مغامرات “بن سلمان” الاقتصادية تسبب خسائرَ كبيرةً لملايين السعوديين
رويترز: السعوديون الذين شاركوا في “اكتتاب أرامكو” مصدومون ونادمون
انخفاض حاد لأسعار النفط وهبوط أسهم “أرامكو” بعد تحَرّك سعودي لزيادة الإنتاج:
المسيرة | متابعات
سجّل النظامُ السعوديُّ إخفاقاً جديداً وفاضحاً في سياساته الاقتصادية مؤخراً، مسبباً لنفسه خسارةً فادحةً ما زالت مرشحةً للزيادة، حيث هوت أسعارُ النفط بشكل غير مسبوق، بعدَ محاولة غير مدروسة من قبل السعودية لمعاقبة “روسيا”، الأمر الذي جعل أسهم شركة “أرامكو” تنخفضُ بدورِها، متسببةً بصدمة كبيرة للسعوديين الذين كانوا قد شاركوا في “الاكتتاب الداخلي” للشركة، بعد أن رفض المستثمرون الأجانب المشاركةَ، ليصبح الأمرُ بمثابة فضيحة جديدة لولي العهد السعودي الذي كان قد جعل من “الاكتتاب” دعاية سياسية له.
في التفاصيل، كانت منظّمةُ الدول المصدرة للنفط “أوبك” قد اقترحت مؤخراً، تنفيذ خفض للإنتاج لتحقيق الاستقرار في أسواق الخام، التي تضرّرت؛ بسبَبِ تهديدات انتشار فيروس “كورونا”، لكن روسيا رفضت ذلك الأمرَ الذي أنهى اتّفاقاً استمر لسنوات بين دول “أوبك” والمنتجين المستقلين.
وفي خطوةٍ غير مدروسة، قرّرت السعوديةُ الانتقامَ من روسيا، وقامت بتخفيض أسعارها الرسمية لبيع النفط الخام، وأعلنت خططاً لزيادة إنتاج النفط بنسب كبيرة في الشهر المقبل.
التحَرّك السعودي، وبحسب وكالة رويترز للأنباء، أَدَّى إلى هبوطِ أسعار النفط إلى نسبة وصلت إلى 30%، أمس الاثنين.
وبحسب رويترز أَيْـضاً فقد تراجعت العقودُ الآجلةُ لخام برنت 12,23 دولاراً أَو ما يعادل 27 بالمئة إلى 33,04 دولارات للبرميل، بعد أن نزلت في وقت سابق إلى 31,02 دولارات للبرميل، وهو أدنى مستوى منذُ 12 فبراير 2016، وهي متجهةٌ لتسجيلِ أكبر انخفاض يومي منذُ 17 يناير 1991.
هذا الهبوطُ أَدَّى إلى نتائج سلبية بالنسبة لشركة أرامكو، القلب النابض للاقتصادِ السعودي، حيث أكّـدت رويترز، أمس، أن “أسهم الشركة تراجعت بنسبة 10 بالمئة عند بدء التداول، أمس الاثنين، لتواصل خسائر تكبّدتها في اليوم السابق حين هبطت عن سعر الطرح العام الأولي البالغ 32 ريالاً، حيث سجّل السهم 28 ريالاً منخفضاً بنسبة 6,7 بالمئة”.
هذه الخسائرُ، مثّلت فضيحةً سياسية واقتصادية للنظام السعودي، وعلى رأسه ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي كان قد فشل مسبقاً في إقناع المستثمرين الأجانب بالمشاركة في “الاكتتاب” بأسهم الشركة بتقييم 2 تريليون دولار، بل وفشل حتى في جذبهم بعد انخفاض التقييم إلى 1,7 تريليون دولار.
ونتيجةً لفشله في جذب المستثمرين الأجانب، كان بنُ سلمان قد لجأ إلى طرح أسهم الشركة للاكتتاب الداخلي، مستعيناً في ذلك بأموال الأمراء الذين اعتقلهم في فندق “الريتز” وبتشجيع البنوك على منح قروض للمواطنين للمشاركة في الاكتتاب؛ باعتباره “عملاً وطنياً”.
