فلسفةُ الحشمة في حياة المرأة
أمين المتوكل
يقولُ المولى عز وجل حاكياً عن قصة ابنتَي شُعَيب: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)..
في هذهِ الحياة هنالك علاقةٌ بين الإنسان وبين ما هو جميلٌ حولَه.. فاللهُ سبحانَه وتعالى فطَرَ الإنسانَ للتعامل مع الجميل والقبيح فعاش مع الجميل بانجذاب وعاش مع القبيح علاقةَ نفور.
حتى الجمالُ في حياتنا يتدرجُ، فهنالك جميلٌ وهنالك أجملُ وبين هذا التدرج يعيشُ الإنسانُ علاقةَ جذب.. فينجذب للجميل ولكن إذَا حضر الأجمل انجذب إليه.
الألوانُ جميلةٌ في حياتنا.. وهي ذاتُ مدلولات ولكن نجدُ أن اللونَ الأحمر يتميّزُ عن بقية الألوان.. فأنت عندما تريدُ أن تصنعَ قمريةً لبيتك فَإنَّك تختار أنواعَ الألوان من الزجاج، ولكن تجد أن اللون الأحمر أغلى ثمناً من باقي الألوان؛ لأَنَّه يضفي نوعاً من الجمال إلى مجموعة الألوان لتنجذب إليه الألوان.
هذهِ الحياةُ قائمةٌ على عدد من العناصر المهمة، وأهمُّها بل وأهمُّ وجودها هو العنصر البشري.. وهذا العنصر قائم على وجود الذكر والأنثى.. حيث المرأة مرتكَزٌ أَسَاسٌ في هذهِ الحياة.
في عالم المادة.. قد يتم تحويلُ المادة من حالة إلى حالة بإضافة عناصرَ جمالية إليها.. فكثيرٌ من الأشياء في حياتنا قابلةٌ لأَنْ تكونَ أجملَ من الحالة السابقة.. فأنت ترى أهميّةَ الأشجار من ناحية جمالية ولكن لتبدو أجملَ يتم هندستُها وقصها وتزيينُها لتصبحَ أكثرَ جمالاً.. وذلك العقيق يتم إعادة العمل فيه ليكون جذاباً.
المرأة كائنٌ يبحَثُ عن الجمال.. فهي كائنٌ إنساني جعل اللهُ لها علاقةً مع الجمال كما تحدثنا عن الإنسان وعلاقته مع الجمال.. ولكنَّ هنالك اتّجاهين يُصيغان الجمالَ لهذه المرأة.
الاتّجاه الأول هو الاتّجاه الوحياني من الله سبحانه وتعالى ليرسم للفتاة سبل الجمال.. أما الاتّجاه الآخر هو الاتّجاه الحيواني الذي يعيش في الإنسان الفاقد قيمته الإنسانية ليوهم الفتاة بطابع من الجمال لا بُدَّ أن تحذو حذوه.
في قرية نائية يعيشُ أفرادُها غيابَ الرحمة والشفقة والإنسانية والدونية واحتقاراً لعنصر المرأة وجعلها أمراً ثانوياً.. وفي تلك الأجواء المليئة بالتعقيدات وتلك البيئة التي لا تحترمُ المرأة كانت هنالك فتاتان ربّتهما أيادي القيم الإنسانية والأخلاقية من أدبِ السماء على يدَي شعيب سلام الله عليه.. القصة معروفة لديكم ولكن لا بُدَّ أن نعطيَ للمواقف حقها.
فبعد أن يقومَ موسى عليه السلام بذلك الدور الإنساني في مساعدة الفتاتين.. تأتي إليه إحداهن تمشي على استحياء.
هنا القرآن الكريم يصفُ لنا جانباً جمالياً يرتبط بالفتاة.. أَلَا وهو جانبُ الحياء.
اسألوا من حولكم من الشباب.. حتى من أولئك الشباب الحداثوي الذي يدعو إلى تحرّر المرأة.. قولوا لهم: هل تقبل بالزواج بتلك المرأة التي أعلنت انفتاحها وكنت تدعوها ليلَ نهارَ بأن تنفتحَ وتتحرّرَ.. قطعاً لن يقبل..؛ لأَنَّ قضيةَ الزواج هو ارتباطٌ بحياة مستقرة وهذا الشاب يعلم علم اليقين أنه لن يتوفر معه الاستقرار إلا مع فتاة يملؤها الحياء ولم تستجيب حتى لتلك الدعاوي التي كان يطلقها.
فتلك الدعاوى التي كان يُطلِقُها هي مِن أجلِ إشباع النزوة لا غير، ولكن عندما يتعلَّقُ الأمرُ بمصير حياة فهو يتّجهُ إلى الجمال الحقيقي، وهو الحشمة لتكونَ تلك المحتشمة التي كان يهاجمُها بالأمس هي محبوبةَ بيته اليوم.
فاللهُ سبحانه وتعالى يرسُمُ أداة الجمال للفتاة وهو الحياء.. فكم هي الفتيات اللاتي يظُنّ أن كسر الحواجز الأخلاقية هو الجمال الحقيقي وتسترسل حياتها على هذا النمط وتكتشف في الأخير أن ذلك قلّ من قدرها كفتاة.
ولا بد أن تدركوا أن الفتاةَ التي تعيشُ بعيداً عن الحشمة هي فتاةٌ تعاني من عُقدة نقصٍ واحتقارِ الذات لترممَ ما رأته ناقصاً بترك الحشمة.. فالحشمة عن قناعة مدلولٌ لقوة داخلية جبَّارة لدى الفتاة بالثقة الكاملة بنفسها.
فاليوم ومن خلال بوابة الحرب الناعمة تعيشُ الفتاة بين نزاعَين في حالة نابعة من ضعف معرفة الله والثقة بالله تعالى.. فنزاعُ المجتمع الذي يعيش نزواته فيحتقر الفتاةَ المحتشمة.. وبين عادات وتقاليد تدعوها للحشمة.. وبين ذا وذاك لم نربط مفهوم الحشمة للفتاة بمفهوم ديني قرآني يعزز الثقة في قلب الفتاة لتكونَ قويةً مطمئنة واعية تتخذ مواقفَ الحياة من حركة الوعي في العقول والوجدان.
فمفهومُ الحشمة هو مفهومٌ واسعٌ وليس ضيقاً كما يريده البعض.. فكم من فتاة تلبس اللباس الإسلامي المحتشم ولكن لسانَها بعيدٌ عن مفهوم الحشمة.. وفكرها بعيد عن مفهوم الحشمة.. وتفكيرها الداخلي أبعدُ ما يكونُ عن الحشمة.. حتى الانطلاقة من الداخل لا بُدَّ أن تكونَ طاهرةً وَفكرها طاهراً، وهذا لا يتأتى إلا بالارتباط بالله ونبيه صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم صلوات الله.