قراءة أولية في خطاب السيد القائد.. مقامات الذكرى في سياق النهوض بالأمة
الإيمان بين المفهوم الأعرابي وبركة الهُوية الإيمانية
علي المؤيد
بمناسبةِ العيد الإسلامي اليماني الفريد؛ وباعتبارها محطةً تاريخيةً مفصليةً في إطلاق وَتأسيس جوهر الهُوية الإِيْمَانية اليمانية، يعاود السيدُ القائد -يحفظه الله- توجيه دفة الاهتمام العام صوب القضايا المحورية الكبرى، من خلال التذكيرِ بأصالة وعظمة ومصداقية الانتماء الإِيْمَاني الباذخ وإثراء المشهد الفكري والثقافي وَالتربوي بالمزيد من الكنوز الدلالية؛ حرصاً على تجديد عرى الذكرى وعنونة التفاصيل وإبرازها كرافدٍ حيويٍّ يُسهم في ترسيخ الأسس المنهجية الصائبة، وفي استذكار وَترجمة الدوافع والمواقف الصادقة باتّجاه العمل والتحَرّك في ضوء ما يجود به القائدُ الفذ باتّجاه التبيين الإضافي لطبيعة الدور -الاستثنائي المستدام- المنوط باليمانيين، وبالصورة التي يتكامل فيها مستوى التحَرّك المطلوب مع قدسية وعدالة القضية المرتبطة بجودة مخرجات المنظومة الإِيْمَانية الحقة ذات المفاهيم المناقضة تماماً لنتائج وطبيعة “الإِيْمَان العابر” وفقاً للمفهوم الأعرابي الفج، الهزيل موقفاً، والشحيح عطاءً، والأضعف من ناحية توليد الدوافع المحركة، ووصولاً إلى وجبة روحية من “الوعي” النقي -وهو صلب الحديث ولُبُّ الموضوع-.
يُجدّد السيد -يحفظه الله- تأكيدَه على الأهميّة المطلقة للإِيْمَان الصحيح، كحاجة إنسانية ذات أولوية قصوى للأخذ بأسباب الاستخلاف الوجودي على الوجه الأكمل، خُصوصاً في ظلِّ شراسة الاستهداف الثقافي والفكري والاجتماعي وغير ذلك؛ ولذلك ومن منطلق المسؤولية الدينية يحرص القائدُ باستمرارٍ على تجديدِ عُرى الوعي الفاعل والتنبيه لمستويات ودرجات المخاطر المحيطة بالأمة، حين يتحدّث رافعاً لواءَ الدعوة الكبرى وراية النهضة الحضارية المأمولة، ويحث الخطى نحوَ التغيير في الصيغة المعرفية الأرقى، وباتّجاه الحياة في أبهى غاياتها الفطرية وَالحقيقية، في ظلِّ معية الله ورعايته وكرم عنايته -وَإلي بلوغ مرتبة استحقاقها كذلك-، يحمل القائدُ رايةَ الصحوة الشاملة في مواجهة النسيان والغفلة واليأس والمعاناة والضياع والإخفاق، راية تصلُ إلى عنانِ المعنويات الشاهقة وإيقاد الهمم الخافتة السطوع وبغية استنهاض مجمل ما تبقى الذهنية المجتمعية الخاملة.
