منظومات الدفاع الجوي: إنجازٌ عسكري يقف على أرضية سياسية متماسكة
بين تفكك معسكر العدوان وصلابة الجبهة الداخلية المناهضة له
المسيرة | ضرار الطيب
فتح إعلانُ القوات المسلحة عن أربع منظومات دفاع جوي، أمس الأول، بوابةً إلى واقعٍ جديدٍ، تختلفُ فيه كافةُ معادلات المواجهة عما كانت عليه من قبلُ، فإلى جانب إضافة هذه الأسلحة الاستراتيجية إلى ترسانة الجيش واللجان الشعبيّة (بما يمثله ذلك من رعب على تحالف العدوان) كان هناك تماسكٌ واضحٌ في العلاقة بين الإنجاز العسكري المعلَن وبين القاعدة السياسية والأمنية الصلبة التي وقف عليها، الأمر الذي جعل الإنجاز يتجاوز حدوده التقنية والعسكرية، ليصبح انعطافةً جذريةً في معركة مواجهة العدوان على كُـلِّ الأصعدة.
في افتتاح معرض الشهيد “المهرِّم” للدفاعات الجوية، لوحظ حضور كبير لقيادات الدولة الدستورية والسياسية والعسكرية، الأمر الذي مثّل مظهراً لوحدة مكونات سلطة صنعاء، واجتماعها على قاعدة وطنية ثابتة، وهو ما لا يستطيعُ المتابِعُ تجاهلَه بالنظر إلى كمية الجهود التي بذلها تحالف العدوان خلال الفترات الماضية لإحداث شروخ وخلافات داخل هذه السلطة، أَو حتى لإظهار انقسام لا يوجد في الحقيقة، وقد كشفت العملية الأمنية الكبيرة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية مؤخّراً باسم “فأحبط أعمالهم” أن العدوّ قد أقر بشكل واضح بفشله في تحقيق أي إنجاز، وأن أملَه الوحيد هو إحداث اختراق في الجبهة الداخلية.
لقد كان تواجُدُ جميع أولئك القادة والمسؤولين في معرض الشهيد المهرم؛ تتويجاً لنجاح سلطة “صنعاء” في التغلب على جميع العوائق التي أراد العدوان أن تحول بينها وبين أن تكونَ “دولة” حقيقية، فما شاهدناه بالأمس في ذلك المعرض لم يكن استعراضاً لإنجاز خاص بجماعة معينة دأب العدوان على وصفها بالمليشيا، بل كان احتفالاً بنهضة غير مسبوقة لمؤسّسة سيادية في دولة متماسكة ومستقلة القرار، ويعرف العدوان جيِّدًا ماذا يعني بروزَ مفهوم الدولة المتماسكة الذي تجسده صنعاء اليوم، وبالذات في هذه المرحلة التي يعيشُ فيها “التحالف” وأتباعه وضعا مزريا من التفرق والخلافات الداخلية والصراعات البينية.
وعندما نضع هذا التماسك الداخلي كمعطى في المعادلة العسكرية، نستطيع أن نرى الكشف عن منظومات الدفاع الجوي، كقرار (سياسي عسكري) يعكس تطورا وتنسيقا متكاملا وفعالا بين جميع آليات معركة مواجهة العدوان، فبالنظر إلى توقيت إعلان هذه المنظومات، نجد أنه يأتي في وسط سلسلة إنجازات عسكرية وأمنية كبيرة، تزامنت هي الأُخرى مع جو سياسي تم تهيئته بذكاء من خلال “مبادرة الرئيس المشّاط”، وَإذَا ما قمنا بتحليل هذه العناصر الثلاثة (الإنجازات العسكرية، والأمنية، والمبادرة) نجد أن كلاً منها قد أسهم بشكل مباشر في إنجاح الآخر.
