السعوديةُ جاهزة لبيع نفط اليمن
طالب الحسني
قبل نحو شهرين وتحديداً في 26 يناير كانون الثاني، وقّعت حكومةُ الفارّ هادي في الرياض اتّفاقيةً جدليةً لصالح صندوق السعوديّة لـ ” إعادة إعمار اليمن”، الذي يديره السعوديّ محمد آل جابر، تمنحُ هذه الاتّفاقية التي تم تسريبُها وتتكونُ من 14 بنداً الصندوقَ السعوديّ سلطةً تنفيذية بصلاحيات كاملة في إدارة موارد الدولة اليمنية، بما في ذلك النفط والغاز والموانئ والمنافذ البرية، وتستطيع السعوديّةُ بموجبِ هذه ” الاتّفاقية” -وهي اتّفاقية صورية في النهاية؛ لأَنَّ السعوديّةَ تسطيع أن تقومَ بكلِّ ذلك دون العودة لأي مرجع قانوني أَو ما شابه-، أن تتفقَ مع شركات ومستثمرين وكل ما له علاقة بالموارد دون العودة ”لحكومة هادي”، بمعنى أن الرياض صادرت الحقَّ السياديَّ للحكومة المزعومة على الملف الاقتصادي برمته، 90% من ميزانية اليمن حتى 2011 يعتمدُ على النفط.
هذه الخطوةُ غيرُ شرعية، ليس فقط لأَنَّ ما يسمى شرعية هادي ليس لها أيُّ اعتبار حتى لو كان المجتمع الدولي يعترف بها، هو اعترافٌ سياسي، فهو يعترفُ في الحقيقة بفراغ، وبسلطة ليس لها وجود فعلي على الأرض وتعيش في المنفى، هي أَيْـضاً غير شرعية أي الوثيقة، لاعتبارات أُخرى دستورية وقانونية، إذ إنّ القانونَ والدستور اليمني لا يمنح أيَّة حكومة صلاحيات البت والتصرف ونقل سيادة الدولة على موارد البلاد السيادية لأية جهة أُخرى، وثم تحتاجُ الخطوة لتصويت البرلمان، وهذا لم يحدث.
أنا هنا لا أناقش شرعيةَ هذه الوثيقة أَو عدمه، الأمر واضح تماماً، ولكن لماذا تقوم السعوديّةُ بذلك، ما الهدفُ من وراء تجريد من تعتبرهم السعوديّة حلفاءَ ونفّـذت عدواناً على اليمن تحت عنوان “إعادة الشرعية” من هذه الصلاحيات، في الوقت الذي يثار جدل كبير حول عزل هادي ومنعه من العودة ومنع حكومته الشكلية من ممارسة أية صلاحيات في المناطق التي تزعم السعوديّةُ أنها ”حرّرتها”؟!
لا أحد يستطيع أن يزعمَ أنه لا يعرف كيف تُدار المناطق التي تتواجد فيها القواتُ السعوديّة جنوب وجنوب شرق اليمن، بما في ذلك أكثر من 5 موانئ ومحطات وآبار نفطية وغازية، بالإضافةِ إلى المطارات والمنافذ البرية، وأين تذهب العائداتُ المالية لهذه الموارد السيادية؟!، الجميعُ يعلم أن السعوديّة والإمارات وضعتا أيديهما على كُـلِّ ذلك منذ أواخر 2015، وأن هذا الاتّفاق الذي جاء متأخراً جزءٌ منه؛ بسَببِ تقاسم سعوديّ إماراتي في ظلِّ غياب أَو بالأصح تغييب القوانين الأممية التي تجرّم مثل هذا السطو والاحتلال، خَاصَّةً أنها تدرك أي الأمم المتحدة أن من تسميه ”شرعية” ليسوا سوى محللين، وحتى هذه الصفة لا يمتلكونها فهم لا يمتلكون حتى يكونوا مشرعين.
الجديدُ في هذا الملف أن السعوديّةَ وبعد أزمتها النفطية مع روسيا تسعى لضخ نحو 800 ألف برميل نفط يومياً من آبار حضرموت المسيلة، وشبوة بلحاف وتوسيع الطاقة الاستيعابية لموانئ الشحر الضبة في حضرموت وميناء بلحاف شبوة خلال الأشهر المقبلة (هذه الموانئ على البحر العربي)، مع العلم أن اليمنَ كان ينتجُ أقل من نصف مليون برميل من هذه المحطات النفطية بالإضافة إلى نفط مأرب شرق اليمن، وكلُّ الخطط لتوسيع الإنتاج كانت بحاجة إلى إجراءات كثيرة قبل تحوّل الأحداث منذ 2011.
