اليوم العالمي للمرأة المسلمة.. الزهراء قدوتنا
إكرام المحاقري
لا يوجدُ دستورٌ ولا ديمقراطية في الكونِ نستطيعُ أن نقارِنَ نظرتَه للمرأة كنظرة القرآن الكريم، الذي كرّمها وأعلى شأنها وبيّن جميعَ حقوقها في آيات بينات مفصلات، ورسم لها طريقاً طاهرة لا بُدَّ أن تسلكها؛ من أجلِ أن تحافظ على كرامتها من عفة وحياء وحشمة وبذل وصبر وحياء.
وها هو اليومُ العالمي للمرأة المسلمة يصادفُ ذكرى ولادة الطهر البتول، سيدة نساء العالمين، بضعة المصطفى وزوج المرتضى، وأم السبطين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
في هذه المناسبةُ العظيمة يجبُ أن تُحييَ في قلوب النساء منهجَ فاطمة الزهراء؛ من أجل أن تنجحَ المرأةُ المؤمنة في تربية الأجيال وإصلاح الأوطان والسمو بالمجتمع المسلم؛ كون المجتمع هي المرأة ذاتها، فالزهراء البتول كانت مرأةً مثلها مثل أية مرأة أخرى باعتقادي الخاص، خاصةً وهناك أقوال وأحاديث تقول بأن الزهراءَ كانت معصومةً ومعفية من عدة أشياء من قبل الله تعالى، لكن هنا نجد التقليل من شأن عدل الله بين عباده الذين لا فرق بينهم في الخلق والتكليف.
لكن هناك فرقاً واحداً هو في الارتباط بالله سبحانه وتعالى والتسليم المطلق لكلِّ توجيهاته الآمرة والناهية، وعامل التربية القرآنية المحمدية ومن ثم العلوية التي ارتقت بفاطمة البتول الزهراء إلى سلّم الكمال الإِيْمَاني، في العبادة والجهاد والبذل والصبر والعفة والحياء، حتى أصبحت نظرتُها للواقع نظرةً قرآنية إِيْمَانية صائبة، فما زال عطرُ طهارتها يفوح حتى عصرنا الحاضر، حيث وهذا العطر هو الأثر الطيب لعباد الله المؤمنين إلى حين يعرض الناسُ على ربهم.
فلنتحدث عن طاعتها لوالدها رسول الله، وعن طاعتها لزوجها الإمام علي عليه السلام، وعن حسن تربيتها لأولادها سبطي رسول الله، حيث وكانت نتيجة تلك التربية القرآنية رتبة عظيمة في جنات عدن، سيدا شباب أهل الجنة، أما عن رسول الله فقد قال: (فاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني، ومن أغصبني فقد أغضب اللهَ، ومن أغضب اللهَ أدخله نارَ جهنم)؛ لما لها من فضل عظيم على الدين والمسلمين ولما لها من شأن عظيم، نالته بعظيم صبرها وصدقها وقنوتها بين يدي الله سبحانه وتعالى.
فالزهراء البتول قد جعلت من منزلها مسجداً يذكر فيه اسمُ الله، ومدرسة يتعلم منها الأجيالُ معنى الجهاد والاستبسال ومعنى قول الله تعالى (من المؤمنين رجال)، و(إن الله اشترى)، فمنهج آل البيت -عليهم السلامُ- هو منهج تجارة مع الله لما اقتضاه القرآن الكريم.
فبينما ونحن نتحدّث عن الزهراء -عليها السلامُ- ومواقفها وحياتها من صغرها وحتى يوم وفاتها، نحدّث أنفسنا قائلين أين نحن من الزهراء؟!، أو تلك هي الزهراء؟! حسناً، لكم الإجابة عن ذلك..
أما عن أين نحن من الزهراء وكل ما تم سردُه من عظمتها وليس إلّا قطرة في بحر إِيْمَانها، فقد أبعدنا عنها أعداء الأمة والدين الذين غيبوا عنا الزهراء تغييبا شاملا، وقدّموا لنا نماذج ركيكة لا تنفع أن تكون قدوة أو أن تزرع الإِيْمَان في القلب، فلا تستوي زوجة نوح وزوجة فرعون، أما عن تلك هي الزهراء؟!، فهذه الحواجز قد خلقت؛ نتيجة بعدنا عن القرآن الكريم وسقوطنا في هاوية الحرب الناعمة والباردة، التي شنَّها اليهودُ باسم الدين والتحضر والتمدن والتطور، وهو سم زعاف سلب من المرأة كرامتها وحياءَها وقيمتها الرفيعة التي قال عنها تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
الله سبحانه وتعالى أراد للمرأة المسلمة ما أراده (للزهراء البتول)، فهو العدل الحكيم وقد بيّن لنا واقعَ الزهراء وتوجهها وشأنها، وأرشدنا إلى الأسوة الحسنة عندما خاطب المؤمنين والمؤمنات قائلاً لهم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، فلا فرقَ بين الاقتداء بالنبي أو بالزهراء، فهي بضعته وهو من ربّاها وأحسن تربيتها، لكن ثقافةَ الغرب حالت دون أن يتمتع المؤمنون بوعي قرآني شامل، حتى وصلوا إلى الكفر والفسوق والعصيان من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون؛ وذلك نتيجةً للتفريط في العمل بتوجيه الله تعالى.
فعلاً المرأة السلمة اليوم باتت على قاب قوسين من الانحراف والهلاك والسقوط المدوي وخذلان الدين، والكثير منهن سقطن، خاصةً في الدول التي باتت اللوبية الصهيونية تسيطر عليها سياسياً وثقافياً بمساعدة علماء السوء، الذين يخترعون ويخطون أحاديثَ كاذبةً ينسبونها للنبي محمد -صلواتُ الله عليه وآله-، وهي أحاديث كاذبة ومضلة، كما حدث للنساء في الجارة الكبرى المملكة السعودية، من سقوط يخجل منه مَنْ يحمل في قلبه فطرة سليمة خالية من شوائب الثقافات الباطلة والمغلوطة التي يسمونها حرية وانفتاحا وحقوقا.
لكن لم يفت الأوان بعدُ، فلنرجعْ إلى الله ولتعرف المرأة ماهيةَ مسؤوليتها أمام الله وأمام آية عظيمة، قال الله فيها: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا)، فلا يوجد لنا قدوة كمثل نساء النبي ومثل الطهر البتول فاطمة الزهراء، فلننتصرْ في الحرب الثقافية كما انتصر رجالُنا في الحرب العسكرية، والعاقبةُ للمتقين.