فمثلاً، عملية “البنيان المرصوص” الواسعة التي مثّلت أكبر تحول ميداني في مسار المعركة البرية، وعلى الرغم من أنها مثّلت بالجملة إنجازاً عسكرياً، إلا أنه لا يمكن إغفالُ صلابة الغطاء السياسي الذي تمتع به هذا الإنجاز، وكذا الغطاء الأمني، فسياسياً، كانت مبادرةُ الرئيس تقف بوجه العدوان كلما حاول تصعيد غاراته؛ لأَنَّه يعلمُ جيِّدًا الثمن الذي سيدفعه وقد تم إرسال رسائل عملية واضحة بذلك من خلال الرد على الغارات التي شنها طيران العدوان أثناء تنفيذ العملية، ومن الناحية الأمنية، كان القبض على خلايا العدوان عاملا فعالا أَيْـضاً في ضمان عدم تمكن العدوان من إحداث أي خرق أَو تشتيت قد يعيق التقدم.
لم يعد ضعف العدوان أمام تعاظم قدرات “صنعاء” خفياً، وخصوصاً في هذا التوقيت الذي بات فيه التنسيق العسكري والسياسي والأمني في أنجح أطواره، ففي مراحل سابقة كان ليبحثَ عن إدانات واستنكارات دولية بعد عملية مثل “توازن الردع الثالثة”، لكنه اليوم يلعق جراحه بصمت؛ لأَنَّه يعرف أن موقف صنعاء سياسيا وعسكريا بات أكبر من أن يواجه بحماقة.
من هنا، يمكن قراءة دخول منظومات الدفاع الجوي في خط المواجهة بشكل أوضح، من خلال ما تمثله من إضافة عسكرية لمرحلة باتت جميع العمليات الدفاعية والهجومية فيها من العيار الثقيل، وما تمثله هذه الإضافة من قوة لخط الدفاع المتماسك والمترابط عسكريا وسياسيا، وكذا من خلال خيارات العدوان التي باتت الآن أضيقَ من أي وقت مضى بعد فتح جبهة الدفاع الجوي.
لقد ظل العدوان يتهاوى ويتفكك ويضعُفُ طيلة خمس سنوات، وكان يأمل أنه سيستطيعُ النهوضَ مرة واحدة وبشكل مفاجئ، بإحداث خرق كبير في الجبهة الداخلية، أَو بالحصول على تصعيد دولي كبير يؤازره، لكن على الجانب الآخر كانت صنعاء تلم صفوفها وتوحد اتّجاهها وتطور قدراتها في سباق مع الزمن، وبحلول الوقت الذي كان العدوان قد قرّر فيه أن يلجأ إلى خيارَيه الاضطراريين، تلقى الضربة من عدة اتّجاهات، فلم ينجح في اختراق الجبهة الداخلية، ولم ينفعه المجتمع الدولي، والأقسى من ذلك بالنسبة له أنه وجد صنعاء وقد باتت تمتلك قدراتٍ أكبرَ بكثير مما كانت تمتلكه عندما كان “التحالف” في ذروة غروره.
لذلك، ليس من المستغرَبِ أبداً أن يبذُلَ العدوان اليوم جهداً كَبيراً لمحاولة التقليل من شأن الدفاعات الجوية اليمنية، وقد ظهر ذلك بشكل جلي من خلال الخطوة الطفولية التي قام بها بالتزامن مع افتتاح معرض الشهيد المهرِّم، والتي تمثلت بشن غارات عبثية على صنعاء، فقط ليمنحَ إعلامَه ونشطاءه مدخلاً لأَنْ يقللوا من شأن المعرض وما تضمنه، لكن تلك المحاولات قد تم الرد عليها مسبقاً، قبل الإعلان بيوم، من خلال عملية التصدي النوعية التي نفّذتها منظومةُ “فاطر” وقبل ذلك، عند إسقاط مقاتلة الـ”تورنيدو”، وقبله عندما شاركت الدفاعات الجوية في عمليتَي “البنيان المرصوص” وَ”نصر من الله”، وستأتي ردودٌ أكبرُ خلال المرحلة القادمة.