وهي في أَسَاسها دعوةٌ نابعةٌ عن آياتِ القرآن الكريم ورشد المشروع القرآني العالمي، كلمات من القلب تدعو الأمة فرداً فرداً إلى عالم من السكينة والطمأنينة والتجليات الروحية الفاعلة، دعوة إلى إحياء العالم الأكبر الكامن في كُـلِّ النفوس، حيث انطوى العالم الأكبر بروحيه معمورة بساطع الإِيْمَان، وَأساطينه الصلة بالله، وسقفه وأرضه وجدرانه عناصر القوة الإِيْمَانية، فيما المسؤولية الدينية أشبه ما تكون بفضاء ذلك العالم الذي يلمس الجميعُ مقدارَ حرص القائد على توطيد عوامل انبعاثه في النفوس، فاعلاً مستقلاً واعياً مستبصراً يقظاً متميزاً بخصوصية هُويته الإِيْمَانية الهائلة، وإلا فسيظلُّ مطموراً تحت ركام الكسل والتخاذل والضعف والفشل والانهيار والتيه في صحراء التبعية المذلة تحت رحمة الأعداء وَالطواغيت، وفي ظلِّ ديمومة الصراع والمواجهة -مع عدوٍّ يمتلك من الإمْكَانات المادية والتقنية والتضليلية الكثير- تصبح الحاجةُ إلى الأخذ بمصادر وعوامل القوة والعزة مرادفاً موضوعياً للوجود الإنساني بحدِّ ذاته وَللمصير برمته والحياة بأجمعها، يعرف ذلك كُـلُّ من يسمع ويرى بقلبه وعيونه مضمون إطلالة السيد القائد المخلص، وَيدرك ذلك كُـلُّ من يلمس في خطاباته مقدارَ اهتمامه المستمر بتذكير وتوعية وتثقيف الجميع، يفتح بالمنطق القرآني السديد أبواب الحقائق على مصراعيها لتدخل الأمةُ عصرَ التفوق والقوة ومواجهة التحديات بكفاءة وفاعلية متصاعدة بالاعتماد على الله والتوكل عليه، مستشهداً بجدوائية ترسيخ الانتماء الإِيْمَاني وإرساء الهُوية الإِيْمَانية الدافعة على مسار الحق بعد انقضاء نصف عقد من سنين العدوان الغاشم.
وعلى النقيضِ من الأمثلة المرتبطة بما يحقّقه الإِيْمَان والانتماء الإِيْمَاني، يعود السيّدُ -يحفظه الله- لسرد عددٍ من مفردات وجزئيات وأمثلة الهوان والذل والعبودية للطواغيت وعلى رأسها أمريكا -التي لم تكن فقط تسعى لإضعاف الأمة اليمانية فقط بل وتعبيدها لها- بدءاً من السلطة الشاملة والصلاحيات الشاسعة التي كان يتمتع بها السفيرُ الأمريكيُّ في صنعاء، وانتهاءً بمؤامرة تدمير بعض منظومات أسلحة الدفاع الجوي النوعية والصواريخ البالسيتية، ولولا ثورةُ الـ 21 من سبتمبر المباركة لكانت تلك القوة “القومية” الاستراتيجية في خبر كان، ويتضح الفرث الهائل من خلال مقارنة سريعة بين أولئك من عبيد العبيد، والمجاهدين من رجال الحق والحقيقة الذين صنعوا أسلحةً فتاكةً بفضل الله من بقايا سلاح قديم أكل عليه صدأ المخازن وشرب، وكلُّ ذلك وغيره الكثير والكثير مما لم يكن ليتحقّق إلا ببركة الهُوية الإِيْمَانية، وحول هذا المعنى تكمن مدركات الفحوى، ومسارات تعزيز مقتضيات الهُوية الإِيْمَانية؛ باعتبارها وقوداً لا ينضب وأداة معنوية فائقة المردود في حالِ اكتمالِ سياقاتها الواقعة ضمن سلسلة من المصاديق العملية التي تبلور الإرادة الصلبة الضرورية، وتعمل على ترجمة المواقف الصادقة نصرةً لعدالة القضية الوجودية بحدِّ ذاتها، وانتصاراً لإنسانية الإنسان، لينتهي ذلك المشوار الآدمي -بمنظوره الأوسع- عند سدرة منتهى البقاء الأبدي تحت ظِلٍّ وارفٍ يبدأ هناك بـ “الحمد لله”، هناك، حيث لا ينتهي كُـلُّ ما هو خير إلا ليبدأ، أَو من لم يكن بمعزل عن المفهوم الأعرابي والإِيْمَان البراق الأجوف والفاشل فثمة نهاية أُخرى، هي هناك على النقيض المصيري تماماً، حيث لا تنتهي فيها منظومة الخسران الأكبر إلا لتبدأ من جديد.