مجزر.. منتصفُ الشرق اليمني الأوسط
المسيرة: وهاب علي
تقعُ مديريةُ مجزر المحرّرة في الطرفِ الشمالي الغربي لمحافظة مأرب، إلى الغرب من مديريتي رغوان ومدغل، والى الشرق من مديرية نهم، جنوب مديريتي الخلق والغيل، اما من جهة الجنوب فيحدها كُـلّ من مديريتي مدغل ونهم بينما تحدها مديرية الحزم من الشمال الشرقي كما تحدها المصلوب من الجهة الشمالية الغربية، يتجاوز عددُ سكانها العشرة آلاف نسمة، وتضم ثلاث عزل هي آل حذقين والأشراف والسحاري، ويبلغ ارتفاعُها عن سطح البحر حوالي 1200 متر، وتمرُّ بها العديدُ من الاودية الخصبة، وغالباً ما يزرع سكانُها بعض أصناف الحبوب وفقاً لأنماط الزراعة المطرية وضمن مساحات ضئيلة من إجمالي الأرض الصالحة للزراعة، وبها عدد من المعالم الأثرية الهامة كمدينة براقش وحصن خضران ودرب الصبي وغيرها.
وتكمن الأهميّةُ الاستراتيجية لمديرية مجزر في كونها تتوسّطُ الطرق الرئيسة الرابطة بين محافظات مأرب والجوف وصنعاء، كما أنها تبعُدُ عن مركز مدينة مأربَ نحو 40 كيلومتر، ولا يفصلها عن مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف سوى ما يقارب 30 كيلومتراً، مما جعل مجاهدي الجيش واللجان على مشارف المدينتين عملياً وزاد من فاعلية وتأثير الجهود الميدانية في مناطق العمليات المجاورة ولذلك كان للانتشار المدروس ضمن مساحات المديرية الأثر البالغ في تسريع وتيرة الحسم في مديرية نهم كنتيجة مباشرة لقطع الخطوط الخلفية الرئيسة والفرعية من أقصى شمال المديرية إلى وادي العطف ومفرق الجوف جنوباً وبطبيعة الحال فالمديرية تعد إحدى أهم طرق الامداد والاسناد الخلفية لمديرية نهم وتحديداً للقطاع الشمالي منها، حيث تتصل المديرية عبر المسالك القريبة من الصفراء عبر وادي عقيب بالطرق المؤدية إلى سلسلة جبال يام.
وكما هو معلومٌ فقد تم في أواخر يناير الماضي -بفضل الله وعونه- تحريرُ المديرية ضمن العملية العسكرية الواسعة الموسومة بـ “البنيان المرصوص”، وخلال جولتها في المديرية مترامية الأطراف، حرصت الصحيفةُ على نقلِ ما أمكن من جزئيات الصورة العامة في المديرية التي قد تحتاج -كمثيلاتها من المديريات المستقلة- إلى فترة نقاهة شاملة حتى تتماثل للانتماء الكامل بعد الوعكة العدوانية التي ألمّت بها، وقد رصدت الصحيفةُ جانباً من الدمار الكبير الذي لحق بمدينة براقش التاريخية، إضافة إلى عدد من التفاصيل المرتبطة بالانتهاكات والجرائم المختلفة التي ارتكبها المنافقون المأجورون خلال الفترة الماضية، فضلا عن بعض أجواء عودة الأهالي إلى منازلهم بعد أربعة أعوام من التهجير القسري الذي أجبرهم عليه تحالف العدوان الأمريكي السعودي.
ذاكرةُ الوجع:
التقينا بالوالد محمد عبدالله حمود، أحد أهالي مديرية مجزر منطقة الدرب، وهو من المواطنين الذين قام الخونةُ بتهجيرِهم من قراهم في العام 2016م، وحدّثنا عن الحروبِ التي حدثت في مجزر خلال السنوات الأخيرة، من قبل العدوان وأثنائه، مؤكّـداً أنها كانت واحدةً من الحروب التي دارت في عدة مناطق يمنية أيام الخائن عفاش حينما امتدت الأحداثُ والحروبُ القصيرةُ والطويلةُ من صعدة وحتى مناطق الجنوب، وكانت مجزر واحدة من تلك المناطق التي شهدت خلال العام 2013 وحتى 2015م قتالاً متفاوت الشدة والمساحة.
