هو الله
سند الصيادي
فرُّوا كالأرانب تاركين وراءَهم سلاحاً وعتاداً كان يكفي ليصمدوا سنوات عديدة، لم تسعفهم أفئدتهم المنهارة وأقدامهم المرتعشة أن يستخدموا حتى مركباتهم العسكرية لتسهيل عملية الفرار، تركوها خلفهم والكثيرُ منهم ثقلت أقدامُه على حمله فقرّر النجاةَ بتسليم نفسه للرجال، مستندا على ما بات يعرفه عنهم من قيم ومكارم ونبل أَخلاق في تعاملهم مع الأسرى من المغرّر بهم والمرتزِقة الذين اختاروا الطريقَ الخطأ والخاسر بكلِّ مقاييس الدنيا والدين.
حدث هذا المشهدُ في نهم وصرواح والجوف وقبله العشرات من المشاهد المماثلة في أطراف صعدة ونجران وَجيزان وَميدي والضالع وَالبيضاء والساحل الغربي، وكل الجبهات التي يخوض فيها جيشُنا ولجانُنا الشعبيّة معركتهم المدعمة بكلِّ الحجج والمعطيات المحفزة للثبات والصمود والاستبسال.
معركة تجاوزت تحولاتها ونتائجها قدراتِ الخبراء العسكريين في الشرح وَالتحليل والتوضيح المستند على معطياتِ الطبيعة وَالفوارق الفنية والبشرية واللوجستية، هي معركةٌ من نوع مختلف المعايير وجب أن تضاف أسباب وحوافز النصر فيها كمادة أَسَاسية أولى، تدرّس للجيوش قبل أن يتم تدريبُهم على كيفية استخدام السلاح والتكتيكات القتالية العسكرية.
قد يقول قائل إن الطرفين يمنيون جميعاً، ومن بيئة اجتماعية وجغرافية واحدة، وقد يتجاوز آخرُ إلى أن يتحدّث عن صلات قرابة وثيقة بين المهاجم والمدافع، وهذه حقيقة، وَالتسطيح فيها يبعد عن حقيقة الفارق والسر الذي حسم المعركة، وهو الموقف والأرضية التي يستند عليها المقاتلُ بعيداً عن كُـلّ تشابه أَو تمايز، وشتان ما بين معنويات مقاتل يذود عن قيمٍ عليا ويتسلح بقناعات كبرى راسخة في ذاته عن ما هو عليه وما هم أعداؤه عليه، وبين مقاتل يجهل حقيقةَ المعركة التي لا يرى فيها من محفز للبقاء سوى بضع ريالات يتلقاها أول كُـلّ شهر..
شتان ما بين موقف يعزّز ثباتَه آياتُ ووعودُ الله، وَموقف مضطرب تتنازع فيه النفسُ مع نزغات الشيطان، فتهن وَتضعف تاركةً خلفها أجسادا بلا روح.