هل يستفيد اليمن من الصراع الروسيّ – السعوديّ؟
د. وفيق إبراهيم
لا بدّ في المنطلق من الإشارة إلى أن هذا الصراعَ الروسي – السعودي، يندلع بعد علاقات جيدة بين البلدين، ابتدأت قبل نحو خمس سنوات، كما أنه يتضمن دوراً أمريكياً كبيراً يقف وراء التصعيد السعودي.
لذلك فهو قتال شرس بأسلحةِ النفط والغاز، من شأنه الانسحاب على مجمل مواقف هذه البلدان الثلاثة في أسواق الطاقة والاقتصاد والعلاقات السياسية، ويتطلب حشدَ أكبر كمية ممكنة من التحالفات والمؤيدين.
ضمن هذه المعطيات يجوز السؤالُ عن مدى الاستفادة الممكنة لليمن من تراجع العلاقات بين السعودية وروسيا، واتّجاهها إلى تصعيد أكبر.
لمزيدٍ من التوضيح، فإن موسكو والرياض نسجتا قبل خمس سنوات، تحالفاً في أسواق النفط، أَدَّى إلى نشوء حلف بين منظمة أوبيك وروسيا، اسمه «أوبيك»، منجزاً استقراراً في أسعار النفط حول 68 دولاراً للبرميل على أَسَاس محاصصات دقيقة بين دول الإنتاج.
لقد انعكس هذا الوضعُ بتحسن كبير في العلاقاتِ السياسية بين موسكو والرياض، فكانت السياسةُ الروسيةُ تؤيد ما يتعلق بآل سعود مباشرة، وتبتعد عما يضايقهم بشكلٍ غير مباشر.
لكن سورية شكلت استثناء على هذه القاعدة، بدليل أن هذين البلدين كانا في مواقعَ متنافسة حتى تاريخ انكفاء الدور السعودي في سورية قبل أكثر من سنة.
أما ما يتعلق باليمن، فإن روسيا قبل خمس سنوات، أيّدت في مجلس الأمن الدولي تدخلاً سعودياً – إماراتياً في اليمن، لمواجهة ما أسماه القرارُ «انقلاباً حوثياً» على السلطة الشرعيّة فيه.
وظلت موسكو مصرّةً حتى قبل شهر تقريباً أن «دولة صنعاء» مشروع انقلابيّ صرف لا يمكن التعاونُ معه، هذا على الرغم من الانتصارات الكبيرة التي أنجزتها هذه الدولة اليمنية في وجه قوات سعودية – إماراتية، وحشد كبير من المرتزِقة السودانيين واليمنيين والباكستانيين، ودعم بحري وجوي أمريكي – بريطاني – إسرائيلي ومصري ومتنوّع.
إن انكشافَ هذه الهجمات التي اتضح أنها تندرجُ في إطار الهيمنة القطبية الأمريكية مع مصالح مباشرة للسعودية في اليمن ومصالح إماراتية أيضاً، واتّضاح مدى ضعف القوى اليمنية المؤيدة لهذه الهجمات، لم ترغم موسكو على تغييرِ مواقفها بشكل بدا فيه التنسيقُ النفطي بينها وبين الرياض أكثر أهميّةً من تداعيات حرب اليمن، هنا ظهرت روسيا دولة براجماتية لكنها لم تشارك على الأقل في الهجوم الخليجي على اليمن، واكتفت بتصريحات إنما عند اللزوم فقط.
إلا أن هناك مستجداتٍ تدفع نحو خروج روسيا عن صمتها في الحرب الأمريكية – السعودية على اليمن، وصولاً إلى حدودِ دعمها لدولة صنعاء إذَا اقتضى الأمر.
ما هو هذا الجديد؟
يندرجُ في إطار عاملين مستجدين: الأول هو انفجار حلف «أوبيك» لخلاف على الحصص الإنتاجية وبالتالي على تحديد الأسعار.
والثاني صمود دولة صنعاء ونجاحها في الوصول على مقربة من حدود السعودية من ناحية محافظة الجوف.
بالنسبة لانفجار حلف أوبيك مع روسيا، فسببُه إصرارٌ سعوديٌّ على خفض حصص دول هذا التحالف نحو مليوني برميل يومياً يضاف إلى خفض كان قد حدث قبل بضعة أشهر.
