علاقة الغازي بعملائه
يحيى مقبل
السياسةُ الخارجيةُ للسعودية شأنُها شأنُ السياسات الخارجية للدول الأُخرى تحدّدها وتضبُطُها مجموعةٌ من العوامل والمتغيرات، ولا وجودَ لدولة في البنيان الدولي منعزلةٍ لا تتأثر بالمتغيرات الحاصلة في الوحدات الدولية الأُخرى، لا سيما في الدول المتجاورة، ما يعني أن حدوث تطور في قدرات دولة ما يؤثرُ في السياساتِ الخارجية للدولة المجاورة بشكل ما.
فبعد ما حولت اليمن مخاطر الحرب عليها إلى فرص لتطوير قدراتها الدفاعية والهجومية شكّل ذلك خطراً حقيقياً هدّد اقتصاد المملكة وأمنها، وهو ما لم يكن يخطر ببالها، وهذا التغير في قدرات اليمن بات يحدّد ويضبط السياسة الخارجية للسعودية تجاه اليمن.
وإذا كان وكلاء التحالف في اليمن بعد ما سيطرت قوى التحالف على جزر ومنافذ برية أبعد ما تكون عن سيطرة أنصار الله لم يقتنعوا بالحقيقة التي من أجلها أتى التحالف فعليهم استيعابُ التغيرات الحاصلة على الأرض التي بدأ التحالُفُ نفسُه في استيعابها بشكلٍ أفضلَ.
فبعد ما فرضت القوى الوطنية معادلة رعب جديدة تهدّد الأمن المالي والملاحي لم يعد بإمْكَان التحالف والعالم إلّا القبول بها وتغيير السياسات طبقاً لها، وهذا شيء بات واضحاً للجميع، وعلى الأطراف اليمنية المنطوية تحت عباءة التحالف سواء في ما يسمى الشرعية أَو في المجلس الانتقالي أن يدركوا أن التحالف الذي لم ينجز لهم طيلةَ السنوات الماضية بقدر ما أخذ منهم يخطط لتركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، لا سيما أن اقتصاد دول التحالف يعاني ركوداً حاداً ويتكبد خسائرَ فادحةً؛ نتيجةَ تفشي فيروس كورونا وقد اضطرت الإمارات للتقدم بطلب قرض بقيمة ملياري دولار، والاقتصاد السعودي المعتمد بشكل رئيسي على الصادرات النفطية ليس أفضل حالاً.
وإذا لم ينصت وكلاءُ التحالف السعوإماراتي لصوت العقل والتحلي بالحكمة واقتناص ما بقي من الفرص بعد مضي نصفِ عقد من المتاجَرة بالوطن وبأمنه واستقراره فلن يكون حالُهم بأفضلَ من حال حلفاء أردوغان في الجنوب السوري، حيث يضيق الخناق عليهم في إدلب بشكل يدعو للشفقة، مع فارق أن السعودية والإمارات تفتقدان لذريعة اللاجئين التي تتذرع بها تركيا لابتزاز الأوروبيين، صحيحٌ أن الدولة السورية معترَفٌ بها وتحظى بدعم قوة عظمى وهو ما تفتقد إليه صنعاء، ولكن الواقع الذي تفرضه القوة هو الذي يوجد الاعتراف الخاص به، فلو أن الدولة السورية محاصرة في بقعة مثل إدلب وقد طورت المعارضة قدراتها الذاتية لما عدمت الاعتراف بها، فحكومة السراج المعترف بها في ليبيا تفقد من الاعتراف الدولي بها بالقدر الذي تفقده من مناطق نفوذها وسيطرتها وحين يصل التقلص في نطاق سيطرتها إلى النقطة الحرجة التي تسبق الانهيار تفقد الاعتراف لصالح سلطة حفتر الذي يوسع نفوذه على حساب سلطة السراج.
فمنذ إرساء معادلة توازن الردع مع السعودية ما فتئت قوات صنعاء تقطف ثمارها على البر، فمن تحرير محور البقع نجران شرق صعدة في عملية نصر من الله إلى تحرير محور الملاحيط جيزان غرب صعدة في عملية لا زالت بعيدة عن التناول الإعلامي، إلى تحرير محور نهم مفرق الجوف مأرب وصولاً إلى تحرير كامل محافظة الجوف ثاني أكبر مقاطعة يمنية بعد حضرموت في عملية البنيان المرصوص.
وقد بات ملحوظاً وواضحاً للجميع وبدرجة أوضح لوكلاء التحالف أنفسهم أن الغطاء والدعم الجوي يصير أخفضَ وتيرةً مع الوقت من عملية لأُخرى، إذ يرتبط الدعم والغطاء الجوي بعلاقة عكسية مع تطوير وتحسين القدرات الدفاعية والهجومية لقوات صنعاء، فتنامي القدرات الصاروخية والطيران المسيّر والزوارق الحربية الذكية ومراكمة المزيد من الخبرات العسكرية عرَّضَ مصالحَ التحالف السعودي للخطر، ما أَدَّى لخفضِ وتيرة الدعم الجوي وتراجعه، وأتاح للقوات الوطنية البرية إحراز تقدمات كبيرة وتضييق خناقِ الدائرة على “الشرعية” في مأرب.
وإذا لم يحدث تغييرٌ ومراجعة شاملة وجذرية في موقف حلفاء التحالف وبشكل مستعجل فستستمر الانهياراتُ في صفوفهم وتزيدُ الفوضى ويقلُّ الدعم، وبالمقابل ستستمر وتيرةُ قوات صنعاء في التخطيط للمزيد من العمليات المتقنة والكبيرة لتوسيع مناطق النفوذ والسيطرة على الأرض، بالتوازي مع رفع مستوى القدرات الدفاعية والهجومية وتثبيت الأمن وتحسين أداء المؤسّسات الحكومية.
واستمرار هذا الواقع الذي بات ملحوظاً ومعترفاً به سيؤدي حتماً إلى تآكل قوات هادي وتقلُّصِها، وعندما تصل إلى نقطة حرجة من الضعف وفقد السيطرة تنهار وتفقد الاعتراف الدولي بها وتتعرَّى من لحاف الشرعية.