مجموعة العشرين: قمة حمائية جديدة
عبدالحميد الغرباني
في أوّلِ قمةٍ لمجموعةِ العشرين، كانت الأزمةُ الماليةُ العالميةُ قد هيمنت على جدولِ أعمالها، وَمن عامٍ لآخرَ كانت قمم هذا النادي الاقتصادي تغرقُ في بحث قضايا عالمية عدة، بيد أنها لم تنجح في إنتاج سياسات عالمية تعالج التحديات التي تواجه البشريةَ؛ بفعلِ تورّط أبرز أعضاء مجموعة العشرين في صنع مشاكل وهموم العالم ومعاظمة مخاطرها، كما هو الحال مع النظامِ السعودي الذي يضع قمةَ العشرين في العام العشرين من الألفية الثالثة، أمام تحدٍّ حقيقي ومعضلة جديدة، تحاول هذه السطورُ طرْقَها وتوضح علاقةَ اليمن بها والسبيل لتجنبها، وكيف تحتاجُ قمةُ العشرين المرتقبة في الرياض لضوء أخضرَ يمني لعقدها، أَو قل على الأقل لتوفير مناخ ملائم لذلك..
بين تأمين إمدادات الطاقة وانعقاد القمة:
منذُ أكثر من عامٍ تُحضّر السعوديةُ لقمة العشرين المقرّر عقدُها في نوفمبر من هذا العام، وقد سعت السعوديةُ مذ وقت مبكر لتهيئة الأجواء المحيطة وتأمين استضافة متناسبة، من خلال التقاطها السريع لمبادرة الرئيس المشّاط وقبولها معادلة وقف الغارات الجوية مقابلَ وقف عمليات القوة الصاروخية وَالطيران المسيّر قبيل أن تخرق الاتّفاقَ غيرَ المعلن، وتضيّق قنوات الحوار والتفاوض، وتتفاجأ بسقف الردِّ اليمني وقوته في عملية توازن الردع الثالثة، ويتأكّـد بنُ سلمان عملياً أن سخونةَ المواجهة ليس في صالحِ سلطته، ولا يأمن لها عقد قمة العشرين، وهذا بالضبط ما يفرض عليه انحناءة جديدة أمام اليمن والعودة للحل الذي تفرضه المبادرةُ اليمنيةُ في السياسة والميدان، وهذا هو الضوءُ الأخضر اليمني الذي أثرناه في صدر هذه المقالة، والسعودية إن نجحت في تأمين ذلك واللعب على عامل الوقت والمراوغة، تضع إمدادات الطاقة في مرمى نيران المحاصرين والمعتدى عليهم ظلماً وعدواناً، وهكذا فالنظامُ السعوديُّ يُعرّض ما هو أهم من تأمين انعقاد اجتماعات وتحضيرات قمة العشرين لخطرٍ دائمٍ، وبالتالي فهذه هي المعضلة الحقيقية أمام قمة العشرين أَو قل المهمة التي يجب أن تسبق انعقاد القمة لطمأنة التجارة الدولية والاستثمار العالمي وَأسواق الأسهم العالمية..
وإذا لم يكن فهي ما يجبُ أن يسيطرَ على جدولِ أعمال رؤساء دول وحكومات 20 من القوى العالمية، التي تُشكّل 85% من إجمالي الناتج في العالم وثلثي سكانه و75% من تجارته الدولية و80% من الاستثمارات العالمية..
أم أن السعوديةَ تُحضّر لانعقاد القمة، لتكرار مطالبتها الدول المشاركة في مجموعة العشرين حماية إمدادات الطاقة القادمة منها، كما فعلت واشنطن في قمة العام الماضي حين طالبت المجتمعين بحماية إمدادات الطاقة القادمة من الخليج..
حتى هذا الأمر غيرُ متاحٍ، فالسعوديةُ عملياً فعلت ذلك عبر شراء أحدث منظومات الحماية والدفاع الأمريكية والأوربية، فتبين لها غير مرة وتبين للعالم هشاشتها وشاهد الجميعُ تهديدَ قطع إمدادات النفط، وهو يطالها في منشآتها بالسعودية وليس في طرق الملاحة الدولية..
تهديدات تقوّض الدور السعودي:
في ظلِّ هذه التهديدات التي تواجهها الرياضُ، من الصعوبةِ جِـدًّا الحديثُ عن آفاق الدور السعودي في صياغة النظام الاقتصادي، وأكثرُ من ذلك يمكن القولُ إن استضافةَ السعودية للقمة منعدمُ القيمة، في ظل تهديدات مفتوحة حتماً أن تداعياتِها ستطال اقتصادات العالم أجمع، وأن السعوديةَ سببُ ذلك بالشراكة مع أمريكا وبريطانيا وغيرها؛ بفعلِ استمرار السياسة العدائية تجاه اليمن، ومن حاله هكذا لا يمكن وصفُ نفسه برمانة الميزان، بل سيكون مصدرَ اختلال توازن سوق الطاقة الدولي، بوصفه أهمَّ الساعين في دروب تدمير البلدان وتقتيل الشعوب والرافض لآلية الحماية الناجعة له ولإمدادات الطاقة، وهذه الآليةُ الوحيدةُ هي ترك اليمن وشأنه ووقف العدوان عليه ورفع الحصار عنه، وتعويضه كلياً عن كُـلِّ ما لحقه من تداعيات وطاله من خسائرَ..
فهل يحصل ذلك قبيل مجيء نوفمبر، أم تواصل قوى العدوان اللعبَ على عاملِ الوقت وَالمراوغة والمماطلة وعرقلة الحل الشامل الذي يرتضيه الشعبُ اليمنيُّ..
لا شكَّ أن السعوديةَ راهناً في فسحة من أمرها، وفي متناولها أن تجعلَ قمةَ الرياض (قمة حمائية جديدة) بالنسبة لها وَلغيرها في العالم، وَليس كما فعلت أمريكا في قمة العام الماضي باليابان، بعد فرضها السياسات الحمائية على الصين، فهل ستكون قمةُ الرياض قمةً حمائية جديدة.. الكرة في ملعب مجموعة العشرين مجتمعةً وليس السعودية فقط..