يقول لنا الرجلُ الطيّبُ الذي يبدو أنه في أواخر العقد السادس من العمر: بالنسبة لنا فقد نزحنا مع بداية العدوان في 2015م أولاً، لتجنب استهداف الطيران الأمريكي السعودي الجبان، حيث كان قد استهدف عدة أسر في منطقتنا، بلاد أشراف مجزر، فقد دمّر في البداية عدداً من منازل المواطنين الرافضين لتحالف العدوان، ومن تلك المنازل التي تم تدميرُها بيت الشيخ راكان بن حمد، وبيت المواطن قاسم بن عبدالله، وكذا بيت المواطن عبدالله بن حزام، وكذلك بقية البيوت فلم تسلم من استهداف الدبابات والقذائف المتنوعة وبشكل مكثّـف، وبهذه الطريقة تم تهجيرُ غالبية المواطنين ولم يبقَ في المنطقة إلّا من كان موالياً للعدوان أَو كان متفاهماً معه، أما نحن والمواطنون الذين كانوا ضد المعتدين أَو لم يتفاهموا معهم ويوالوهم، فقد قمنا بالنزوح إلى صنعاء حمايةً لأسرنا وأطفالنا من الاعتداءات الغاشمة، واستمرَّ النزوحُ منذُ بدء العام 2015م، ولم نعد إلّا هذه الأيّام بفضل الله ثم بفضل المسيرة القرآنية، رجعنا إلى بلادِنا ومزارعنا وأراضينا كما هو حال المستضعفين في كامل الجوف، وإن شاء اللهُ يعود الأمنُ والأمانُ إلى اليمن كلِّه.
وأضاف العم محمد عبدالله: أن مجزر منذُ عقود وهي تعتبر مديريةً محرومةً من الخدمات والاهتمام الرسمي باستثناء الكهرباء التي كانت تزودهم بها المحطة الغازية في مأرب أسوة بغيرهم من مواطني الجمهورية، ثم انقطعت هذه الخدمة الوحيدة تماماً قبل أن يتم تهجيرُهم من بلادهم، أما بالنسبة لمياه الشرب أفاد العم محمد بأنهم يذهبون لإحضارها من “الغيل” أَو يقومون بشراء حمولة وايت “صهريج صغير” سعته خمسة براميل تقريباً (حوالي ألف لتر) بمبلغ يتراوح من خمسة إلى ستة آلاف ريال، أَو يتم إحضارُها على السيارات -بالنسبة لمن يملك سيارةً- من مديرية الحزم أَو من مديرية الخلق المجاورة، أما المياه المستخدمة للأغراض اليومية الأُخرى فكلُّ شخصٍ يحصل عليها من آبار المنطقة حسب إمْكَانياته وقدرته على ضخ المياه من الآبار (مياه معظم الآبار تحتوي على نسبة ملوحة عالية ولا تصلح للشرب)، ويشير إلى أن هذه كانت حالةً معيشيةً يُرثى لها (خَاصَّة وأن الإيرادات السيادية المرتبطة بمحافظة مأرب، كانت تُعدُّ رافداً رئيساً لموازنة الدولة آنذاك)، ويؤكّـد أن هذا ينطبق كذلك على الخدمات الصحية المقدمة، حيث كانت شبه معدومة، أما التعليمُ فكان أفضل حالاً من حيث وجود المدارس كمبنى عادي فقط، مع الكثير والكثير من النواقص في المدرسين والمناهج وغير ذلك.
وعلى ذكر التعليم أخذتنا دروبُ الحوار مع العم محمد إلى الحديثِ عن الاعتداءات الهمجية التي مارسها الخونةُ والمرتزِقةُ وطالت العملية التعليمية، حيثُ قام مرتزِقة العدوان بتحويل بعض مدارس المنطقة إلى معتقلات وفصول الدراسة إلى غرف تعذيب واستجواب وزنازين لأبناء المنطقة، مثل مدرسة زايد بن صالح جنوب المديرية، وهي مدرسة حوّلها التكفيريون إلى سجن، فإذا صادف وأن نزل من صنعاء شخص من أبناء المنطقة من كبار السن أَو المساكين فإنهم يعتقلونه دون شفقة بدعوى أن أحد أقربائه من المجاهدين، أَو أن له علاقةً بالشهيد الفلاني وغير ذلك من الذرائع، أما إذَا أتى شخص آخر من أبناء المنطقة للسؤال عن سبب الاعتقال أَو الاطمئنان على الشخص المختطف، فكانوا يزجون به أَيْـضاً في الزنزانة، ثم يخضعونه للاستجواب والتحقيق وهكذا، وحتى بالنسبة للنساء المسافرات كان الخونةُ والمنافقون لا يتورعون عن توقيفهن والتحقيق معهن، انتهت الأسلاف وَالأعراف والتقاليد، ويضيف: هم قد باعوا أنفسَهم وبعد ذلك يمكن أن يحصلَ كُـلُّ شيء.
