بصمات أمريكا السوداء في اليمن
رشدي عبدالرحمن
لم يعد خافياً على أحد الدورُ الكبيرُ لأمريكا في العدوان على اليمن ومشاركتها الفعلية فيه.
فما قام به الطيرانُ الأمريكي في الحرب على “اليمن” في أغلب المحافظات اليمنية سيظلُّ شاهدًا لأجيالٍ مقبلةٍ ماذا فعلت أمريكا بأرضهم وشعبهم، إن كان من حيث الدمار والخراب أَو القتل والجثث التي خلّفها هذا العدوان، لتروي قصتَها للأجيال المقبلة وتبقى بصمةً سوداءَ لأمريكا ومن تحالف معها.
أما من حيث تحالُفِ القوات الأمريكية مع مليشيات المرتزِقة التي ساهمت بشكلٍ خطيرٍ في تغيير التركيبة الديموغرافية، وكانت ممارساتها شبيهة بممارسات العصابة الطائفية في عدن وغيرها من المدن اليمنية، بينما كانت القوات الأمريكية تشن حرباً على الجيش اليمني الحر لاحقًا، بعد أن استخدمته في قتال “أبناء بلده “، وتخلت عنه بكل سهولة، وهو ما سيضعفُ الأرضيةَ الأخلاقية للأمريكيين على المدى البعيد قبل القريب والمتوسط، إن كان في اليمن أم خارجها.
كُلُّ هذه التحولات والتغيرات الإقليمية والدولية التي تعمل اليوم بعد شن العدوان الضربات الأميركية على اليمن، انعكست بشكل مباشر وسريع على النظام السعودي والإماراتي، فقد بدأت أجنحة النظام السعودي والإماراتي بالابتعاد أكثر عن الحليف الأميركي والاقتراب أكثر من الحليف البريطاني، بينما آثر البعض -وفقًا للمصادر اليمنية- الاقتراب أكثر من حسم للمعركة، حيث تواصل عدد من الضباط الكبار من حكومة الشرعية مع فريق المصالحة الوطنية؛ مِن أجلِ تأمين انشقاقهم، ولكن يبدو أن الشرعي آثر إبقاءهم في مواقعهم؛ مِن أجلِ ساعة صفر ربما يعدُّ ويحضر لها، وقد ترجمت مثل هذه الصدامات على الأرض بأزمة معيشية قاتلة للحاضنة، التي ترى أن أمريكا وبريطانيا منشغلتان بإرغام حكومة المرتزقة على دفع ما بقي من اليمن، ثمناً لوقوفهم إلى جانبها ضدَّ أبناء الشعب اليمني، فكان تسليمُ المرتزِقة للمحافظات الجنوبية أمراً حتمياً، بالإضافة إلى حقول النفط والغاز في مأرب وشبوة، أما الحاضنةُ الاجتماعية لحكومة المرتزِقة فتئنُّ تحت وطأة الافتقار للهُــوِيَّة الإيمانية وللمبادئ والأخلاق الحميدة وعدم مراعاة للضمير.
إصرارُ الربيع العربي على بلوغ هدفه مع اشتداد وطأة الثورة المضادة وداعميها الإقليميين والدوليين، يؤكّـدُ للمرة الألف أن المعركةَ مصيرية، وهي معركة على روحِ الشرق وعقله؛ ولذا فإنَّ الاستبدادَ الداخلي والخارجي يبذُلُ كُـلَّ ما بوسعه، ويضعُ كُـلَّ مخزونه المالي ورصيدَه المعنوي؛ مِن أجلِ هذه المعركة المصيرية التي ستطيحُ به؛ كون الاستبداد بعضُه أولياءُ بعض، ولكن ما يجري اليوم من تحولات وتغيرات دولية إنْ كان على مستوى الصراع الأمريكي- البريطاني فيما يتعلق بأدواتهما على الأرض اليمنية، أَو ما يجري من صراع عربي- أمريكي تمثل في صراعات دموية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في مناطقَ وبلدات يمنية عدة، وفوقَ هذا الصراع بين أجنحة النظام السعودي الموالي لأمريكا، فضلاً عما قيل إنه تحضيرات بريطانيا على جنوب اليمن، كُـلّ هذا يؤشر إلى أن المنطقةَ مقبلةٌ على مرحلة جديدة، الرابحُ فيها من يحسن التقاط الفرصة التاريخية؛ مِن أجلِ تعظيمِ منافعه وجوامعه، وتقليص خسائره.
فالأجيالُ اليمنيةُ المقبلةُ لن تنسى أبدًا ما حَلَّ بآبائها وأجدادها في اليمن، وقد تعدَّدت كُـلُّ أشكال التعذيب والقتل والمعاناة لديهم، الانتقام سيكونُ أشدَّ، والحلُّ الإسعافي هو بمراجعةٍ حقيقية وشاملة، لإسقاط هذه العصابة الطائفية وتمكينِ الشعب اليمني من حقه في تقرير مصيره، فهل من مدّكر؟!