في مواجهة كورونا
زينب الشهاري
ماج واضطرب واستوطن القلقُ أركانَه، وعمَّ التوجسُ في أرجائه وتسلل الهلعُ إلى عمقه، وزحف الحزنُ في أروقته، يتأمل في دهشه… كيف حدث كُـلُّ هذا؟! كيف انقلبت الأحوالُ؟! وكيف اختلت المسلّمات؟! كيف أعيد ترتيب الأبجدية؟! وكيف اختلطت الموازين؟! وكيف تغير المعتاد؟! وكيف بزغ نمط جديد ثبت أوتاده بقوة وظللت خيمته الجميع؟!
أين من ظلوا يتشدّقون بسطوة المال؟، أين من بنوا لأنفسهم أبراجاً عالية وقلاعاً حصينة ومن بعيد ظلوا يرمقون غيرَهم بازدراء؟، أين اختفت المسميات؟! وأين ضاعت الرُّتَبُ والمقامات؟! وأين تلاشى الجاه والمنصب؟! وكيف نُسف التعجرف ودُمّر العجب والخيلاء؟! كيف استطاع شيء هزيل صغير لا يُرى أن يفعل كُـلَّ هذا؟! ويتسبب في كُـلّ هذا؟!
أسئلة تدور في ذهن العالم، العالم الذي اعتاد على تنمّر وتسلّط وغطرسة وتحكم ثلة أطلقت على نفسها قوة عظمى، العالم الذي تنافس فيه قادة الدول -إلا من رحم الله- التي لا تؤمن إلا بالسوط ولم تحكم إلا بالقتل والتجبر ليحوزوا المراتب ويحقّقوا التطور ويشيدوا الاقتصاد ويصنعوا الأسلحة، وفي الوقت نفسه، يدوسون على الإنسانية ويستعبدون الضعفاءَ ويضيعون القيمَ، عالم طغت عليه المصالح، وسادت فيه الأنانية، وغلبت عليه المطامع، ونخرت فيه الأحقاد، وتحدث بالكذب.
العالم الذي وهو في غمرة نشوته باعتقاده أنه قد وصلَ إلى الذروةِ في كُـلِّ شيء، أتى فيروس صغير ليحطم كبرياءه ويفتت عنجهيته ويقضي على غروره، ويخبره بأنك أيها الإنسانُ مهما وصلت إلى درجات العلم والتطور، تظل حصى صغيرة في ملكوتِ الله الشاسع، تظلُّ صغيراً أمام جبروت وعظمة الله، كم أنت حقير وضعيف أيها الإنسانُ أمام الله وقدرته!!، فلا ملاذ ولا أمان ولا ركون ولا ثقة إلا بالله، والكلُّ إلى فناء، فكم منا يتخوف لقاء الله بما جنت يداه! وكم منا يشتاق لملاقاته تعالى بما قدم لآخرته! فلا الكذب الذي انتهجه البعضُ ليحقّق أهدافَه، ولا المكر الذي سلكه ليصل إلى مآربه، ولا السرقة التي صنع بها ثروته، ولا الخداع الذي تعود عليه، سيدفع عنه هذا الفيروسَ الصغير ويحميه من فتكه، فهو لا يفرق بين عامل بسيط ورئيس دولة، بين مزارع أَو وزير، ونسأل من الله أن يحميَنا ويحميَ أرضنا وأهلينا من شره.
اليوم أصبح شبحُ كورونا يلاحق القاصي والداني حول العالم، وكلٌّ قد رفع أعلى درجات التحرز واليقظة والحذر، وقام بكلِّ الاحتياطات، فاختفت مظاهرُ الحياة في أغلبِ بلدان العالم، فالأسواق والطرقات والمدارس وحتى أماكن العبادة مهجورة، وأصبحت كُـلُّ أسرة حبيسة منزلها، وتعطلت سبل العيش الطبيعية، خوفاً من أن يتخطف ذلك الفيروسُ الخطيرُ أرواحَهم كما فعل مع الكثير، تغيّرت نواميسُ العالم، ليدرك الإنسان وخصوصاً المسلم كم أن الحياة لا تساوي شيئاً وأن الموت قريب من الجميع، لكن الضالين، سواءً من الكفار أَو المسلمين، جنتهم الدنيا فهم متمسكون بها حتى النخاع، أما تعامل المؤمنين الذين يعتبرون أن الدنيا سجنُهم، تعامل يأخذ طابعاً آخرَ من أخذ الحيطة طبعاً وتقديم كافة الطرق الممكنة لمواجهة أيِّ خطر محدق، وكذا التراحم الإنساني والتوبة والرجوع إلى الله والتقرب إليه بالأعمال الصالحة وهذا هو الأَسَاس.
نعم، أخذ التدابير والاحتياطات واجب؛ لأن الحفاظَ على الأرواح مسئوليةٌ، والإنسان حريص على سلامة نفسه وأحبائه، لكن كلَّ شيء في هذا الكون لا يكون إلا بإذنِ الله وقدرته، وحين يطغى الفسوقُ والفجورُ والفسادُ، ينزل الله عقابَه وعذابَه على البشر العاصين المتكبرين، فأين أخذ العبرة وتعلم الدرس؟!، أين الإنابة والعودة الجادة إلى الله؟! أين الإنصاف ومناصرة المظلومين؟!، اليمنيون يقتلون بدم بارد والعالم يشاهد باستمتاع، ويستلذ بأنينهم على مدى سنين، فهل استنكروا ما حصل لجزء من الإنسانية تمارس ضده كُـلّ فنون العذاب وصنوف الظلم؟!
فهل ستستيقظ الإنسانيةُ لتقول لمروجي الدمار ومحترفي الإجرام، كفى؟!
هل سيشق التعاون والتكافل والتراحم طريقَه بين الأمم؟! أم سيبقى العالم رهين تلك السياسة والمصالح؟! وعلى الأرجح، هو كذلك.
لكن منطقَ الحقِّ المنبعث من دين الله وكتابه، يخبرنا أن نُعدَّ العدة والقوة لنواجه ونتحدّى جميعَ الأخطار، سواءٌ أكانت أخطاراً عسكرية أم اقتصادية أم صحية أم غير ذلك، لنكون خيرَ أمة أُخرجت للناس؛ لتهديَهم وتعلمهم سبل النجاح والفوز، ونصطف دائماً وأبداً إلى جانبِ الحق في معركته ضد الباطل بكلِّ ما أوتينا.
لقد أرسل كورونا رسالته إلى العالمِ قائلاً: لا ملجأ من اللهِ إلا إليه، فهل من معتبِر؟!.