وبالحديث عن الانتهاكات ومظلومية أبناء المنطقة، أفاد بأن الأمرَ لم يقتصر على ما سبق، إذ تجاوز المنافقون كُـلَّ المحاذير الإنسانية والشرعية والعرفية حين وصل بهم الأمرُ إلى تدنيس عدد من القبور في روضة شهداء المديرية، والتي تبعد عن مدينة براقش الأثرية حوالى مِئة وخمسين متراً من جهة الشمال، ويؤكّـد العم محمد أن المرتزِقةَ قاموا بطمس وتكسير كُـلِّ شواهد القبور وطمس كافة معالم القبور، وهذا عمل لا يجرؤ على فعله كُـلُّ مَن لديه ذرة من إنسانية أَو إِيْمَان أَو قبيلة، وأوضح أن المجاهدين في مديرية مجزر طوال ستة أعوام قبل سيطرة تحالف العدوان حافظوا على سلامة وممتلكات الناس جميعاً حتى من كانوا محسوبين على حزب الإصلاح، وكنا في العام 2013 نعيش سويةً دون تفرقة أَو اضطهاد للأطراف الأُخرى، وَمن أراد القتالَ فليذهب إلى الجبهات التي كانت مشتعلةً حينها على أن تبقى البلادُ سالمة وآمنة، لكنهم باعوا الأُخوّة والتراحم والتعاطف، حين دخل المرتزِقة في 2016م استباحوا كُـلَّ شيء، حيث اقتحموا البيوت ونهبوا وخربوا وأتلفوا واحتلوا بعضَ المنازل واستخدموها كمراكز عسكرية، وكانوا كذلك يعتقلون كُـلَّ من وجدوه مشتبهاً حتى وإن كان يقوم بالصيد أَو إذَا أطلق النار في الهواء للاحتفال بعرس أَو ما شابه، يأتون لاعتقاله بينما هناك آخرون يفعلون ما يريدون دون أن يتم اعتراضُهم، وتحدّث كذلك عن استهداف وتصفية المرتزِقة لبعض الشخصيات المؤثرة إيجابياً من عقلاء ووجهاء المنطقة والمناطق المجاورة المقبولين من كافة الأوساط، ومنهم شخصيات وازنة ممن يحملون الخيرَ للناس ولديهم الحمية والغيرة، أَو ممن لا يحملون ضغينة ضد أنصار الله أَو يحبونهم سرعان ما يتم تصفيتُهم عبر عبوة مفخخة مثل ما حدث لسالم غثينة، أَو يغتالونه في ظروف غامضة مثلما حدث للجميدر في مدغل، وكذلك ناجي شيهان الذي كان مع أنصار الله، ثم اعتزل ومكث في بيته لكنهم قتلوه، وهكذا تم تصفيةُ الأصوات الخيرة، فقد كان المرتزقة يعتبرون أن من ليس معهم فهو ضدهم.
سألته الصحيفةُ عن حال براقش اليوم، وما صارت إليه هذه المدينة الأثرية الرائعة، فأجاب مسترجعاً شريطَ الذكريات عن براقش التي عاصرها وعن أخبارها وعن احتوائها سابقاً على المجسمات المعدنية أو الحجرية الضخمة للظباء (الأيائل) وغيرها، وعن ما كان قد تبقّى من صروحها، موضحاً أنها تعرّضت لعدة غارات مدمرة شنُّها الطيرانُ الأمريكيُّ السعودي بخلاف ما فعله بها المرتزِقة الذين تمركزوا وسطها لأربع سنوات كاملة، وأدّى كُـلُ ذلك لتدمير المعبد الأثري وكذا المسجد الأثري والقبة المتصلة بالبئر عبر نفق، وهذه الأخيرة هي التي بناها الإمام عبدالله بن حمزة قبل مئات السنين، حيثُ استمرت مدةُ بقائه في المنطقة إبانَ حكمه حوالي 25 سنة، وعموماً كان هناك من أبناء المنطقة شرطة سياحية وحراس يحمون براقش قبل أن يقوم أولئك بتدمير كُـلِّ شيء؛ نتيجةَ غبائهم الكبير؛ لأن كُـلَّ ما يضرنا هو يضره في النهاية وما يضر البعض سيضر الجميع في النهاية.
