توازن الردع الثالثة أم تفوُّق الردع الأولى؟!
منير الشامي
وفي ينبُع تقدمت اثنتا عشرة طائرة من طراز صمّاد ٣، لتعلنَ لنظامِ الرياض إعلاناً رسمياً عن سحب مبادرة الرئيس المشّاط، ساعية لتكون أول من يزف البشرى للشعب اليمني بهذا الحدث، إلّا أن الغيرةَ من القوة الصاروخية كانت للطيران المسيّر بالمرصاد، فلم تستطع صبراً ولم تتحمّل أن يحظى الطيرانُ المسيّر بهذا الشرف العظيم، وأصرت إلّا المشاركة في هذا الحدث، مستغلةً له لتعلن وعبر مشاركتها بصاروخين من طراز قدس المجنح، وتزف البشرى عبر مشاركتها بصاروخ باليستي من منظومة باليستية جديدة، هي منظومة ذو الفقار طويلة المدى.
وصلت الطائراتُ المسيّرةُ إلى أجواء ينبع، وتفاجأت بوصول الصواريخ الثلاثة في ذات اللحظة، وفي ظلِّ المنافسة الشرسة بينهما، أسرعت الطائراتُ المسيّرة محاولةً أن تصلَ إلى أهدافها قبل الصواريخ، وكذلك كان ردة فعل الصواريخ، فوصلت جميعُها في لحظة واحدة، كلٌّ منها قد علم صلاته وتسبيحه، وهدفه وبُغيته، وقصفت خمسة عشر هدفاً حساساً في أكبر منطقة صناعية نفطية في العالم بمدينة ينبع الصناعية التابعة لشركة أرامكو السعودية، لتصنع مجتمعةً العملية الثالثة من عمليات توازن الردع.
تأتي هذه العملية بعد مرور خمسة أشهر كاملة من إعلان مبادرة فخامة الرئيس المشّاط، ما يؤكّـد أن قيادتنا الثورية الحكيمة منحت نظامَ الرياض فترةً طويلة لعلها تبادر إلى التعامل الإيجابي مع المبادرة، والذي تعامى بحماقته المعهودة عن فرصة ذهبية ربما لن تكرّرَ أمامه مرة أُخرى، وعليه أن يتحمّلَ مسؤولية تفويت هذه الفرصة، وقبول نتائج حماقته واستغبائه.
هدفُ هذه العملية كان هدفاً نوعياً، وهو من ضمن الأهداف الستة الاستراتيجية المعلن عنها سابقاً، وتمثل بأكبر مدينة صناعية للنفط ومشتقاته في العالم، ما يعني أن الضربةَ موجهةٌ لشل عصب الاقتصاد السعودي.
أهميّة الهدف الحيوي هذا وحجمه وتكلفته، يؤكّـد أنه من المفترض أن يكون مؤمناً تأميناً كاملاً، ووفق أعلى مستويات الحماية وطبقاً لخطوط حماية متعددة، ومتباعدة، وهذا أمر مؤكّـد، إلّا أن جميعَ خطوط الحماية فشلت في استهداف الطائرات المسيّرة والصواريخ، ونجحت جميعها في تجاوز خطوط الدفاع والمنتشرة على طول الأراضي السعودية، وقطعت مئاتِ الكيلومترات في أعماق الأراضي السعودية، مسببةً لنظام الرياض خيبة الأمل ومؤكّـدة له بأنها صُمّمت بمواصفات عالية وقادرة على تجاوز كافة منظومات الدفاع الأمريكية، والفرنسية، واليونانية، والصهيونية التي كثّـف من تواجدها نظام الرياض ووسع دائرة انتشارها بعد عملية الرابع عشر من سبتمبر الماضي.