لكن بعد النتائج الكارثية التي سبّبها التحَرّكُ السعودي الجديد لخفض سعر الخام ورفع الإنتاج، قالت وكالة “رويترز” أمس: إن “المستثمرين السعوديين الذين سحبوا من مدخراتهم واقترضوا للمشاركة في الطرح القياسي لسهم أرامكو، أُصيبوا بصدمةٍ بعد الهبوط الحاد لأسهم الشركة التي تُعدُّ درة تاج المملكة في أعقاب انهيار اتّفاق تقليص الإنتاج بين أوبك وحلفائها”.
ونقلت الوكالةُ عن أحد الموظفين الحكوميين في السعودية، والذي كان قد استثمر مدخراته في الاكتتاب الداخلي لأرامكو، قوله: “خسرت اللي ربحته في 24 ساعة.. النزول جنوني”.
وقالت مواطنة سعودية تدعى أم فهد لرويترز أيضاً: “العائلةُ بأسرها استثمرت في أرامكو؛ أملاً في استثمار مضمون، ولم نعتقد أبداً أنه (السهم) سينخفض”.
أما المواطن السعودي “أبو مطلق” فقال للوكالة: إنه ما زال يتذكر حين قال وزير الطاقة السعودي (شقيق محمد بن سلمان) إن أي شخص لم يستغل فرصة الاستثمار في أرامكو سوف يندم.
وأضاف أبو مطلق ساخراً: “الآن ندمت بالفعل أن أموالي ضاعت على (أسهم) أرامكو”.
وبحسب الوكالة، فإن جميعَ المستثمرين الذين تحدّثت إليهم ينتظرون أن يعودَ سهم أرامكو إلى سابق عهده؛ كي يخرجوا من السوق تماماً.
الصدمة الكبيرة جراء انخفاض أسهم أرامكو، احتلت حيزاً كبيراً من مشاركات السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تمنّى المستخدمون الذين شاركوا في الاكتتاب لو أنهم لم ينساقوا وراء ما أسموه “النزعة الوطنية” التي صنعها الإعلامُ السعوديُّ لإقناع المواطنين بالمشاركة لتعويض غياب المستثمرين الأجانب.
وبحسب رويترز فإن قرابَة خمسة ملايين سعودي شاركوا في الاكتتاب الداخلي لأرامكو، مدفوعين بالحماس الوطني والقروض الميسرة.
وبحسب اقتصاديين، فإن خسائرَ “أرامكو”؛ بسَببِ انخفاض أسهمها قد يصلُ إلى 500 مليار دولار، ولم يقتصر الأمرُ على هذا الحد، إذ انخفضت أَيْـضاً القيمة السوقية للبنوك السعودية الكبرى، وخسرت عشرات المليارات من الدولارات.
وفي ردودِ الفعل على هذه الخسائر، ربط محللون الإخفاقَ الاقتصادي للنظام السعودي بالإخفاق السياسي، مؤكّـدين أن ولي العهد السعودي أكّـد فشلَه في كُـلِّ جوانب إدارة المملكة، وقادها إلى خسائرَ كبرى على كُـلِّ المستويات، فاقتصادها اليوم يتهاوى أكثر فأكثر؛ بسَببِ سلوكياته المتهورة وحروبه العدوانية التي يخوضها بالنيابة عن الولايات المتحدة، والتي على رأسها العدوانُ على اليمن، الذي كان له أثرٌ كبيرٌ في تنفير المستثمرين الأجانب عن الاشتراك في اكتتاب أرامكو، قبل أن ينخفض سعرُ أسهمها.
وفي حال استمرار النظام السعودي بتحَرّكاته لزيادة الإنتاج، فإنه من المتوقع أن يستمرَّ هبوطُ سعر النفط، وبالتالي هبوط أسهم أرامكو، وبقية أسهم البورصة السعودية، الأمر الذي سيضاعف خسائرَ المملكة بشكل كبير.