هنا تذرّعت السعوديةُ بضرورات الخفض للمحافظة على السعر، فلم تقبل روسيا بهذه الذريعة وفهمت أنها لإنقاذِ صناعة النفط الصخري الأمريكي الشديد الكلفة، فأمريكا تحتاجُ إلى أكثر من 45 دولاراً لإنتاج البرميل الواحد، وهذا ليس ممكناً في ظلِّ المحافظة على وتيرة الإنتاج نفسها في وقت تراجع فيه الإنتاج العالمي بمعدل 40 في المئة؛ بسبَبِ الذعر الذي يجتاح العالم من انتشار وباء الكورونا، لكن روسيا رفضت خفض إنتاجها؛ لأَنَّها اعتبرت أن تداعيات كورونا لن تكون طويلةَ الأمد بما لا يستدعي خفض الإنتاج، وحافظت على معدل إنتاجها، وذهبت ردةُ الفعل السعودية المنسّقة مع السياسة الأمريكية نحو الإعلان عن وقف التنسيق النفطي مع روسيا ورفع إنتاجها من9,5 ملايين برميل إلى 13 مليون برميل يومياً، في موقف تحدٍّ لافتٍ للروس وفعلت مثلها الإمارات التي أعلنت عن رفع إنتاجها بمعدل مليون برميل يومياً.
هنا ظهر الأمريكيون علناً معلنين أن خفضَ الأسعار الذي أوصل سعرَ البرميل إلى 33 دولاراً، مفيد جِـدًّا للطبقة الشعبيّة الأمريكية التي أصبح باستطاعتها شراء الوقود بأسعار رخيصة.
هنا ظهر تناقض عند الأمريكيين الذين بدوا كمن يحاول الاستفادةَ السياسيةَ من حركة أسعار النفط صعوداً ونزولاً، فإذا ارتفع زعموا أنه لحماية النفط الصخري الذي يتطلب استخراجُه كلفةً عالية، زاعمين أنهم يحمون بذلك الشركات الأمريكية وعمالتها، أما إذَا انخفض فيدّعون على الفور أنه لصالح شراء الفئات الشعبيّة وقوداً رخيصاً.
إلا أنهم يفضّلون بالحقيقة خفضَ الإنتاج لدعم آلاف شركات النفط الصخري ذات التأثير الكبير على التفاعلات السياسية الأمريكية.
لجهة العامل الثاني، فإن دعمَ مجلس الأمن للهجوم السعودي على اليمن لم يؤدِّ إلى حسم المعركة، بل كشف عن نجاح دولة صنعاء بصد الهجوم عن مناطقها واستدارتها نحو هجمات مضادة وصلت إلى الحدودِ السعوديّة بمعاركَ برية مع تمكّنها من الوصولِ إلى وسط السعودية بهجمات صاروخية وأُخرى بالطائرات المسيّرة.
فانقلبت المعركةُ إلى محاولات سعودية لإبعاد قوات صنعاء عن بعض أنحاء محافظة الجوف، حيثُ توجد آبار نفطية وغازية.
فأين هي مصلحة روسيا؟
أصبحت التفاهماتُ مع السعودية صعبةً وتتجه إلى مزيدٍ من التصعيد؛ بسبَبِ الإصرار الأمريكي على قطعِ العلاقات السعودية مع كُـلٍّ من روسيا والصين، باستغلال حاجة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لهم في معركته الداخلية في السعودية لمحاصرة إيران بشكل دائم.
كما أن الحلفَ السعوديَّ العاجزَ عن تحقيق انتصار في اليمن، اتضح أنه أضعفُ من مشروع السيطرة على صنعاء؛ لذلك فإن روسيا المنتصرة في سورية ترى تقدّمها الإقليمي رهن بمدى انسجامها مع تحالفات الدولة السورية في العراق واليمن وضرورة نسجها لعلاقات معهما في إطار استراتيجي يجمع بين السياسة والاقتصاد، علماً أن اليمنَ يحتوي على أهمِّ معابر عالمية وكثير من النفط والغاز والرجال.