الهُــوِيةُ الإِيمانية.. اختيارٌ إلهي وتشريفٌ ربّاني
عباس حسين حميد الدين
لله في ملكوته ما شاء وَيشاء؛ ولذا فإن له عزَّ وجلَّ كاملَ التصرف وكل الصلاحيات، وهو سبحانه العليم بما يصلح حال ملكوته وأحوال مملوكيه..
هناك قرارات واختيارات للملك العظيم، لا بُدَّ من التسليم والقبول والسمع والطاعة حيالها، ولا مجالَ -ولو بقيد أنملة- لنقاشها أَو التتأتُت أَو المراوغة أَو حتى التسويف إزاءَها.
فإما التسليم والظفر برضى الله وجني الخير والفوز بالجنة، وإما الرفض والعصيان يليه سخطُ الجبّار وتلقي الشر والولوج بجهنم وساءت مصيراً.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، اختيار المولى عز وجل لأبينا آدم -عليه السَّلامُ- كان قراراً واختياراً، اختيار المولى لرسله وأنبيائه كان قراراً واختياراً، اختياره سبحانه لمكة والمدينة والقدس أَيْـضاً كان قراراً واختياراً، اختياره لأوليائه وأنصاره وجنده كذلك يعد قراراً واختياراً، واختياره لليمن وأهل اليمن بأن يكونوا أنصاراً له ولدينه ولرسوله ولأوليائه هو اختيار وقرار.
وعليه وبشهادة التاريخ وشواهد الأحداث المتعاقبة المتتالية، يتضح جلياً أن كُـلَّ من سلم بتلك القرارات واستجاب لله وسمع وأطاع، قد فاز وفلح ونال الرضى وحصد العزة والكرامة وقطف النصر والسؤدد ووهب التمكين وكُوفئ بنعيمي الدنيا والآخرة.
وفي الجانب الآخر أَيْـضاً، يظهر بوضوح مدى الذل والهوان والضعف الذي وصل إليه كُـلُّ الذين رفضوا قرارات الله ومشيئته، وعصوا توجيهاته وأخذتهم العزة بالإثم، وسلكوا مسلك إبليس اللعين الذي يعد أول من ارتكب معصية العصيان والكبر والرفض، فكان وما يزال وسيبقى هو وأتباعه عظة وعبرة لمصير كُـلّ الرافضين العاصين لله ولتوجيهاته.
الأمثلة كثيرة ومتعدّدة ولا ينكرها أحد ولا يختلف عليها اثنان، بيد أنني سأذكر مثالين فقط:
الأول: مصير قريش وما آل إليه حالُها بعد أن تنكّرت للصادق الأمين والسراج المنير محمد -صلوات الله وسلامه عليه وآله-، فبعد أن كانت ذات شأن وذات صيت بكل بقاع الأرض، غدت ذليلةً مهانة ليس لرفضها لاختيار الله فحسب، بل ولتصدرها موقف العداء لنبي الله الخاتم الذي كان اختياره شرفاً لها لا يضاهيه شرفٌ، وفخراً ليس كمثله فخر.
الثاني: حال الأوس والخزرج، والفارق الكبير الذي غدو عليه بعد ذلك الذي كانوا عليه، تحوّلوا من حالة القتل والاقتتال لسنوات وسنوات إلى حالة الإخاء المنقطعة النظير، بل وأصبح مجتمعُهم مجتمعاً حاضناً لدين الله ولنبيه ولعباده المؤمنين، الأعظمُ من ذلك هو النيل والظفر بوسام الله، فكانوا أنصاره وأنصار رسوله وشاع صيتهم وقويت شكيمتهم، وحصلوا على شرف السابقين في بناء دعائم الدين وانطلاقته وتعزيزه؛ لهذا… فلب الحديث يكمن هنا.
نحن أبناء اليمن أحفاد الأوس والخزرج أحفاد الأنصار أهل الإِيْمَان والحكمة، من اختارهم اللهُ ورسوله لنصرة دينه ورسوله، واختار لهم هُــوِيَّتهم دون سائر الأمم والشعوب، الهُــوِيَّة الإِيْمَانية، الاختيار والقرار الذي أمر اللهُ به رسوله ووجهه بأن يبلغ به ويعلن عنه، فالنبي -صلوات الله وسلامه عليه وآله- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحي يوحى.
