انحسارُ مشروع الشرعية
حمود أحمد مثنى
هناك أسبابٌ لا بُدَّ من التوقفِ عندها لمعرفةِ عوامل تغيير مسار الحرب وانحسار من يسمون بالشرعية، أدرك الشعبُ أن الواقفين مع العدوِّ هم جميعاً نفسُ تشكيلة النظام السابق والمشاركين مشاركة عضوية معه في الأخطاء والفساد وتقاسم الثروة والسلطة خلال العقود السابقة وظهور القيادات والنخب بمظاهر البذخ والترف في إقامة المناسبات العائلية قبل العدوان وبعد العدوان، ومفاجأة الشعب بقيام كُـلِّ تشكيلة الشرعية التي تنصلت تماماً لمواقفها وبرامجها الأيديولوجية المنافحة للاستعمار والغزو والاحتلال، بل قاموا باستدعائه والترحيب به والتماهي معه.
والإدراك العملي من قبل المتعاونين مع الغزاة أن القتلَ للجميع بدون تمييز لمن وقف معهم، يأمرونهم ويخططون ويفكرون بدلاً عنهم في كيفية سير المعركة، إن انتصر أعوانُهم لا يحسب لهم، وإن انهزموا أذلّوهم بالقتل والسجن والحجز ومنع إعادتهم إلى بلادِهم، وكذلك ارتكابهم لجريمةِ نقل البنك المركزي وقطع رواتب مليون ونصف مليون موظف، وتدمير المصانع والتسبّب في فقدانِ آلاف العمال لمصدرِ عيشهم والحصار الاقتصادي، عدم اتّخاذ موقف مندّد ورافض لمجازر العدوان بحقِّ المدنيين الأبرياء، وعدم الاعتراضِ على احتلال حضرموت والمهرة وسقطرى وإقامة قواعد عسكرية بها، مما يدُلُّ على سير مخطّط العدوان لاقتطاع تلك المحافظات.
تقاسم المناصب عائلياً، استمرار تبنيهم لخطاب عنصري واستحضار الماضي في صراعهم مع أنصار الله، قتل الأسرى والجرحى من أنصار الله في سابقةٍ لا تحترم قيمَ وعادات اليمنيين الإسلامية والقبلية، وتصوير تلك المشاهد أمام الكاميرات ونشرها؛ بهدَفِ إرعابِ الطرف الآخر ورفض إطلاق سراح الأسرى مقابل إطلاق أسراهم، مما يعني عدمَ اهتمامهم بأوجاع وآلام الأسرى وعوائلهم.
إنشاء مليشيات الحقد المناطقي والطائفي في تعز بطرد الأسر القاطنة والمستقرة منذُ عشرات العقود، من مناطق تعز والمحسوبة على مناطق ذمار وصنعاء وصعدة وحجة والمحويت؛ لأنهم يتبعون المذهبَ الزيدي، ونفس الممارسات العنصرية البغيضة في عدن لعموم الشماليين، وكما تمَّ إنشاءُ تشكيلات عسكرية لقتال الشمال؛ من أجلِ الانفصال ورفع شعارات الانتماء للخليج تارةً وبريطانيا تارة أُخرى، وُصولاً إلى إلغاء الانتماء للهُويَّة اليمنية لأول مرة في تاريخ الصراع في اليمن، وحضور مؤتمرات إلى جانبِ رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ومشاركتهم الأفارقة والمرتزِقة الأجانب في قتال إخوانهم اليمنيين المدافعين عن أنفسِهم وبلاِدهم، مما أفقدهم احترامَ الناس لهم وتكرار استهداف المدنيين وَالنساء والأطفال بمذابح جماعية وتبريرهم لتلك الجرائم بوقاحة وقيامهم بحماية الجيش السعودي من الهجمات اليمنية، لم يسبقهم إليها أحدٌ من الشعوب الأُخرى مما مثّل صدمةً للشعب اليمني عن حقيقة وسر هذا التخلي واستخدامهم توصيفات وأكاذيب لخصمهم غير حقيقية، وإنما فجور في الخصومة وإدراك القبائل اليمنية مساعي العدوان إلى إضعاف ليس اليمن كدولة وإنما القبيلة نفسها، وكيف كان يتمُّ إحداثُ فتن في القبيلة وإدامة الثأر ومنع أي حلٍّ لإنهاء الثأر بين القبائل.
وأخيراً وليس آخراً الاقتناع تماماً بيقينية نوايا وأهداف السعودية والإمارات بسلب اليمن عناصرَ القوة العسكرية، وذلك عبر سحبِ ومنعِ السلاح الثقيل وتحويل الجيش اليمني إلى مجرّد قوى أمنية فقط، وحرمان اليمن من القوةِ الاقتصادية عبر السيطرة على جميعِ الموانئ المطلة على البحر الأحمر والبحر العربي وحرمان اليمن من الثروة البترولية في الجوف أَو المشاركة بالثروة على أقلِّ تقدير.