعداد وَتمرير أكبر قدر ممكن من الجزئيات والمكونات الرئيسة الواقعة ضمن المقرّرات التي تم الاتّفاق عليها طوال عقود من المزادات السرية وصفقات البيع المجانية أَو تلك المدفوعة أثمانها من قبل “البائع” بالتجزئة وبالجملة أَو مقابل حماية هشة!! وتتوالى فصول السخرية حين لا يجد المماليك الجدد بُدًّا من امتهان الخنوع بإتقان عجيب، الأمر الذي أَدَّى بغالبية القابعين على رؤوس ممالك التخمة والترهل وجمهوريات الغفلة والعبث إلى ابتكار آليات جديدة للخيانة والخذلان والذل غير المسبوق دون أن يتعظوا بمصائر أسلافهم وأقرانهم، رواد استراتيجية السقوط ممن سبق لهم الانزلاق إلى الحضيض والخزي المديد وهم كُثْــرٌ.
وفيما يلي محاولةٌ لتسليط الضوء على أبرز عناوين الخطط الفرعية الصهيوأمريكية الجاري تنفيذها في المنطقة كمشاريع منفصلة ظاهرياً، لكنها في واقع الأمر تمثل أخطر وأهم مراحل التزوير الجغرافي والديموغرافي والتاريخي لتدعيم وجود وانتشار الغدة السرطانية تحت عناوين إنسانية وَاقتصادية زائفة ومستهلكة أملاً في تتويج المشوار التآمري الخبيث خلال قرن من الصفقات بسيادة إسرائيل الكبرى وهو المشروع الكبير الذي لا يقف ضده أحد في المنطقة سوى الصادقين في نُصرة الدين والمستضعفين والمقدسات وتلك مشكلة إسرائيل الوجودية مع كُـلّ أولئك الذين يطلق عليهم “محور المقاومة”.
وبصورة أشمل فإنَّ ما سُمِّيَت بصفقة القرن هي عبارةٌ عن سلسلة تنازلات وتآمر طويل تعمل على تحقيق عدة نتائج تتمثل في: “تبادل حدود، تبادل شعوب، تبادل أراضي” ولمصلحة العدوّ طبعا، إذ يتم حَالياً العمل على عدة مسارات عدوانية تستهدف الأُمَّـة بأسرها، وتشملُ تلك المساراتُ عقد الاتّفاقيات السرية والعلنية التي تراكم التنازلات تلو التنازلات نحو المزيد من امتهان العروبة في خدمة الصهاينة وتسخير كُـلّ الموارد المالية والبشرية لصالح اليهود، إضافةً إلى موضوع اللاجئين، وكذلك تأسيس البُنَى التحتية اللازمة لدمج إسرائيل في المنطقة عبر نافذة الاقتصاد والمصالح المشتركة، حَيْــثُ تعد هذه المشاريع جزءا من أهداف السياسة الخارجية للعدوِّ الإسرائيلي فالكيان الإسرائيلي في كُـلّ سياساته المتبعة مع الدول العربية يبحث أَسَاساً عن اعتراف وعن المزيد من الاعتراف، وهذا الاعترافُ بطبيعته يحتاجُ بالتأكيد إلى تعديلات في الهُـوِيَّة؛ للتخفيف من كوابح القبول بهذا الكيان بما يكفلُ تأمينَ الاستقرار والسيطرة وترسيخ الهيمنة.
