كتائبُ المستغفرين على أبواب مأرب
إبراهيم سنجاب
لو كانت مأربُ هي هدفَ جيش ولجان صنعاء، لما توقفوا على أبوابها يطلبون الإذنَ بتحريرها قبل أن يقتحموها، وهم الذين جاءوها من الجوفِ وما أدراك ما الجوفُ؟ قطعةٌ من الأرض على الحد الجنوبي للسعودية -مساحتُها تساوي ٤ أضعافِ مساحةِ مشيخة قطر وضعفَي مساحة فطر والبحرين معاً- اجتاحتها قواتُ صنعاء فِي عدة أَيَّـام.
أما طردُ إخوان اليمن وقيادات الشرعية من الجوف ومطاردتهم حتى مأرب، فتلك حكايةٌ أُخرى ستتوارثها الأجيال، عن يمنيين قبلوا على أنفسهم المهانة حيثما حلوا، وتاجروا فِي دماءِ الفقراء والمغيبين بنفس مهاراتهم فِي التجارة بالدين والشريعة، وهم الذين خلفوا وراءَهم أحدثَ الأسلحة الحديثة، طائعين مختارين فِي مقابل النجاة بأبدانهم وأموال ارتزقوها برهن مستقبل بلادهم وتاريخ قبائلهم، إنها الجوفُ التي تحرّرت فِي أقلَّ من أسبوع، حيث لا تعقيب من رئاسات التحالف وحكومة الشرعية، ولا حتى المجلس الانتقالي المثير للجدل فِي الجنوب.
وكأن محافظةَ الجوف تقع ضمن حدود دولة رواد الفضاء، وليست موقعاً جغرافياً استراتيجياً وغنياً بالبترول، وله فصل فِي كتاب كيف نفقر اليمن؟ من فرضة نهم إلى نهم ثم الجوف، وما قبلها من معاركَ حربية أدارتها صنعاءُ بحكمة اليمنيين وإيمانهم، فِي أكثرَ من ٤٠ جبهةً فِي كُـلّ مساحة اليمن، على مدى ٥ سنوات من العدوان الخارجي و١٠ من الاقتتال الداخلي منذُ ثورة ٢٠١١.
كتائبُ المستغفرين على أبواب مأرب:
في كُـلِّ مرة يحقّقون نصراً، تأتيهم التوجيهاتُ سبّحوا الله واستغفروه، اركعوا واسجدوا واحمدوا اللهَ واشكروه، إنهم أبناءُ عَبدالملك، وجوهٌ معفَّرةٌ باليقين، وأيادٍ متربةٌ بالحق، وأقدامٌ حافيةٌ لا تفرِّقُ فِي مسيرها بين الرمال الملتهبة أَو الباردة، صيفُهم كشتائهم، لا يعنيهم إن كانت صخورُ الجبال قاسيةً أَو لينةً، يخترقون الوديانَ كالطوفان أوله كآخره، ويغادرونها كموجِ البحر يحتضن كلها بعضها، عيونُهم على النصر وأرواحُهم مع من قضى نحبه أَو ينتظر، وَما زالوا قادرِين بعد خمس سنوات من العار العالمي على انتظارِ مبادرة سلام جادة من داخلِ بلادهم أَو من محيطها العربي والإسلامي لحقن الدماء، وإخراج الجميع من المستنقع اليمني بماء الوجه.
على مدى سنوات العدوان الخمس، مارست دولُ التحالف بمعاونة كتائب المرتزِقة اليمنيين أبشعَ أنواع الحروب الإعلامية والنفسية، ووصلت إلى تخطي حواجز أخلاقية وضعها اليمنيون بكافة تصنيفاتهم القبلية والحضرية، عاشوا عليها وقدسوها آلاف السنين، ولكن للارتزاق أحكام!!
