“قواعدُ اشتباك” الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان: اقتلوا الجميع!
جنود أمريكيون يتحدثون عن بعض الجرائم الوحشية التي ارتكبوها
المسيرة | تقرير
على الرغم من تأريخها الوحشي الطويل والمستمرّ المليء بالإبادات الجماعية واحتلال البلدان وقَهر الشعوب، تُصِــــرُّ الولاياتُ المتحدة على إظهار نفسها حاميةً للسلام وراعيةً للديمقراطية في العالم، مستغلةً إمْكَانيتها الإعلامية الضخمة في رسم صور ذهنية عن الإنسانية الأمريكية، سواءً بأسلوب “التطبيل المباشر”، كما هو حال الرواية الأمريكية للحرب العالمية الثانية، والتي تحرص “هوليوود” بالذات على إعادة تقديمها بشكل مستمرّ، أَو من خلال التزييف غير المباشر، كما هو حالُ جزءٍ من المواد التي تتناول مواضيعَ حرب العراق وفيتنام وغيرها في وسائل الإعلام الأمريكية، وهي تناولات تحاولُ “انتقاد” الولايات المتحدة ظاهرياً، غير أنها لا تنفكُّ عن حشر الكثير من استدعاءات التعاطف مع الجنود الأمريكيين، لتكون الخلاصة هي أن الجريمةَ كانت جزئية، يتحملها شخص واحد أَو عدة أشخاص مسؤولين فقط.
إنه تزييفٌ واضحٌ للتأريخ والواقع ومنهج مدروس لتنظيف بُقَعِ دماء الشعوب من العَلَم الأمريكي، لكي يتسنى للإدارات الأمريكية المتعاقبة الاستمرارُ بالحديث عن الديمقراطية والإنسانية و”السلام” في نفس الوقت الذي تستمر فيه بشن الحروب العسكريّة والاقتصادية وبيع الأسلحة.
كثيرةٌ هي الجوانب التي يمكنُ الحديثُ عنها بخصوص هذا “الزيف” الأمريكي الموجَّه للعالم بكثافة، والمشكلةُ لا تكمُنُ أبداً في غيابِ المصادر، فالحقيقة أن هناك الكثيرَ من الاعترافات العسكريّة والحقائق الجديرة بأن تتم استعادتُها وإبرازها والتذكير بها دائماً، حتى وإنْ تجاهلها الإعلامُ الأمريكي وشركاتُ “هوليوود” للإنتاج أَو حاولوا تقديمها بشكل ملتوٍ للتخفيف من وقع الوحشية الأمريكية، لكن المشكلة هي في التماهي مع سيطرة الإعلام الأمريكي على الأجواء، واستحواذه على الاهتمام إلى حَـدِّ أن أي شيء يتجاهله، ينسى تماماً.
كنموذجٍ بسيطٍ على ذلك، يروي مقالٌ أعده “إيرين تومبسون” عام 2008، ونشر على (NYC Indymedia) اعترافات جنود أمريكيين شاركوا في الحرب على العراق وأفغانستان. يتكلمون عن “قواعد الاشتباك” التي كان الجيش الأمريكي يعتمدها في تلك الحرب، لكن فحوى ما قالوه يبتعدُ آلاف الأميال عن أي معنى لكلمة “قواعد” إلا إذَا اعتبرنا أن “إباحةَ كُـلّ الجرائم” كانت قاعدةً من تلك القواعد، ولكننا لا نتحدثُ عن عدم التزام الولايات المتحدة بقواعدِ الاشتباك، فأيةُ قواعد تبقى بعد الاحتلال؟ إننا فقط نحاول أن نعيدَ التذكير بما فعلته واشنطن.
يبدأ المقالُ بنقل كلمة قالها الرئيس الأمريكي “جورج بوش” لمجموعة من الجنود الأمريكيين المنتشرين في أفغانستان، حيث يقول لهم: “إنها تجربة رائعة لكم في الخطوط الأمامية لمساعدة الديمقراطية الناشئة على النجاح. يجب أن تكون مثيرة بالنسبة لكم… في بعض الأحوال، تكون رومانسية”.
بعدَها يبدأ الكاتبُ باستعراض “رومانسية” الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، حيث ينقل عن الجندي السابق في البحرية “جون تيرنر” وصفَه لنشاط الجيش الأمريكي هناك بأنه “جولاتٌ مرعبةٌ من القتل بدون تمييز وتدمير الممتلكات ودس أسلحة بين المدنيين (لكي يكونَ بالإمْكَان وصفُهم بأنهم متمردون) ثم تشويهُهم بعد ذلك”.