مكوناتُ المشاريع الصهيونية “الأعرابية” المشتركة:
وتتكوَّنُ المشاريعُ الأعرابية-الإسرائيلية من ثلاثة مكونات رئيسة هي المال الخليجي، والتكنولوجيا الإسرائيلية، والعمالة المصرية والأردنية والفلسطينية، حَيْــثُ يُفترَضُ من وجهة النظر الصهيونية أن تتم الاستفادةُ من التقنية الإسرائيلية ومجمل العلاقات الاقتصادية الدولية لخلق إطار إقليمي جديد بالتعاون مع الدول العربية الثلاث المشاركة سعيا لتغيير الإطار الإقليمي العربي الذي يطوّقُ إسرائيلَ بالشكل الذي يحوله إلى ساحة شرق أوسطية تعُجُّ بالمنافع المتبادلة بالصورة التي تؤدي إلى دمج إسرائيل بمحيطِها مع زوال كُـلّ الحدود سواء ما يتعلق بالحدود السياسية أَو التاريخية وما يرتبط بها من التزامات تقع على الدول المتواطئة مع إسرائيل وتقديم كُـلِّ شيء خلفَ كواليس العنوان الاقتصادي والنفعي الباهظ -الذي لا يخدُمُ سوى المشروع الصهيوني- وعلى أَسَاسِ تدعيم ذلك المسار الاقتصادي بدءاً بتوفير المواقع والمساحات الشاسعة لتأسيس وتطوير البنى التحتية العملاقة والأُطُر القانونية الجديدة وغيرها من الخصائص الكارثية التي ستعمل على إيجاد حالة جديدة تغيّر الواقع الديموغرافي السائد الذي سيعاد تشكيله بالصورة التي تجعل من إسرائيل مركزا رئيسا للتبادل السلعي والنشاط الاقتصادي بما يمنحها كذلك تمويلاً هائلاً يصُبُّ في خانة دعم قدراتها وأنشطتها العسكريّة وَيضمن لها التفوق العسكريّ في المنطقة، وبالتالي إحكام السيطرة عليها، وهذا البُعدُ الاقتصادي المركزي الذي تطمح إسرائيل إليه تحقيقه عبر هذه المشاريع المشتركة يفترض به أن يدفع بالكثير إلى محاولة اللحاق بهذا الركب “المعولم”، والولوج إلى خريطة الشرق الأوسط الجديدة من بابها النقدي المؤدي بالضرورة إلى التطبيع الرسمي والشعبي والانضمام الكلي إلى جوقة المستهلكين العالقين في شباك الصياد الإسرائيلي الذي يقود التحالف الاقتصادي المؤمل، إضافة إلى ما يتطلَّبُه ذلك الانضمام من تحالفات موازية سياسية وأمنية وعسكريّة وثقافية، فضلاً عن كونه سيمثل ضربةً قاضية لجهود تعزيز المقاطعة الاقتصادية، وَتوجيه الضربة القاضية للقضية الفلسطينية عبر فصلها تَمَاماً عن الأراضي التي يسيطر عليها الصهاينة وإبقائها معلقة دون وجود سلطة حقيقية، منزوعة السلاح، لتبدوَ مع مواطنيها في النهاية أشبهَ بمجاميعَ من السجناء القابعين ضمن قطاعات معزولة من الشتات الداخلي المتشابك تحت الوصاية اليهودية في إطار اتّحاد كونفدرالي مع ما تبقى من الأردن.
كيفيةُ معرفة المشاريع الصهيونية المشتركة:
وعموماً ينبغي رؤية سلسلة الصفقات الحديثة والقديمة من منظور استراتيجي واسع لمعرفة طبيعة المساعي الإسرائيلية الهادفة على المدى المتوسط والبعيد إلى إخراج عدد من أَهَـمّ مناطق الارتكاز الجيوسياسي المحيط بها من نطاق السيادة العربية والإرث التاريخي العربي الإسلامي إلى مجال السيادة الدولية والسيادة المشتركة؛ بهَدفِ حماية إسرائيل أولاً، ثم سلب العرب والمسلمين مساحةً فاعلةً ومؤثرةً استراتيجياً، خُصُوصاً في ظل عدم مقدرة إسرائيل -حتى بمساندة أمريكا- على إخضاع المنطقة عسكريًّا، فضلاً عن عدم قدرتها على توفير كتلة يهودية مانعة تقدر بثمانية ملايين مستوطن؛ لضمان تحقيق نوع من التوازن الديموغرافي أَو حتى ترجيح الكفة الديموغرافية لمصلحتها إن أمكن؛ ولذلك يأمل العدوّ أن تفرُشَ كُـلّ هذه البُنَى التحتية والمشاريع “الدولية” الطريق أمام أطماعه ونواياه الخبيثة بالورود، فضلاً عن أن العدوّ يظن أن تحقيق ذلك -ومع مرور الوقت- سيساعدُه على تمييع هُـوِيَّة العرب الرافضين للتطبيع، وتحريرهم من كُـلّ التبعات الدينية والتاريخية والنفسية المترتبة على التعاطي المباشر مع الإسرائيلي، إذ سيكون بالإمْكَان مد جسور العلاقة في مناطق وسطية، تحت عناوينَ نفعية، بواسطة أقنعة “حضارية” ضمن المناطق التي يفترض أن تتمتع بحرية، واستقلالية، و”خصائص جامعة”، وضمن إطار قانوني مختلف، محكوم بمصالح المستثمرين، والشركات متعددة الجنسيات، وهذا بدوره سيفضي إلى ضرورة العمل على حماية تلك الاستثمارات بكل السبل الممكنة وَيعد مشروع “نيوم” أحد أكبر تلك المشاريع إضافة إلى مشاريع الغاز والبُنَى التحتية الأُخرى والتي سيتم التطرق اليها بشكل تفصيلي في حلقات لاحقة تتناول أبعاد وطبيعة وخطورة صفقات العار.