وصول طائرات صمّاد٣ والصواريخ إلى أهدافها بمدينة ينبع، وقصفها لأهدافها بنجاح نوعي، يؤكّـد لنظام الرياض أنه مهما أنفق ومهما استجلب من منظومات دفاعية، فإنه لن ينجحَ أبداً في حماية منشآته العسكرية والاقتصادية، ولم يعد لديه أيُّ خيارٍ متاح لحماية منشآته سوى خيار واحد، هو إيقاف عدوانه فوراً دون قيد أَو شرط، كما يجب عليه أن يتذكر أنه في الوقت الذي يتضاعف فيه فشلُه في استهداف أية طائرة مسيّرة أَو صاروخ يمني، فإن نجاحَ قوات الدفاع اليمنية يتضاعفُ في استهداف جميع طائراته الحربية الحديثة بمختلف أنواعها وأحجامها المسيّرة وغير المسيّرة، ومشاهد إسقاط طائرة التورنيدو وما سبقها من مشاهد توثيقية لإسقاط طائرات سابقة فيه، من العظة والعبرة ما يكفي ليفيق نظام الرياض من سكرته، ويخرج من حماقته وغبائه، ليقرَّ بحقيقة الأحداث على أرض الواقع، وعليه أن يدركَ أن ما سيتم الكشفُ عنه من منظومات دفاع جوي يمنية جديدة في قادم الأيّام أكثر تطوراً وكفاءةً مما يملكه ويستأجره من منظومات غربية وصهيونية.
نفذت هذه العملية متزامنة مع زيارة وزير الخارجية الأمريكية بومبيو، ولهدف مدروس الغرض منه أن يفهم نظامُ الرياض أن أمريكا عاجزةٌ عن حماية المنشآت السعودية، عجزاً كليًّا وأن يدرك أَيْـضاً المعادلة الجديدة التي تفرضها القيادةُ اليمنية، هي أن الأمن والاستقرار السعودي مقابل الأمن والاستقرار اليمني، ما يعني ويؤكّـد أن السعودية من تاريخ هذه العملية لن ترى استقراراً ولا أمناً طالما ظلّت مستمرّةً في عدوانها وإجرامها.
نجاح عملية توازن الردع الثالثة يجعل منها في الواقع العملية الأولى من عمليات التفوق في الردع، وعلى نظامِ الرياض أن يرجعَ إلى تحذيرات قائد الثورة في خطاباته الأخيرة، ويراجعها حرفاً حرفاً ليدرك أن العملياتِ في قادم الأيّام في حال استمرار عدوانه، ستكون أيام جحيم عليه، وعليه أن يحذر دخولها؛ لأنها إن دخلت فقد يرجم بما لا يسلم.
أتت هذه العمليةُ كما أكّـده كلٌّ من الناطق الرسمي لوزارة الدفاع، والأستاذ محمد عبدالسلام -رئيس الوفد الوطني المفاوض-، في سياق حقِّ الرد الطبيعي والمشروع على استمرار العدوان وجرائمه، وكردٍّ على مجزرة العدوان الأخيرة في محافظة الجوف، ما يفرض على نظام الرياض أن يعلم جيَدًا أن دماء اليمنيين أغلى من نفطه وثرواته، وأن كُـلَّ اعتداء جديد يرتكبه أَو مجزرة يقدم عليها، فإنه سيعقبها ردٌّ قاسٍ وعملية موجعة، أشد وأنكى من سابقتها.
عملية توازن الردع الثالثة تؤكّـد لنظام الرياض تنامياً متصاعداً في العمليات القادمة، وأن عمليات الاستهداف في قادم الأيّام ستتحول من مرحلة الاستهداف الجزئي للأهداف إلى مرحلة الاستهداف الكلي والشامل، وأن هذه العملية هي العملية الأخيرة من عمليات الاستهداف الجزئي.
الجديد في هذه العملية أن نظامَ الرياض اعترف بلسان ناطقه الرسمي أن الطائرات والصواريخ أُطلقت من صنعاء، وأن صنعاء أصبحت مصدراً للصواريخ والمسيّر المستهدفة للسعودية، فلم يصفها بأنها إيرانية كما فعل في العملية السابقة لها، وخفض من سقف تهمته، ليعترف أنها انطلقت من الأراضي اليمنية لكنها إيرانية جُمعت في ورش في اليمن وجاءت مهربةً من إيران، ليظهرَ زيفُ دجله وزور بهتانه أمام العالم الذي يعلم استحالةَ إدخال طلقة مهربة إلى اليمن في ظل الحصار المطبق براً وبحراً وجواً، والمنفذ بمختلف الوسائل التكنلوجية الحديثة وبمشاركة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
فهل يفيق نظامُ الرياض قبل فوات الأوان، أم لا؟