وطالما أن هذا هو قرار الملك العظيم وتوجيهاته، فيتحتم علينا أن نسمعَ ونطيعَ وأن نجسد هذه الهُــوِيَّة تجسيداً عملياً في كُـلِّ تفاصيل حياتنا الشخصية والأسرية والمجتمعية وعلى مستوى البلد وكل الأُمَّــة، وعلينا أن نعلمَ أن أيَّ انحراف عن هذا هو عصيان ورفض لهذا الاختيار والقرار لا يقل شأناً عن رفض إبليس وأتباعه لكل قرارات الله وتوجيهاته، بدءاً بالسجود لأبينا آدم وصولاً لرفض بعض الأمم للأنبياء والرسل الذين اختارهم اللهُ وأرسلهم إليها، انتهاءً بقريش وعتاولتها.
أخيراً، سنن الله في الكون تؤكّـد أنه طالما تمسك أهل اليمن بهُــوِيَّتهم التي هي اختيار وتشريف إلهي، سيكون لهم النصر والمكانة والتمكين، وَإذَا تم التفريط فيها فالعاقبة وخيمة وسيسلط اللهُ علينا من لا يرحمنا.
واختم بالاستدلال على ذلك بالتذكير عن مسألة حدثت أثناء استحواذ الأنظمة السابقة على قيادة البلد وتسلطها على رقاب العباد، وكما أنها مسألة مضحكة إلّا أنها أَيْـضاً عظة، أتتذكرون معي ذلك السعي الحثيث المضني المتواصل من قبل النظام السابق على نيل الموافقة من قبل دويلات الخليج بضم اليمن لمجلس الدول الخليجية؟!
حينها كان ذلك النظام على استعدادٍ لتقديم كُـلّ التنازلات، بل وللتنازل عن كُـلّ ما هو غالٍ بهذا البلد، وقد حدث بالفعل وكله؛ من أجل أن نصبح أعراباً كالأعراب، أرأيتم الكارثة أرأيتم الفاجعة؟!
نسعى إلى أن نُغيّر هُــوِيَّتنا الإِيْمَانية، الهُــوِيَّة التي اختارها الله ورسوله لنا إلى هُــوِيَّة حط الله من شأنها بكتابه الكريم هُــوِيَّة الأعراب، قالت الأعراب آمنا، ووصفها رسولُ الله -صلوات الله وسلامه عليه وآله- بقرن الشيطان.
حينها حلّت علينا المصائبُ وعشعش البؤسُ وسكن الهوانُ واستقر الظلم وتسلط علينا أراذل القوم وأسوأ الخلق، بل وبدلاً عن أن تقبلنا تلك الدويلات الأعرابية بأن نكون أعراباً مثلها، قامت بالاعتداء علينا وحصارنا وتنفيذ أبشع مشروع إبادة بحق أشرف وأقدس الشعوب!.
هذه هي النتيجة وهذا هو حال من يعصي اللهَ ويرفض توجيهاته، ويتنكر لنعمته ويجحد بفضله ويتخذ سبيلاً غير الذي اختاره له.
ولكن انظروا كيف أننا عندما عُدنا إلى هُــوِيَّتنا الحقيقية، الهُــوِيَّة التي اختارها اللهُ ورسوله لنا، شاهدوا كيف أنعم اللهُ علينا بقيادة ربانية مؤمنة وبتأييد إلهي كبير، وبعناية ربانية واسعة تجلّت في ميادين الإباء وجبهات العزة وثغور الكرامة، تكللت عزة وكرامة وإباء وشموخاً وحرية واستقلالاً، رغم حجم التكالب الذي علينا وهول الحقد والإصرار على إبادتنا وبشاعة الجرائم التي تُرتكب من قوى عدوان كوني لم ولن يحدث بحقِّ شعب أَو أُمَّــة، وبالرغم من الفارق الشاسع في السلاح والمال والعتاد والترسانة والجحافل بل والتماهي الأممي الدولي حَــدّ التواطؤ.
بهُــوِيَّتنا وبتمسكنا بها وبجعلها منهاجاً لحياتنا وحياة أجيالنا، سننال رضى الله وستكون سلاحاً فتاكاً لمواجهة ومجابهة أعداء الله، فهي صمام الأمان الوحيد والأوحد، الذي حدّده الله سبحانه وشرفنا به واختاره لنا: الإِيْمَان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان..