التنكيل بالشهداء والتمثيل بأجسادهم وصايا يهودية وتعليمات إسرائيلية
هشام عبدالكريم الضوراني
ليس غريباً أبداً ما قام به جيشُ الاحتلال الإسرائيلي على الحدود الشرقية لقطاع غزة عندما قام أحد جنوده بالسحق والتنكيل لجسد الشهيد الفلسطيني محمد الناعم وذلك أمام عدسات الإعلام وكاميرات المصورين وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، وقد كانت لدية النية لو استطاع أن يقتلَ المزيد من الشبان الفلسطينيين والذين كانوا في نفس المكان يحاولون سحب جثة الشهيد محمد الناعم ومنع جنازير الجرافة وشفرتها من تمزيق جسده الطاهر.
ليست الجريمة الوحيدة ولا الأولى التي يرتكبُها جيش العدوّ الإسرائيلي بحق إخوتنا الفلسطينيين، فقد أثبتت الوقائعُ والتجاربُ السابقةُ التي توثّقها الصور وتثبتها الدلائلُ والشواهد أنه يرتكب أبشعَ الجرائم الوحشية التي يندي لهم الجبين ولم يراعِ فيهم حقاً وقد أخبرنا اللهُ في كتابه الكريم عن شدة عداوة اليهود للإسلام وللذين آمنوا قال تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) بل يتعمد على ارتكاب لمثل هذه الجرائم وهو بهذا ينفّـذ تعليمات القيادة العسكرية لجيشه الذي اعتاد ارتكاب كُـلّ هذه الجرائم منذ سنوات ما قبل تأسيس كيانه إلى يومنا هذا.
واليومَ نفسُ السيناريو يمارَسُ ضدنا كشعب يمني من سحل وتنكيل وتمثيل لجثث شهداء الجيش واللجان الشعبيّة من قبل مرتزِقة العدوان السعوصهيوأمريكي نفس التوجّـه والثقافة والاعمال؛ لأَنَّهم تحت ولاية اليهود والنصارى ومن يتولهم يصير مثلهم ومنهم كما قال الله في محكم كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
بينما في اليمن وكل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ومن تبع نهجَ أهل البيت عليهم السلام والإسلام المحمدي الأصيل يُجِيدون الحربَ والقتالَ والسياسة والانتصار، وحتى التعامل مع الأسرى أثناء انتصاراتهم، لا يتوقف الأمر على أن يسْلَمَ الأسير وإعطائه الأمان، بل يضمدون جراحَه الجسدية والمعنوية وطمأنتهم بأنهم إخوة هذا إن كان الأسير يمنياً وإن كان غير ذلك نفس الاهتمام مداواة الجرحى توفير الطعام والشراب كيف لا وإمامهم وقائدهم أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أَو نظيرٌ لك في الخلق)، فالواجب هو التعاملُ من مبدأ الإنسانية إن كان العدوّ مخالفاً لكم في الدين أَو المذهب، فالإمام علي عليه السلام ليس ملكاً للطائفة الشيعية أَو حكراً على الإسلام، سيرتُه تدرَّسُ في الجامعات الأوروبية والبريطانية ومقولاته وحِكَمُه تُكتَبُ على الجدران واللافتات في الصين والهند واليابان هو رمزٌ للإنسانية العالمية الذي ترك بصمة أخلاقية وإنسانية وفكرية في أذهان جميع المفكرين والرواد والثوار من كُـلّ الجنسيات التي تبين شخصية علي عليه السلام وأخلاق أهل البيت عليهم السلام وأخلاق نبي الرحمة والإنسانية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
جميعنا يتذكر سمات وصفات وأخلاقيات أمير المؤمنين عليه السلام والتي تعلَّمها من حبيبه وأخيه رسول الله صلى الله عليه وآله في المعارك، فعندما أجهز عليه عبدُالرحمن بن ملجم غدراً على رأسه في أعماق المخ، حيث تقبع الحكمة والمعرفة أوصى أمير المؤمنين وهو على فراش الموت ولدَه البكرَ الإمامَ الحسنَ عليهما السلام وهي وصية من أعظم وأروع ما عرفت به الإنسانية على مر التاريخ؛ لأَنَّها تتضمن الحكمة والموعظة والرقي وأسمى معاني الإنسانية: (أرفِقْ يا ولدي بأسيرك وارحمه وأشفق عليه وأحسن إليه بحقي عليك أطعمه يا بني مما تأكل واسقه مما تشرب ولا تقيد له يداً ولا قدماً وإن أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَلَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ.، فإن عشت فأنا أولى بالعفو عنه أَو القصاص منه).
وصيتُه عليه السلام بأن لا يعذبوا الأسير القاتل إن هو توفي ولا يمثلوا به ولا يعزروه فذلك حرام ولو بالكلب العقور بل وكان يطعمه ويسقيه من اللبن الذي كان يشرب منه أمير المؤمنين عليه السلام.
وقبل ذلك عندما واجه أميرُ المؤمنين عليه السلام عمرو بن ود العامري سيد قومه وبطلهم المغوار الذي لم يجرؤ أحد على مبارزته كانت له عدة مناقب امتدحه عليها كُـلُّ العرب حتى اخت القتيل عمرو بن ود، فقد قام عمرو بقطع أرجل الخيل استعراضاً منه عَلَّه يخيفُ أميرَ المؤمنين الشاب العشريني فما من أمير المؤمنين عليه السلام إلا أن قام بقطع رجلَي عمرو بن ود تأديباً له من منطلق الرفق بالحيوان، في حين أن أمير المؤمنين عليه السلام إذَا تقدم لخصم بعد إقامة الحُجَّة عليه يقوم بضرب الخصم ضربةً واحدةً تقده نصفين، الموقف الثاني عندما بصق عليه عمرو بن ود فتأخر أمير المؤمنين عليه السلام حتى هدأت ثورته فقام بقتله وعندما سأله القوم رأيناك تتراجع وتدورُ لماذا فقال عليه السلام أردتُّ أن تكونَ ضربتي في سبيل الله وغيرةً على دين الله وليس انتقاماً لنفسي، والأخيرة أنه لم يسلبه ولم يرد منه مغنماً مراعياً مكانته في قومه، فالعادة سرت أن المنتصرَ يجرِّدُ القتيلَ كُـلّ ما هو ثمين، فتخيلوا عمرو بن ود العامري سيد قومه وأسدهم وبطلهم المغوار ماذا كان يرتدي ونوع السيف والأسلحة التي كانت بحوزته ويبارز بها أميرَ المؤمنين عليه السلام.
هذه هي أخلاقُ أهل البيت عليهم السلام ومَن تبعهم وسار على نهجهم.