وفي النهاية تمنّى العم محمد بن عبدالله بن حمود، أن تنتهي كُـلُّ الحروب ويعود الناسُ إخوة وأن يغتنم المخدوعون فرصةَ العفو العام ومبادرات المصالحة، ويكفي ما حصل من دماء وتدمير إلى اليوم.
جنت عليها قنابلُ العدوان واللصوص:
“يثل” العصيةُ على الاندثار أبرز معلَم أثري في مديرية مجزر، وواحدةٌ من أبرز آثار محافظة مأرب، وبراقش هي المدينة التاريخية التي عرفت في النقوش اليمنية القديمة المسندية باسم “يثل”، وكانت في العهود الغابرة عاصمة دينية لمملكة معين، وَتعد براقش أقدم مدينة أثرية ماثلة للعيان بمعالمها الخارجية الرئيسة، ويعود زمن بنائها تقريبا إلى عام700 قبل الميلاد، وقد قام السبئيون بإعادة بناء سورها في القرن الخامس قبل الميلاد، وشهدت المدينةُ عصرها الذهبي في القرن الرابع قبل الميلاد عندما اتخذها المعينيون عاصمةً لهم، وبقيت “يثل” العاصمةَ الدينية لمملكة معين بعد تغيّر العاصمة إلى قرناو.
وتبعد عن مدينة مأرب حوالي 110 كم، إلى الشمال الغربي منها بالقرب من وادي الخارد وعلى مقربة من جبال يام الشهيرة، وتبعد عن قرناو عاصمة معين حوالي 20 كم إلى الجنوب الغربي، وأشهرُ معالم هذه المدينة سورها البديع وبراقش هي الموقع الأثري الوحيد الذي ما زال محتفظاً بسوره كاملاً، وقد سكنت في العصر الإسلامي وشكلت قلعة حصينة للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عام 594 هجرية، ومعظم مبانيها الظاهرة مبنية من اللبن، وتعود للعصر الإسلامي وتطلُّ من الشمال على مساحات شاسعة صالحة للزراعة والرعي، وقد بدأت في ثمانينيات القرن الماضي بعثةٌ إيطاليةٌ في التنقيب في الجهة الجنوبية الملاصقة للسور، ثم توقف العملُ تماماً ويبلغ محيط سور المدينة البيضاوي ما يقارب 700 متر، وهو مبني من الأحجار الجرانيتية ولا يظهر منه سوى الجزء الخارجي فقط، أما الداخلي فمطمور تحت التراب، والسور مدعم بـ 57 برجاً للتقوية والدفاع والتي يصل ارتفاعُها إلى 15 متراً، وكان آخر ترميم للسور في أواسط عصر الدولة الزيدية.
وقد تمَّ تدميرُ المعالم الداخلية لهذا الموقع الأثري الهام كلياً؛ نتيجةَ استهدافه بعدة غارات جوية من قبل طيران العدوان الأمريكي السعودي عام 2015م مع سبق الإصرار وبكلِّ همجية، مثل غالبية المواقع الأثرية في اليمن التي تعرّضت للقصفِ من قبل طيران العدوان الغاشم، وكان غالبيتها يبعد عشرات الكيلو مترات عن خطوط المواجهات، ويذكر أن المدينةَ تعرّضت كذلك لعملية حفريات عشوائية من قبل مرتزِقة العدوان، كجزء من نشاط النهب المنظم للقطع الأثرية المطمورة تحت الركام، حيثُ كان يتم بيعُها لأثرياء إماراتيين وسعوديين.