ويروي المقالُ أَيْـضاً عن الجندي “سيرجيو كوشرين” قوله: إن “قواعد الاشتباك” التي حدّدها القادة الأمريكيون للجنود في العراق، تضمّنت “إطلاقَ النار على أي عراقي يحملُ أيَّ كيس في يده”.
سيقوم الإعلام الأمريكي بعرضِ شيء مثل هذا مُضفياً عليه، بوقاحة، الكثيرَ من مؤثرات البطولة والإنسانية كما شاهدنا في فيلم “القناص الأمريكي” الشهير، أَو سيتم عرضُه في فيلم آخر يدّعي الحياد؛ باعتباره جريمةً، لكن مع مراعاة ضرورة التعاطف مع الجندي الذي كان يطلقُ النارَ على أي عراقي يحمل كيساً في يده، أَو سيخبرك فيلم ثالث بأنه لم يكن جميع أفراد الجيش الأمريكي في العراق بهذه الوحشية وإنما كان هناك أشخاصٌ محدودون.
لكن الجندي “جيسون لميوكس” الذي خدم لثلاث جولات في المارينز، يرد في اعترافاته على هذه الجزئية قائلاً: “كل من يخبرك بأنه مختلفٌ هو كاذب وأحمق”، مضيفاً: “عندما وصلنا إلى بغداد كان بإمْكَاني إطلاقُ النار على أي شخص يقترب مني بدرجة تجعلُني غيرَ مرتاح”، كما يروي أن أحدَ الضباط القادة “أطلق النار على سيدتين مسنتين؛ لأَنَّهما تحملان مقتنياتِ البقالة”.. هذه هي قواعدُ الاشتباك الأمريكية.
وبالمثل يروي الجندي “جاسون واشبرن” قيامَ أفراد وحدته بإطلاق النار على امرأة عراقية تحملُ حقيبةَ تسوق كبيرة، مضيفاً “أحد الأشياء التي طلب منا القيام بها هو أننا إذَا قتلنا مدنياً، فيمكننا أن نلقي سلاحاً على جثته، لنجعله يبدو غيرَ مدني” وَ”إذا كان المدنيون يحملون مجرفةً أَو حقيبةً أو يحفرون في أي مكان يمكننا إطلاقُ النار عليهم ضمن قواعد الاشتباك”.
وفي تأكيد على أن الضباط الأمريكيين كانوا يعملون على تكريسِ هذه الوحشية في صفوف الجيش الأمريكي، يصف الجندي “تيرنر” قيامَه بأول عملية قتل “مؤكّـَدةٍ” أطلق فيها النار على أحد المدنيين أمام صديقه وأبيه، حيث يقول: “بعد القتل هنّأني قائدُ وحدتي شخصياً”، ويقول المقال: إن “تيرنر” كان يملك عرضاً مصوراً لعدد من المدنيين العراقيين الذي قُتلوا على أيدي فصيلته، وبين أولئك القتلى شخصٌ تم قطعُ جزء من وجهه المنفوخ على قمة خوذة جندي آخر.. “لم نحترم أجسادهم” يؤكّـد تيرنر.
ويضيفُ المقالُ أَيْـضاً أن “تيرنر” قدّم صوراً لعراقيين مدنيين قيّدهم الجيشُ الأمريكي في غرفة عند اقتحامه لأحد المنازل، وأن الجنود كانوا يتناوبون عليهم بالضرب، والخنق، مُشيراً إلى أنه هو شخصياً قام بعمل وشم كلمة “سحقاً لك” على معصمه كي يراه عندما يقومُ بخنق أي عراقي.
كانت هذه مجرد شهاداتٍ بسيطة جداً، تضمنها مقالٌ واحدٌ نُشِرَ قبلَ أكثرَ من عشر سنوات، وربما لم يَنَلْ أية شهرة وقتَها وسط الضجيج الأمريكي عن الحرية والديمقراطية والسلام. إنها مجرَّدُ نماذجَ للحكايات التي عاد بها كُـلُّ الجنود الأمريكيين من العراق وأفغانستان وفيتنام وغيرها، والتي سيعودون بها من أي بلد يتواجدون فيه على الكوكب، دائماً، فلا بطولات ولا إنسانية ولا أي شيء آخر سوى الوحشية المغطاة باسم “قواعد اشتباك” في حروب غطيت هي أَيْـضاً بشعارات أُخرى برَّاقة، ونحن لا نتكلم هنا عن أية “تصرفات فردية”، كما سيحاول الإعلام الأمريكي أن يقول لك، إنه الجيش الأمريكي ببساطة، وهذه هي أمريكا.