إذاً ماذا يعني ذلك، وما العراقيلُ التي تقف في تحقيق هذه الخطوة، في ظل عدم الشفافية في الأرقام الحقيقية في عملية الإنتاج والتصدير منذُ 5 سنوات؛ بسَببِ السيطرة الإماراتية والسعوديّة على هذه الموارد، والصراع القائم بين الإمارات وَ”حكومة هادي”.
الخطة السعوديّة المطروحة لرفع الإنتاج تقتضي إعادةَ تأهيل الخزانات في الموانئ، وإعادة الشركات النفطية التي كانت تعملُ في الإنتاج من بينها هانت اويل الأمريكية، بعد إجراءِ تسويةٍ سعوديّة إماراتية فيما يتعلق بمحطة بلحاف للغاز المسال في شبوة، حيث تسيطر الإماراتُ على هذه المحطة والميناء، وهو جزء من الخلاف السعوديّ الإماراتي، وما يحصل هو نهب منظم تقوم به الرياض وأبو ظبي، يقتضي في النتيجة النهائية الحفاظ على الصراع بين الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات وحكومة هادي، وتمديد هذا الصراع على نحو أطولَ وأوسعَ، وهو ما يُفسّر عدمَ جدية السعوديّة في تنفيذ اتّفاق الرياض الذي وقع بينها هذه الأطراف قبل نحو 5 أشهر.
من ضمن الخطة السعوديّة إطفاءُ الحريق والنزاع الذي نشب بين الرياض وقبائل المهرة، وهو نزاع لعب دوراً أسَاسياً في تشكيلِ ثورة وانتفاضة في المحافظات الجنوبية الشرقية كاد يتسع من المهرة إلى شبوة مروراً بحضرموت، إن ثورة المهرة كانت تشبه كرة الثلج بالنسبة للمناطق المجاورة، ومحاولة تبريد التوتر القائم في هذه المحافظات؛ بسَببِ حجم وشكل وطبيعية الوجود العسكريّ السعوديّ، وصل التوترُ إلى حالةِ الاشتباك العسكريّ منتصف الشهر الماضي بين الجنود السعوديّين وقبائل المهرة التي ترفض التواجدَ السعوديّ، وقد بدأ هذا التبريدُ بإبعاد محافظ المهرة راجح باكريت وتعيين محمد علي ياسر مكانه، والأخير أَيْـضاً موالٍ ولكن لديه ربما علاقة أكثر ودية مع قبائل المهرة، والسعوديّة هناك على كُـلِّ حال ترغب مؤخّراً في إيجاد تسوية معينة.
الغريب أن ”حكومة هادي” تستبق تنفيذَ هذه الخطة السعوديّة بالحديث عن أن لديها خطة جديدة لزيادة إنتاجها النفطي إلى نحو 80 ألف برميل يومياً وفتح الأبواب أمام شركات التنقيب الأجنبية للدخولِ إلى البلاد واستئناف نشاطها.
وبحسب ما يمسى وزير النفط أوس العود، فإن “الحكومةَ” تعتزم بناءَ مجمع نفطي في عدن خلال عامين كحدٍّ أقصى، وأن هناك شركاتٍ أمريكية أبدت استعدادَها بالفعل للشروع في عمليات ”الحفر والتنقيب”.
هذه التصريحات تضليلية أولاً وتخديرية ولا يمكن استيعابُها، إذ إن اليمنَ ينتج قريباً 450 ألف برميل يومياً، قبل أن تسيطر السعوديّةُ والإمارات على هذه الموارد، في نهاية هذه التصريحات تذرّع الوزيرُ الذي لا يملكُ أية صلاحية حالياً بأن الإمارات تقف دون تحقيق هذه الخطة.
ما يحصل غير مسبوق، والممارسات السعوديّة في المناطق التي تتواجد فيها يؤكّـد أن تجهل كثير من التداعيات بما في ذلك المتغيرات العسكريّة والميدانية والسياسية التي لا تتجه لصالح استمرار فرض مشاريعها الاحتلالية في هذه المناطق، فما تقف عليه ليست أرضاً صلبةً، ولا يمكن للواقع أن يسمحَ لها الاختباء وراء ”شرعية” غير شرعية.