المفاهيمُ القرآنيةُ وسرُّ التحول اليمني الكبير
عبدالله هاشم السياني
لعلَّ الكثيرَ من المفكِّرين ومراكز الدراسات والبحوث يسألون عن أَهَــمّ الأسباب التي كانت وراء هذا التحول الكبير الذي حدث في المجتمع اليمني الذي يشبهُ المعجزةَ على يد المسيرة القرآنية وقائدها الشهيد السيد حسين بدر الدين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- وما هي القضايا التي أثارها والمفاهيم الإيْمَــانية التي جاء بها السيدُ في محاضراته وكان لها التأثيرُ الكبير في هذه النهضة الإيْمَــانية التي نعيشُها والثقافة القرآنية التي نشهدُها في كُـلِّ مَن دخل المسيرة القرآنية والتحق بها وصارَ من أتباعها؟
ولا شك أن هناك مجموعةً كبيرةً من المفاهيم القرآنية التي تعد بالمئات إن لم تكن بالآلاف قد وردت في محاضرات السيد المعروفة بالملازم وكانت وراءَ بناء الشخصية الإيْمَــانية لأتباع المسيرة القرآنية والتي من المهم تتبعها والإشارة إليها ونحن في هذا المقال سوف نشير إلى أربعة مفاهيم منها:
العودةُ إلى القرآن الكريم
سعى الشهيدُ القائدُ إلى إيقاظِ المجتمع الذي حولَه وإقناعه بضرورة العودة إلى القرآن الكريم، حَيْــثُ بيّن له عظمةَ القرآن المستمدة من عظمة الله والتي ترتكز على معرفة الله بمنهجية القرآن، وعلى عظمة ومكانة القرآن وضرورة العمل والانطلاق منه في بقية أمورنا الحياتية وفق أوامر الله التي وجهنا بها في كتابه الكريم وكلامه العظيم، موضحاً لهم بأَن القرآن قد حدّد وعالج كُـلّ ما يحتاجه الإنسان في حياته وليس عليهم سوى العودة إلى التوجيهات الإلهية وتفعيلها في حياتهم والانطلاق العملي في تنفيذها من خلال المنهج الإلهي الذي حدّد لهم الطريقة والوسيلة وعرفه بالنتائج
مؤكّـداً على حتميةِ العودة للقرآن عبر التأمل والتفكر والتدبر في آياته وباستخدام العقل وتنشيطه في أداء هذه المهمة في منهجية تهدفُ لمعرفة الله بما عرّف به نفسَه في كتابه الكريم وكلامه المنزل ولمعرفة (هدى الله) الذي وضعه في كتابه لعباده حتى تتحول تلك المعرفة إلى واقع حي في حياتهم يتحَرّكون بها لإصلاح كُـلّ أحوالهم والى أعمال تترجم ذَلك الفهم أَو الإيْمَــان، بحيث تكون حركتُهم الإيْمَــانية بالثقافة القرآنية مصدراً لنهضة حياتهم وموئلا لمواجهة أعدائهم، من منطلق أن كُـلَّ ما أمر الله به هو من ربهم الرحمن الرحيم التي كُـلّ أوامره جاءت لتحقيق سعادة الناس وصلاح أحوالهم في الدنيا وفق دورهم المناط بهم في الأرض على أَسَاس أن الإنسان هو خليفة الله فيها.
معرفةُ الله بالمنهج القرآني
دعا السيدُ حسينُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- إلى معرفة الله بالمنهج القرآني والطريقة النبوية التي تتلاءم مع فطرة الإنسان وتؤدي إلى استخدام عقله وتنشيطه والى الانسجام والتماهي مع ما حوله في السموات والأرض عبر التأمل والتفكر والتعقل والتدبر والتعمق في خلق السموات والأرض وما فيها من آيات وقوانين وسنن إلهية قامت عليها المخلوقات التي خلقها الله في الأَسَاس وسخّرها لهذا الإنسان، وهذه الطريقة القرآنية قد ركّز عليها السيد حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في محاضرات “معرفة الله” التي تناولت عظمته والثقة به وإدراك نعمه المحيطة بالإنسان في كُـلّ مناحي حياته ووجوده وتناولت وعده ووعيده.
مفهوم الدنيا
قدم السيد حسين مفهومَ الرؤية القرآنية للدنيا والتي عالج فيها نظرةَ الناس الخاطئة لها والتي تقوم على تحقير الدنيا والإعراض عنها، وَأكّـد فيها على أن الإنسان في الأصل خُلق لهذه الدنيا وعليه أن يستغلَّ كُـلَّ دقيقة فيها وكل طاقة يملكها ويستفيد من كُـلّ ما خلق الله في الأرض كونه تعالى قال: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً)، وأن الدار الآخرة ليست سوى دار الثواب والجزاء لما قام به الإنسان في دنياه، وأن الله قد أودع في كُـلّ إنسان من القدرات ما يجعله فاعلاً ومؤثراً فيها وفي نفس الوقت حمّله مسؤولية استخدام تلك القدرات واستغلالها في إطار هذه الدنيا التي أوجده الله فيها لخلافته، ويقول السيد حسين إنه بسَببِ هذه النظرة الدونية للدنيا انحرف المسلمون عن خط القرآن وتخلفوا وصاروا أضعفَ الأمم وأكثرها فقراً وأقلها تطوراً وحضارة وإمْكَانات.
مَن هم العلماء؟
تحدث السيد حسين عن المفهومِ القرآني للعلماء ودورِهم والإشارة اليهم عبر إشادة القرآن بالعلم والعلماء وبمن سماهم في بعض آياته بالرجال؛ بسَببِ دورِهم الفاعل والمؤثر والأَسَاسي في إقامة الدين والدفاع عنه ومواجهة الطغاة والظالمين كالرجل الذي ذكره الله في سورة يس بقوله (وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى) والذي أهلك الله قومَه انتصاراً لموقفه واستشهاده في وجود ثلاثة رسل بينهم أَو ذكره لمؤمن آل فرعون الذي خلّد القرآنُ موقفَه وإيْمَــانه لدوره في ذَلك الوسط الكافر وفي ظل جبروت فرعون وطغيانه.
ووجّه السيد حسين انتقادَه للدور غير المؤثر والفاعل لبعض العلماء وركّز في انتقاده على طريقة التدريس وآلية التلقين التي أوجدت مجتمعاً متخاذلاً ضعيفاً غيرَ فاعلٍ أَو مدافعٍ عن نفسه وحقوقه واعتماد بعض المناهج التي اعتمدت إلى غير المنهج القرآني كعلم أصول الدين.