وفي هذا السياق، تجدُرُ الإشارةُ إلى أن نتنياهو في كتابه “مكان تحت الشمس” يشترطُ أن لا تكونَ التسويةُ مع الأنظمة الحاكمة القابلة للسقوط في أية لحظة، بل مع بنية عربية مهيأة للقبول بالتسوية، وهذا بدوره يشير بالضرورة إلى فحوى وطبيعة بعض أهداف التحَرّك “الإخواني” ضمن ما سُمِّيَ بثورات الربيع العربي، الأمر الذي أفضى آنذاك إلى إعادة إنتاج فروع تنظيم الإخوان الدولي مع بروز قواعد شعبيّة مختلفة الاتساع من بلدٍ لآخر، لكن لديها القابلية للمضي قدماً في إنجاز أَو حماية التسوية مع العدوّ وتمرير الاتّفاقيات والتنازلات اللاحقة بغض النظر عن التداعيات المحتملة.
لمحةٌ عن البُنَى التحتية:
يُفترَض -حسبَ المخطّط الأمريكي الصهيوني- أن توفرَ مشاريعُ صفقة القرن آليةً اقتصاديةً تمهّد لربط دول الإقليم بالكيان الإسرائيلي؛ باعتباره سيكونُ المركَزَ التجاري الأَسَاسي والاقتصادي الرئيس الذي سيدير كُـلّ تلك المشاريع وعلى هذا الأَسَاس تتم تهيئة الكيان وتكوين امتداداته الرأسمالية ليصبحَ محوراً لأنشطة التصدير وإعادة التصدير إلى بلدان الشرق الأوسط وأُورُوبا وآسيا وأفريقيا والعالم وذلك عبر تأسيس وتطوير بُنية تحتية ضخمة يجري العمل على إنشائها وتوسيعها على مراحلَ وبتمويل خليجي وتشمل أهم تلك البنى التحتية شبكات خطوط النقل البري الدولي الرابط بين فلسطين المحتلة وَدول المنطقة المشاركة في مشاريع الدمج والتمدد الصهيوني وكذا شبكة الطرق السريعة والالتفافية الضخمة داخل فلسطين المحتلة وخارجها ومن أبرز مشاريع النقل المزمع استكمالها مشروع خط السكك الحديدية الرابط بين مدن وموانئ ومطارات الخليج والبحر العربي (عُمان مبدئياً) ومدن وموانئ -حيفا واشدود- ومطارات الكيان الصهيوني مروراً بالأردن للتغلب على معضلة عرمز وباب اليمن وتقليل تكلفة النقل والتحكم في أسعار السلع الأَسَاسية كالنفط والغاز المنقولين عبر واحتكار منافذ التوزيع وجني الأرباح الهائلة بالطبع وبالتوازي مع شبكة السكة الحديدية المشار اليها يفترض أن يتم مد أنابيب تنقل النفط والغاز الخليجي إلى مستودعات الكيان المستقبلية والموانئ المطلة على البحر الأبيض المتوسط غرب الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبهذا الخصوص يطمح العدوّ الصهيوني إلى تأسيس أكبر مستودعات للنفط والغاز في المنطقة والعالم وأكبر معامل إنتاج الغاز المسال في المنطقة حيث تخطط إسرائيل للحصول على حصة من السوق الأُورُوبية عبر تصدير الغاز الفلسطيني المسروق -يضاف اليه لاحقا الغاز العربي الذي ستعيد تصديره- إلى أُورُوبا عبر بناء خط أنابيب بحري يصل إلى قبرص واليونان ومنها إلى دول أُورُوبا أَو خط يصلها بخط الأنابيب غرب الساحل التركي، وكانت إسرائيل قد حاولت قبل عقد من السنين تقريباً، وبتسهيلات مصرية، تصدير الغاز الفلسطيني المسروق إلى أُورُوبا وذلك عبر تركيا الناقل والاستفادة من خطوط الأنابيب البرية العربية الممدودة من مصر إلى سوريا عبر الأردن وفشلت في ذلك بعد اكتشاف الدولة السورية لخدعة التصدير من الباطن باستخدام الواجهة المصرية ولم تفلح محاولاتها المتكرّرة عبر الوساطة القطرية والتركية في ثني سوريا عن موقفها المبدئي الرافض بشكل مطلق لاستخدام الصهاينة للأراضي السورية وهذا الأمر أسهم في تعزيز فكرة إسقاط النظام السوري