وللشيطان على جانب الطريق يافطة:
قد يتواجدُ الأمريكيُّ في كُـلِّ منطقة يستطيع الوصولَ إليها على امتداد الجغرافيا اليمنية، مع تركيزه على المناطق الأكثر أهميّة، إلّا أنه يحرص بشكلٍ أكبر على ضرورة استهداف كُـلِّ منطقة واقعة في نطاق الثروات السيادية التي يسيلُ لها طمعاً لعابُ رعاة البقر أَو كُـلّ منطقة أبدت في مرحلة ما شيئاً من الرفض للتوجّـهات الموالية للطاغوت، أَو رفعت في فترة معينة عناوينَ الولاء والبراء الإسلامية الحقة، وهذه المناطقُ التي يتوجس الأمريكي من توجّـه بعض أبنائها أَو قبائلها تكون عادةً محطَّ اهتمام خاص يؤدي بالضرورة إلى الشروع بتأسيس رابط مادي تحت ستار المساعدات والإعانات الإنسانية أَو الدعم البنيوي واللوجستي، سعياً لتحسينِ النظرة المجتمعية نحو الأمريكي ووضع بعض اللمسات على وجه السمعة الأمريكية المعطوبة، أَو عبر استهداف فكري وثقافي وتربوي مباشر ينطوي على سمومِ البرامج والمشاريع التضليلية طويلة ومتوسطة المدى، وفي مقدّمتها بالتأكيد تلك المشاريع المتعلقة بدعم التعليم وما يسمى بالتطوير التربوي المرتبط بتحويرِ المناهج الدراسية وطرق التدريس المرتبطة بالقيم الدينية والمجتمعية، وهي الأخطرُ على مجتمعاتنا؛ لكونها تستهدفُ العقولَ الغضة والأجيال التي يعول عليها مستقبلاً.
وفي مديرية مجزر لوحظ سرعةُ التدخل الأمريكي لتحسين التعليم في عزل المديرية عقب احتلالها من قبل قوى الارتزاق وأدوات العمالة والنفاق مباشرةً، وذلك من خلالِ أحد برنامج يطلق عليه البرنامج اليمني الأمريكي لتحسين التعليم الذي تموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المشار إليها بالاختصار USAID، وهي وكالةٌ تابعةٌ للحكومة الفيدرالية وهي مسؤولة في المقام الأول عن إدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين، وقد قام ذلك المشروع بتسوير مدرسة “آل حذقين” بمجزر، وإضافة عدد من الفصول وكذلك قاعة “متعددة الأغراض”، وكما هو معلوم في مثل هذه الحالات سيتم -في حينه- إمدادُ المدرسة بالإمْكَانات التقنية اللازمة والمناهج المختلفة والمواد المساندة لإحداثِ نسبةٍ من التغيير الذهني، أملاً في نمو مستقبلي باتّجاه المزيد من التغيير في القناعات المرتبطة بالهُوية والأنماط الدينية والاجتماعية السائدة وفقاً للرؤية المفيدة للأعداء، بما في ذلك تعزيز مستوى القبول والممارسة المستندة على المفاهيم الهدامة كالجندر “شمولية النوع الاجتماعي”، وغير ذلك من التوجّـهات والأسس الخطرة؛ ولذلك منح وزيرُ الخارجية الأمريكي بومبيو شخصياً إحدى ناشطات مأرب “جائزة المرأة الشجاعة”، وهي فيما يبدو تعبيراً عن استحقاقها للتقدير والامتنان الأمريكي؛ نظراً لجهودِها في خدمة الأفكار المستوردة خصوصاً وأن تلك المرأة التي تخوض غمارَ التحديات المجتمعية، جاءت من قلب المناطق القبلية المحافظة فضلاً عن كونها ابنةَ أحد مشايخ مديرية الجوبة، مما يؤهلها لتكون قدوةً لغيرها من النسوة، وبحسب الشهادة الممنوحة لها فقد نالت الجائزةَ تقديراً لجهودها في تغيير المعايير الاجتماعية لتمكين المرأة من المشاركة الفعّالة في المجتمع المدني، وكذا لإنشائها “مؤسّسة مأرب للبنات” والخَاصَّة بدعم النساء ووقف تجنيد الأطفال، وبحسب صفحة السفارة الأمريكية على تويتر، فالناشطةُ تعملُ على تغيير الأعراف الاجتماعية، وأصبحت نموذجاً يُحتذى به.
وعلى العموم فهذه المساراتُ على المدى الطويل تحقّق للأمريكي بحجر واحد، عدةَ أهداف ثمينة تبدأ بالتأثر والتأثير وتنتهي بالتغير والتغيير والضياع.