جمعةُ رجب والهُـوِيّة الإيمــانية لليمنيين
أم الحسن أبوطالب
وتعودُ علينا من جديدٍ الذكرى السنويةُ لجمعة رجب، وهي أوّلُ جمعة في شهر رجب، الجمعة التي منَّ اللهُ تعالى فيها على أهل اليمن للدخول في دين الله أفواجاً، استجابةً لدعوة الإمام علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه-، والذي بعثه رسولُ الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- إلى أهل اليمن، ليدعوهم للإسلام فآمنوا وسلّموا وبايعوا سلاماً بسلام.
هذه المناسبةُ الدينيةُ العظيمةُ، استحقت فعلاً أن تكون لليمنيين عيداً لأولهم وآخرهم، كيف لا وهي تحكي نعمةَ الهداية لدين الإسلام والدخول فيه؟!.
لقد كان اليمانيون فيها يتبادلون التهاني وزيارة الأقارب وصلة الأرحام وتقديم الهدايا والحلويات للأطفال واستقبال الضيوف وإكرامهم، والكثير من طقوس الفرح والبهجة التي لا تكادُ تختلفُ عن طقوس الابتهاج بعيدَي الفطر والأضحى.
إن الابتعادَ عن إعطاء هذا اليوم أهميته في الاحتفال به وأحيائه، ليس إلّا تقصيراً منا في شكرِ الله تعالى على أعظمِ نعمةٍ في الوجود، وهي نعمة الهداية، وإهمالها لن يكون إلّا على حساب هُـوِيَّتنا الإيْمَــانية والتي أصبحت تنطمس شيئاً فشيئاً؛ بسبَبِ الثقافات الدخيلة والغزو الفكري والحروب الناعمة التي باتت تستهدف اليمنيين كافةً، فأصبحت تهدف لفصل اليمنيين عن كُـلِّ ما يعزّز من انتمائهم للإسلام، ومنها طمس مناسبة جمعة رجب، فأصبح العيدُ “عيد رجب” مناسبةً رمزيةً لا علاقةَ للكثير بها ولا أهميّةَ لها عندهم، بل إن البعضَ منهم لا يدري عنها شيئاً.
إننا وفي هذه المرحلة التي تمرُّ بها بلادُنا من حرب كونية، شملت كُـلَّ أنواع الحروب وكل أنواع الأسلحة، وتكالب فيها علينا جيرانُنا قبل أعدائنا، ونحنُ في هذه الحرب في أمسِّ الحاجةِ إلى تعزيز ارتباطنا بهُـوِيَّتنا الإيْمَــانية والتمسك بها، وأول شيء هو إعطاء جمعة رجب ما تستحقه من الأهميّة؛ كونها تاريخاً يحكي بدايةَ هذا الارتباط وكيفيته وترسخ في العقول والأذهان أن أبناءَ اليمن هم حقًّا أهلُ حكمة وإيْمَــان، كما حكى المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- عنهم، حين عَلِم بإسلامهم وتسليمهم لله ورسوله فقال: “أتاكم أهلُ اليمن هم أرق قلوباً وألينُ أفئدةً، الإيْمَــان يمان والحكمة يمانية”، هذا الحديثُ الذي يؤكّـد فيه المصطفى أن أهلَ اليمن هم منبعٌ للحكمة، وأهل للإيْمَــان حتى قيام الساعة، ويا له من تشريفٍ عظيم شرّف اللهُ ورسولُه به اليمانيين وخصّهم دون سواهم، وهو أَيْـضاً تكليفٌ يحمله اليمانيون على عاتقهم بأن يظلوا المنبعَ الذي لا يجفُّ ولا ينضبُ للرسالة المحمدية الحقة، ويوصلوا للعالم أجمع الدينَ الإسلاميَّ الصحيحَ الذي حافظوا عليه من خلال تمسكهم بهُـوِيَّتهم الإيْمَــانية واعتزازهم بها.