والذي يمتلك أَيْـضاً حقل “قارة” -غير المستغل- وهو أكبر حقول الغاز في شرق المتوسط على الإطلاق (وهذا أَيْـضاً سبب آخر يسهم في تعزيز فكرة إسقاط النظام السوري في ذهنية قوى الهيمنة وأدواتها)، وَإلى جانب مشاريع خطوط النقل والمطارات الكبرى تأتي المشاريع الاقتصادية الهائلة سواء في الداخل الفلسطيني المحتل أَو على الأراضي السعودية والمصرية والأردنية وعلى رأسها مشروع “نيوم” اللقيط، كخُطوةٍ أولى لبسط الهيمنة الصهيونية على نجد والحجاز وفي هذا السياق ولفهم هذه الجزئية وبيان مدى خطورتها في سياق المشروع الصهيوني الهادف لدمج إسرائيل بمحيطها والتمدد على حساب ذلك المحيط وصولا إلى الهيمنة المطلقة والمدفوعة الثمن ودون خسارة جندي إسرائيلي واحد، يكفي أن نستعرض بعضاً من ملامح تجذر الهيمنة الصهيونية في الأردن على سبيل المثال وهي التي حملت على عاتقها مبكرا مسؤولية خدمة العدوّ الصهيوني عبر سلسلة من الصفقات البائسة ومنها خصخصة العديد من المشاريع والأملاك الحكومية الهامة لصالح مستثمري القطاع الخاص (إسرائيليون على الأغلب) ومنها مشروع الفوسفات والبوتاس والمياه وَالكهرباء وأراضي العقبة ومينائها وَالإسمنت والاتصالات وهيئة السكة الحديدية (سِكّة حيفا بغداد) وكامل الطرق الالتفافية والاوتوسترادات وشواطئ البحر الميت وَالمطارات، وكلما توغّل المرء في تفاصيل مشاريع الدمج والتمدد والهيمنة الإسرائيلية يدرك كم هي وخيمة وخطيرة وفادحة مآلات التواطؤ والانبطاح، فمثلاً فيما يخص مشاريع المياه الأردنية يعلم القاصي والداني أن الأردن الذي يعاني من شُحة المياه والجفاف والعطش هو ذاته البلد الذي يضخ إلى إسرائيل عشراتِ الملايين من الأمتار المكعبة من مياه نهر اليرموك والمياه الجوفية ومياه الأمطار، وفوق كُـلّ هذا ستجد مثلاً أن ما تنتجه محطة العقبة لتحلية مياه البحر يذهبُ كُلُّه إلى إسرائيل وبكمية تصل إلى خمسين مليون متر مكعب سنوياً.
آخرُ الصفقات:
قاعدةُ برنيس جنوب شرق الأراضي المصرية تم أنشاؤها على نفقة الإمارات والسعودية وتتواجد فيها قوات إقليمية متعددة الانتماءات ومنها قوات تابعة للكيان الإسرائيلي وفي المقام الأول تعمل قاعدة برنيس على خدمة المصالح الاقتصادية للكيان الإسرائيلي في المنطقة عبر القيام بمهام حماية السفن العابرة من وإلى الموانئ الجنوبية الواقعة ضمن أراضي فلسطين المحتلة كإيلات والعقبة ومرافئ “نيوم” وجسرها الرابط بين ضفتيها والمرتكز على جزيرتي تيران وصنافير، وكافة الاستثمارات المشتركة الواقعة ضمن نطاق عمل القاعدة التي تبلغ مساحتها 1500 دونم فضلاً عن إمْكَانية استخدامها كمنطلق ثابت لتحَرّكات قوات التدخل السريع وقوات المساندة المتنوعة وكل التشكيلات التي يفترض بها تأمين المواقع المؤثرة على امتداد المشاريع الصهيونية والتي يرتبط نجاحها بشكل وثيق بضمان سلامة النقل البحري وحركة التبادل التجاري عبر كامل مساحة البحر الأحمر، وبالتأكيد فإنَّ أَهَـمّ تلك المواقع على الإطلاق هو مضيق باب المندب، وبهذا الصدد يُذكَرُ أن العديدَ من اللنشات والبوارج المصرية كانت قد باشرت بتأدية هذا الدور مبكراً بصورة مكثّـفة، بالتزامن مع بدء العدوان على اليمن وظل نشاطها العسكريّ البحري في تصاعد مستمر، خَاصَّة جنوب البحر الأحمر وعلى مقرُبة من بعض أَهَـمّ الجُزُر اليمنية.