فِي تقريرَين لـ بي بي سي على سبيل المثال، أذيعا أول أَمس أحدهما عن منشورٍ لصاحبة مقهى للنساء فِي صنعاء، والآخر عن اعتقال أمراء سعوديين، لم تتورع الإذاعة البريطانية عن تخصيص وقتٍ أطولَ واستضافة ضيوف أكثرَ من صنعاءَ وخارجِها لتمارِسَ العُهرَ الإعلامي حول معاملة (الحوثيين) للمرأة لمجرد أن ناشطةً كتبت منشوراً مكذوباً على صفحة فيس بوك!!، وتكرّر نفسُ الأمر مع زيارة مارتين جريفيت لمأرب والتحذير من كوارثَ إنسانية إن حرّرتها صنعاءُ من كتائب المرتزِقة والإخوان الكاذبين والشرعية الافتراضية، وعلى هذا قس ما تعانيه اليمنُ وشعبها من تزييف الواقع حتى فِي وسائل الإعلام الدولية.
وتخطَّت الحربُ الأخلاقية كُـلَّ الجرائم المصاحبة للعدوان، سواء عسكرية أَو اقتصادية بمحاولة المساس بالمرأة اليمنية والترويج لمفاهيم تتنافى تماماً مع طبيعة المجتمع اليمني، وللأسف وجدتُّ بين كتائب المرتزِقة من يروجُ لها ويشيعُها لا لشيء إلا حقداً على الحوثي وكراهية فِي الثورة ومحاولة للتبرير للعدوان والارتزاق والارتهان والعمالة والخيانة، وماذا تنتظر ممن يبيع شرفَه وعرضَه خارجَ حدودِ بلاده؟!
لم يتورع العدوانُ ومرتزِقته وداعموه عن ممارسة أحط وأخس وأخطر أساليب الحرب النفسية للنيل من صمود الصامدين وصبر الصابرين بالكذب مرة والتشكيك مرات، ليس لكسب معركة عسكرية، ولكن لتدميرِ قواعد وأسس مجتمع عاش آلاف السنين متماسكاً رغم الاختلافات والاختلالات.
غريفيث فِي مأربَ وله مآربُ أُخرى:
بينما تتداول الأخبارُ عن خلافاتٍ بين علي محسن وجلال هادي والعليمي حول نصيب كُـلٍّ منهم فِي منحة سعودية لمن شارك فِي جلسات إعداد اتّفاق الرياض، تجدُ على الطرفَ الآخرَ قيادة حوثية تعقدُ مصالحاتٍ قبلية وتتجوّلُ بين الناس رغم التحذيرات، يدعو الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية إلى إرسال محامين من جهتها للترافع عن الخونة الذين صدرت بحقِّهم أحكامُ إعدام فِي صنعاء.
وبينما يأتي المبعوث الدولي غريفيث ليحذّرَ من تحرير مأرب وما ينتج عنه من كوارث إنسانية، متناسياً ومتجاهلاً تقاريرَ الأمم المتحدة نفسها عن حجم الكارثة التي يعيشها كُـلُّ اليمن منذ 5 سنوات؛ بسبب العدوان، تجد على الطرف الآخر محمد عَبدالسلام -رئيس وفد التفاوض اليمني- يطالب بوقف كُـلّ الأعمال العسكرية من جانب التحالف وفك الحصار والبدء فِي عملية سلام ومصالحة شاملة.
وبينما جاء غريفيث ليضع تحرير مأرب ويقايض بها فِي مقابلِ الإبقاء على الأوضاع كما هي الآن فِي الساحل الغربي، والاستمرار فِي برنامج المساعدات الغذائية، وهم الذين كذبوا قبل ذلك بأن الأممَ المتحدة أنقذت الحوثيين باتّفاقِ ستوكهولم، يواصل إخوانُ الشر اليمنيون تلاعبَهم بدول الخليج، ففريق مع قطر والآخر مع السعودية والثالث مع نفسه، يلعبون لعبةَ تقسيم الأدوار ظناً بأنها ستنجيهم من قدرهم المسطور وشتاتهم المحتوم، لما اقترفته عقولُهم وأيديهم على مدى سنوات التسامح معهم.
في النهاية:
بين مقولتَي عَبدالملك الحوثي (نحن أهل الوفاء) وَ(الوقت وقت عمل)، تتلخص مسيرةُ صنعاء وتتضح رؤيةُ ثوار 21 سبتمبر لمستقبل بلادهم، فما لا يؤتَ بالسيف يؤتَ بغيره، ولا مجالَ لمقولة امرؤ القيس: اليومَ خمر وغداً أمر.