بن سلمان وحروب المقامرة
دينا الرميمة
ثمة مؤشرات خطيرة للأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها المملكةُ العربيةُ السعوديةُ، حيث يرى كثيرٌ من الخبراء الاقتصاديين أنها باتت تقترب من حافة الإفلاس، ولا يفصلها عن ذلك إلا سنوات قليلة؛ بسبَبِ السياسات الغبية التي أصبحت تجرُّها إلى الهاوية يوماً بعد يوم.
كانت الحربُ الشعواءُ التي شنَّتها المملكةُ على اليمن هي بداية هذه الأزمة، حيث أنفقت عليه مليارات الدولارات طمعاً بتحقيق مآربها في الأرض اليمنية، أُمنية عمرها عشرات السنين كان لا بُدَّ أن تتحقّق فقادتها إلى الهاوية، ومنها أراد بنُ سلمان أن يتقرّب للأمريكان الذين جعلوه ترتمي في هوة التطبيع مع الصهاينة والسعي في تصفية القضية الفلسطينية، وهم أنفسُهم من أوكلوا له هذه المهمةَ الصعبةَ التي كان لها تبعاتها الخطيرة على الاقتصاد السعودي؛ بسبَبِ أنها جعلت أنابيب النفط عرضةً للاستهداف اليمني، وخَاصَّةً بعد استهداف اليمنيين لشركة أرامكو عصب الاقتصاد السعودي والممول كلياً لهذه الحرب، فأصابوها بالشلل التام وتسبّبوا في خفضِ أسعار أسهمها وضعف قدرتها التسويقية وفشل محمد بن سلمان بإقناع الغرب بعملية الاكتتاب حسب ما يريد.
هذا كلُّه يشيرُ إلى حجمِ الخطر الكبير الذي يحدق بهذا النظام المستبد، خَاصَّةً من بعد أن تولى محمد بن سلمان منصب ولي العهد خلفاً لأبيه سلمان بن عبد العزيز وإجبار أمراء الأسرة الحاكمة على مبايعته، وأصبح هو الحاكم الفعلي برغم أن والده لم يزل على قيد الحياة، وبرغم الفشلِ الذريعِ الذي يلحقه في إدارة الحكم متسبباً بتهاوي هيبة المملكة يوماً بعد يوم آخر، خَاصَّة بعد أن جعل من بلد له هيبته وقداسته الدينية أرضاً للرفاهية والانحلال الأخلاقي اقتداء ببلدان أسياده الغرب.
ولم تعد سياساتُه القمعيةُ تطال فقط المعارضين لنظام آل سعود من الشعب السعودي وحملات الاعتقال والقتل التي طالت الكثيرَ من الصحفيين والناشطين والناشطات السياسيين ورجال الدين المعارضين له ولأسلوبه في إدارة البلاد، كما حدث في حادثة اغتيال خاشقجي، إنما أصبحت تطال حتى قصور الأسرة الحاكمة الذين يرى فيهم بنُ سلمان خطراً على منصبه.
فمنذُ العام ٢٠١٧ قام محمدُ بن سلمان باعتقالِ العديدِ من أمراء الأسرة الحاكمة، من ضمنهم “الوليد بن طلال” و”خالد بن فهد” الذي مات في ظروف غامضة، تحت عنوان المسألة “من أين لك هذا” كانت هذه الاعتقالات، ومنها أجبرهم على دفعِ الكثيرِ من ثرواتهم الطائلة إلى الخزينة السعودية، الأمر الذي جعل الكثيرَ يظنه “مصلحاً اقتصادياً”، في وقت هو يسرف الكثير من المال في اقتناء أشياء لا داعي لها، إنما ليظهر للعالم مدى امتلاكه للمال الذي سيجعل الكثيرَ ينحازُ إلى صفِّه.
مؤخّراً سمعنا عن حملاتِ اعتقالات تحت مسمى الخيانة وتعاطي المخدرات طالت عشرين من الأمراء، أبرزُهم عمُّه “أحمد بن عبدالعزيز” و”محمد بن نائف” والتي فضحتها صحيفة أمريكية؛ لأنهم لم يكونوا راضين عن توليه منصب ولي العهد وَسياساته الخاطئة؛ ولذلك هو اعتقلهم تخوفاً من القيام بأيِّ انقلاب عليه، ما جعل الكثيرَ يقولون إن محمد بن سلمان الذي على الأرض ليس نفسه الذي تُروّج له الصحفُ، وانفضح ذلك الهيلمان الذي حاول أن يحيطَ به نفسه، من خلال إنشاء هيئة الترفيه التي حاول فيها أن يبدو كداعٍ للحداثة والتطور.
فمحمد بن سلمان بينما يحاول أن يبدو من الحداثيين ودعاة التحضر، يراه الجميعُ شخصاً رجعياً بأسلوب القمع لكل معارضيه، فهل يدق محمد بن سلمان المسمارَ الأخير في نعش آل سعود؟! وهل يغدو مستقبلُ آل سعود في خبر كان؛ نتيجة السياسات الخاطئة للأمير الصغير؟!
سياسيةُ المقامرة التي ابتدأها بحرب اليمن، وسيختمها بحرب النفط التي دخل بها مع روسيا، نزولاً عند رغبة أمريكا كما في حربه الأولى، حيثُ جعل من نفسه وأرضه وذهبه الأسود تحت خدمة أمريكا، بينما ترى الأُخرى (روسيا) نفسها قادرة لخوض المعركة لعشرين سنةً، وسيكون المتضرّرُ الأكبرُ هو الاقتصاد السعودي وخامها الأسود.
بلا شكٍّ أن البصمات السوداء لمحمد بن سلمان التي لطخت أرضَ الحرمين الشريفين وطالت الكثيرَ من الدول العربية، هي من ستكتب النهاية السيئة لهذه الأسرة بتاريخها الأسود منذُ أن تولّت زمام الحكم على أرض الحجاز، وكلنا ننتظرُ بشغفٍ ذاك اليوم.