الهجرةُ اليهودية والاستيطان
أنس القاضي
يعتقدُ منظرُ الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، بأن هجرةَ اليهود إلى فلسطين وترحيل أهلها هو المرتكز الأَسَاسي للحركة الصهيونية لإقامة الكيان الصهيوني، وعلى هذا الأَسَاس رُسمت الاستراتيجيةُ الصهيونية، فطالب هرتزل بترحيلِ العربِ عن دولة اليهود المزمع إقامتها وطردهم عبر الحدود رافعاً شعار: “فلسطين وطن بلا شعب لشعب بلا وطن”.
في العام 1837م تم إنشاءُ أول مستعمرة يهودية في فلسطين على يد اليهودي البريطاني مونتفيوري، وكان عددُ سكان المستوطنة في ذلك الوقت 1500 يهودي، وانتعشت حركةُ الاستيطان اليهودي والهجرة إلى فلسطين بعد الاحتلال البريطاني لفلسـطين، والذي تلاه مباشرةً صدور وعد بلفور المشؤوم سنة 1917م.
بتشـجيعٍ من حكومة الانتداب البريطاني، توالت الهجراتُ اليهوديةُ على فلسـطين، وتُعدُّ السيطرة على الأرض الفلسطينية جوهرَ الفلسفة التي انتهجتها الحركةُ الصهيونية العالمية منذ ولادة الفكرة الأولى لتوطين اليهود في الأراضي العربية، حتى العصر الراهن. ومؤخّراً أقدمت حكومةُ الاحتلال الصهيوني على إنشاء مستوطنة صهيونية في الجولان العربي المحتل، أطلقت عليها مستوطنة “دونالد ترامب” وذلك عقب إصدار الرئيس الأمريكي ترامب قراراً يعتبر الجولان أراضيَ صهيونيةً، في قرار يُشبه وعدَ بلفور.
اختارت العصاباتُ اليهودية، القرى والبلداتِ الفلسطينية لتكونَ ميداناً للتطبيق العملي لما جاء في التوراة من تعاليم وحشية وهمجية، فالتوراةُ والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون والصهيونية كأيديولوجية وحركة، جميعُها تؤكّـدُ أن الإرهابَ الإجراميَّ أداةٌ مشروعةٌ لتحقيق الأهداف الصهيونية، وإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
ارتبط قيامُ “إسرائيل” بالإجرام والإبادة وترحيل العرب وتدمير مدنهم وقراهم ومصادرة الأراضي والممتلكات، وتهويد المقدسات، فمناحيم بيغن السفاح الصهيوني الشهير الذي تولّى رئاسةَ الحكومة الصهيونية، يوثق في مذكراته، ما قامت به المنظمات الإجرامية اليهودية المسلحة من أساليب إجرامية لترحيلِ العربِ عن أراضيهم.
فيما اعترف إسحاق شامير، رئيس الوزراء الصهيوني إبان انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م بدور الإرهاب اليهودي في إقامة “إسرائيل”، حيث قال: “سموني إرهابياً، سموني وطنياً، لولا الإرهابُ لما قامت إسرائيل”.
استخدم المهاجرون اليهود جميعَ أشكال الإجرام لتحقيقِ الأكاذيب والأساطير التوراتية، فالإرهاب الصهيوني، كان ولا يزال أحد المرتكزات الأَسَاسية للسياسة الإسرائيلية، وقد اقترنت دولةُ الاحتلال منذ زراعتها بأبشعِ أنواع الإرهاب والتدمير والإبادة الجماعية.
حدثت الموجةُ الأولى للهجرات الصهيونية إلى الأراضي العربية الفلسطينية ما بين عامي 1882 – 1903م، حيث هاجر نحو عشرة آلاف يهودي من روسيا في أعقاب حادثة اغتيال قيصر روسيا، وما تبعتها من عمليات اضطهاد لليهود هناك؛ نتيجةَ اشتراكهم في عمليةِ الاغتيال.
بالإضافةِ إلى هجرة يهود فرنسا نتيجة لقضية “دريفوس” التي أدّت لموجةٍ من العداء بين أوساط الفرنسيين ضد اليهود سنة 1894م، حيث هاجر ما بين 20 إلى 30 ألف يهودي.
وفى الفترة من 1905 إلى 1918م جاءت الموجةُ الثانيةُ للهجرة اليهودية، وكان معظمُ أفرادها من روسـيا، وقد قُدّر عددُهم بما يتراوح بين 35 إلى 40 ألف مستوطن يهودي.
رافق الهجرة اليهودية إلى فلسطين أنشطة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وعملية تغيير ديمغرافي، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت تُجلب أعداد من اليهود من مختلف أنحاء العالم، ليحلوا مكانَ السكان العرب الفلسطينيين، وقد تعرّضت الأراضي الفلسطينية لخمس موجات متتالية من الهجرات اليهودية، كُـلّ موجة منها تتم عقب حدث من الأحداث الدولية والمحلية، أَو نتيجة خطة صهيونية مسبقة.
حدثت الموجة الثالثة للهجرة اليهودية إلى فلسطين ما بين عامي 1919 – 1923م بعد قيامِ الثورة البلشفية في روسيا، وبلغ عددُ المهاجرين في هذه الموجة نحو 35 ألف مهاجر يهودي، وتمت الموجةُ الرابعة ما بين عام 1924 – 1932م، حيث هاجر نحو 62 ألف مهاجر؛ بسبَبِ قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسن قوانين حدت من الهجرة إليها.
أما الموجة الخامسة فكانت بين عامَي 1933 – 1938م، حيث بلغ عددُ المهاجرين في هذه المرة حوالي “174” ألف مهاجر يهودي، مما رفع عدد المستوطنين إلى 370 ألف يهودي، وأخذت تتدفق إلى فلسطين أفواج عديدة من المهاجرين بشكل لم يسبق له مثيلٌ، مما أثار شعور الاستياء والغضب لدى الشعب الفلسطيني، وكانت هذه الهجرات أحد الأسباب الرئيسـية التي فجـرت ثورة 1936م في فلسطين.
بالإضافة إلى الهجرات العلنية لليهود من أوروبا وروسيا، كان هناك هجرات يهودية سرية في فترة الأربعينات، قام بها اليهودُ الشرقيون من الجزيرة العربية والحبشة وأفريقيا الشمالية وتركيا وإيران، وقد بلغت حصيلةُ الهجرة اليهودية إلى فلسطين حتى عام 1948م حوالي 650 ألف مهاجر يهودي، وبعد قيامِ دولة الاحتلال قامت الحكومةُ الصهيونيةُ بتشجيع الهجرة اليهودية عبر سن العديد من القوانين مثل قانون العودة عام 1950م، وقانون الجنسية الإسرائيلي عام 1952م، فازداد عددُ المهاجرين، حيث بلغ في الفترة من 1948حتى 1967م ما يفوق 12 ألف مهاجر يهودي.